كما كانت الحرب العالمية الثانية سببا في سقوط عشرات الملايين من الضحايا، كانت أيضا سببا في تدهور حال اللعبة الشعبية الأولى، فحرمت الملايين من كبرى البطولات في عالم كرة القدم لسنوات، حتى أخمدت نيرانها.
فبعد النسخة الثالثة من المونديال عام 1938 في فرنسا، أصيب العالم بجنون الصراعات، ففي إسبانيا كانت الحرب الأهلية مستمرة في حصد الأرواح، واندلعت الحرب العالمية بعد البطولة بعام واحد، ولم تنته إلا بعد ست سنوات.
وفي إثر الأوضاع السياسية المتردية، تم إلغاء نسختي كأس العالم 1942 و1946 ، وبعد انتهاء الحرب العالمية، عادت الحياة لتنبض في قلب الساحرة المستديرة بعد الاتفاق على استئناف المونديال وإقامة نسخته الرابعة عام 1950.
ويرجع الفضل إلى رئيس اتحاد الكرة الإيطالي، أوتورينو باراسي، في الحفاظ على كأس البطولة من الدمار أو السرقة، حيث لجأ إلى خدعة طريفة بوضعه داخل "علبة حذاء" تحت سريره، كي لا يقع في أيدي النازيين خلال الحرب، وذلك بعد أن أخذه من أحد بنوك روما، حين اقتحمت القوات الألمانية إيطاليا.
اجتمع أعضاء الاتحاد الدولي، (فيفا)، في باريس، لاختيار الدولة الجديدة المنظمة للبطولة بعد أوروجواي وإيطاليا وفرنسا.
خلال الجلسات، طـُرح اسمُ البرازيل بقوة بعد الطفرة، التي عاشها البلد اللاتيني مع حاكمه، جيتوليو فارجاس، منذ عام 1937 ، لكن ألمانيا أعلنت التحدي وطلبت استضافة المونديال، وكذلك سويسرا.
لكن في اجتماع الحسم للفيفا في لوكسمبورج عام 1948، تم اتخاذ قرار باستبعاد ألمانيا من البطولة، بسبب جرائم النظام النازي، والدمار الذي سببته في الحرب العالمية، وفي المقابل اختيرت البرازيل بالإجماع لتنظيم الحدث الرياضي الأعظم، مع اعلان تنظيم سويسرا للمونديال التالي في 1954.
كان الفيفا آنذاك يضم بين أعضائه 49 دولة، شاركت منها 33 دولة في التصفيات المؤهلة للمونديال، إذ اعتذرت النمسا وفرنسا والبرتغال وتركيا بحجة بعد المسافة عن البرازيل، بينما لم تردّ المجر وبولندا وتشيكوسلوفاكيا من الأساس على دعوة الفيفا.
ومن قارة أميركا الجنوبية، رفضت الأرجنتين وبيرو والإكوادور المشاركة بداعي أن الظروف ليست مناسبة، وفي المقابل، فضلت اسكتلندا إعطاء الأولوية لبطولة كأس بريطانيا.
لكن إنجلترا قبلت دعوة السفر إلى بلاد السامبا، كآخر المنضمين إلى البطولة، لتسجل حضورها المونديالي الأول كضيف شرف، باعتبارها البلد الذي اخترع كرة القدم الحديثة.
ومن أوروبا أيضا، شاركت إسبانيا ويوغوسلافيا وإيطاليا والسويد وسويسرا، ومن الأميركتين، حضرت المكسيك وبوليفيا وتشيلي والولايات المتحدة وباراجواي وأوروجواي، والاخيرة قررت العودة بعد الامتناع عن المشاركة في آخر بطولتين، وهي بطلة النسخة الأولى من كأس جول ريميه (المحامي الفرنسي صاحب فكرة المونديال)على أراضيها.
ووفرت الحكومة البرازيلية للمشجعين ملعب ماراكانا الشهير، والذي كان يتسع آنذاك لـ 155 ألف متفرج، وشهد المباراة النهائية التاريخية بين البرازيل وأوروجواي، وانتهى بحسرة البلد المضيف بفوز السيليستي باللقب للمرة الثانية.
واستفاد كلا المنتخبين من الكارثة، التي لحقت بمنتخب إيطاليا، حامل اللقب آخر مرتين، بعد سقوط طائرة فريق تورينو، بطل الكالتشو، الذي يضم القوام الأساسي للمنتخب في طريق العودة من لشبونة قبل أشهر معدودة من المونديال، عقب أداء مباراة ودية، وهو الحادث الذي أودى بحياة 18 لاعبا بجانب المدربين والإداريين ضمن 31 ضحية.
تعهدت البرازيل بمسح آثار الحزن، الذي طغى على القارة الأوروبية العجوز، بالأخص عقب الحرب العالمية، وذلك من خلال تنظيم مباريات رائعة في المونديال، وبالفعل نفذت وعدها، وسادت حالة من الشغف والبهجة بين جمهور الكرة الأوروبي أنستهم ولو مؤقتا كوارث السياسة.