23 اغسطس 2024
الحياد الذي أسقط اليمن
لعب أصحاب مصطلح "الحياد" دوراً خطيراً وكبيراً في سقوط اليمن، وعودة غول الإمامة الكهنوتي، بعد أكثر من نصف قرن من قضاء اليمنيين على هذه الفكرة التي أعادت تكييف نفسها طوال خمسة عقود مضت، مع كل محطات السياسة اليمنية، متسرّبة في كل مناحي الحياة السياسية والثقافية والاجتماعية اليمنية، مخترقةً كل التيارات والهيئات والأحزاب، في شكل لوبي سرّي يشتغل لمشروع عودة الإمامة الزيدية، بكل السبل والإمكانات المتاحة، وهو ما تحقّق لهذا اللوبي، عشية تسلم مليشيات الإمامة العاصمة صنعاء ليلة 21 سبتمبر/ أيلول 2014.
لم يكن التسليم الدراماتيكي لصنعاء، وبعدها كل وحدات الجيش والأمن ومؤسسات الدولة التي سلمت من دون قتال، نتاج قوات المليشيات، بقدر ما كان نتاج تخطيط طويل للوبي الإمامة الذي استطاع أن يلعب الدور جيداً، وينجز المهمة بنجاحٍ كبير، من خلال لعبة الحياد الخطيرة التي تم تسميم المشهد السياسي اليمني بها، طوال فترة خروج المليشيات وتمدّدها من صعدة حتى صنعاء.
تبدّت لعبة الحياد بشكل خطير، ليس فقط فيما يتعلق بالمشهد السياسي الداخلي اليمني، وإنما شاركت بها قوى إقليمية ودولية كبيرة، من خلال دور مبعوثي الأمم المتحدة لليمن الذين لعبوا دوراً مهماً في هذا الاتجاه، من خلال ممارسة ضغوط كبيرة على كل الأطراف الفاعلة، لتحييدها عن لعب دور في إيقاف سقوط اليمن بيد المليشيات التي عبّدت لها لعبة الحياد الطريق، لإسقاط الدولة والجمهورية، ومن ثم اليمن، وربما المنطقة كلها، في حال ظلت الأمور تمضي على هذا المنوال الذي لا يزال مستمراً. فحينما فرضت مليشيات الحوثي حصارها وقتالها على جماعة سلفيي دماج، وتهجيرهم منها في 15 يناير/ كانون الثاني 2013، وحتى سقوط صنعاء، كانت المسافة الزمنية قصيرة جداً، اشتغلت مكائن اللوبي الانقلابي، في كل مؤسسات الدولة والفعاليات السياسية والمدنية، على هذا المصطلح الذي قضى حينها بتحييد مؤسسات الجيش في قتال جماعة الحوثي، تحت لافتة أن الجيش يجب أن يبقى على مسافة واحدة من جميع الأطراف، وكان يقصد بالأطراف الجيش نفسه، ما أدى إلى الاستفراد بوحدات الجيش، واحدةً تلوى أخرى.
الأهم، هنا، أن هذا المصطلح المفخّخ كان يردّ كثيراً في تقارير المبعوث الأممي إلى اليمن، جمال بن عمر، وخلفه الراهن إسماعيل ولد الشيخ وإحاطاتهما. وكانت تنعكس في تقارير الأمم المتحدة تجاه اليمن، والتي عوّمت الأزمة بالحديث عن أطرافٍ تتصارع، فيما لم يكن هناك سوى مليشيات تريد إسقاط الدولة، وهي السياسة التي أثمرت فعلاً وسريعاً، بالتهام ليس مؤسسات الجيش فحسب، وإنما اليمن كلها بعد ذلك.
لا يتم الحديث، هنا، عن الموقف الأميركي الرافض حينها إعادة هيكلة القوات اليمنية، وفي
القلب منها ما كان يسمى الحرس الجمهوري الذي ظلت تمانع السفارة الأميركية في صنعاء من الاقتراب منه، حتى تم تسليمه، بعد ذلك، لقادة مليشاويين، وإنما يتم عن تورط أعلى قمة سيادية في اليمن، وهي رئاسة الجمهورية وشخص رئيس الجمهورية الذي أدّى دور الحياد بطريقةٍ ناجحةٍ، كما أريد له أن يؤديها، وكل مسؤولي الدولة الذين نراهم أمامنا اليوم في المنافي والشتات.
مع هذا، ربما كان يمكن قبول فكرة الحياد في سياق ملابسات ما قبل سقوط العاصمة صنعاء سلماً وتسليماً، على افتراض تورّط الجميع محلياً وإقليمياً على استمرار لعبة الحياد تلك، لكن غير المفهوم و المقبول الآن، هو استمرار لعبة الحياد هذه، بعد كل هذا الانكشاف الذي أوصل اليمن إلى مرحلة سجن كبير بيد عصابة مافيا، تمارس فيها على اليمنيين كل صنوف الإهانة والإذلال والظلم والهمجية.
فمن أخطر معارك الحياد اليوم لعبة الحياد، بشقها الاقتصادي، والتي من غرابتها تكاد تكون أشبه بنكتة سمجة، وذلك في الحديث عن حياد مؤسسات وموارد الدولة في الصراع الدائر، وبقاء ضخ الأموال والموارد من المناطق المحرّرة إلى المركز المالي، ممثلاً بالبنك المركزي في صنعاء، الخاضع لسيطرة الانقلابيين الذين لم يكتفوا بنهب ما يقدر بأربعة مليارات ونصف المليار دولار من الاحتياطي النقدي للبنك، وإنما الاستحواذ على كل مخصصات المؤسسات الاقتصادية ذات الموارد الكبيرة، وتسخيرها فيما تسميه المجهود الحربي.
ليس هذا فحسب، بل الأغرب أن الانقلابيين يتحكّمون، اليوم، برواتب موظفي الدولة والجيش والأمن، وهو ما تبدّى بفضيحة مضحكة مبكية حتى الآن، من خلال استخدام رواتب بعضهم لكسب ولائهم السياسي لصف الانقلاب، فيما المناطق المحرّرة لا يتم تصدير رواتب أبنائها، وخصوصاً الوحدات العسكرية والأمنية التي تعمل في إطار هذه المناطق، فيما هذه المناطق تسمح برفد بنك صنعاء المركزي بالمال الذي تستخدمه المليشيات في معركتها الانقلابية.
ويتم هذا كله طبعأً تحت لافتة حياد مؤسسات الدولة ومواردها الاقتصادية في الصراع الدائر، هذا الحياد الذي فرضته دول كبيرة، كالولايات المتحدة التي رفضت رفضاً قاطعاً نقل البنك المركزي إلى العاصمة المؤقتة عدن، وثم توريد موارد النفط والغاز والجمارك إليها، وليس غريباً هذا بقدر غرابة اقتناع الحكومة الشرعية بهذه الفكرة، وصمتها المطبق، في حين أن عناصر الجيش الذي قاتل من أجلها حتى اللحظة منذ ثمانية أشهر لم يتسلموا رواتبهم.
إننا أمام معادلة يمنية غرائبية بامتياز، لا يمكن فهمها سوى في إطار اللعبة الدولية الكبرى التي تعمل على إعادة تمزيق المنطقة، والانتقام من شعوبها الثائرة التي انطلقت بأعظم ثورة عرفها التاريخ، وهي ثورة الربيع العربي السلمية، وهي اللعبة التي تجلّت وتتجلى دائماً بالخوف الكبير من موجة الدمقرطة والحرية التي تطالب بها هذه الشعوب، لامتلاك حريتها وإرادتها وكرامتها.
وعلى الرغم من ذلك، فإن الحديث عن لعبة المؤامرة الدولية، في هذا الإطار، هو الآخر، لم يعد مقنعاً ومجديا، وخصوصاً في ظل حالة الشلل والعجز المخيفة التي تعاني منها الحكومة اليمنية الشرعية، هذا العجز الذي أثر سلباً على موقف التحالف العربي الذي يخضع للعبة الابتزاز الدولية التي تستهدف دوله بالأساس، ما يعني أهمية تدارك المشهد اليمني بمزيدٍ من الحزم لإنجاز مهمة استعادة الشرعية التي تتوقف على استعادتها حماية لكل الشرعيات الحاكمة في الجزيرة العربية كلها، التي تشهد تحدياً وجودياً لأمنها ونظمها ومجتمعاتها.
ليس هناك أقذر من لعبة الحياد هذه سوى استمراء هذه اللعبة، واستمرارها واحدةً من ملامح هذه المرحلة الأكثر سوءاً وقتامةً في تاريخ اليمن، وهي التي يراد تكرارها، مرة أخرى، فيما يتعلق بأنه لا علاقة للصراع في المناطق الشمالية بالمناطق الجنوبية المحرّرة، ليتم تكرار سيناريو لم تجفّ دماء شهدائه في الجنوب الذين كان يقال لهم إنه لا علاقة للجنوب بصراع الحوثي والدولة في شمال الشمال.
لم يكن التسليم الدراماتيكي لصنعاء، وبعدها كل وحدات الجيش والأمن ومؤسسات الدولة التي سلمت من دون قتال، نتاج قوات المليشيات، بقدر ما كان نتاج تخطيط طويل للوبي الإمامة الذي استطاع أن يلعب الدور جيداً، وينجز المهمة بنجاحٍ كبير، من خلال لعبة الحياد الخطيرة التي تم تسميم المشهد السياسي اليمني بها، طوال فترة خروج المليشيات وتمدّدها من صعدة حتى صنعاء.
تبدّت لعبة الحياد بشكل خطير، ليس فقط فيما يتعلق بالمشهد السياسي الداخلي اليمني، وإنما شاركت بها قوى إقليمية ودولية كبيرة، من خلال دور مبعوثي الأمم المتحدة لليمن الذين لعبوا دوراً مهماً في هذا الاتجاه، من خلال ممارسة ضغوط كبيرة على كل الأطراف الفاعلة، لتحييدها عن لعب دور في إيقاف سقوط اليمن بيد المليشيات التي عبّدت لها لعبة الحياد الطريق، لإسقاط الدولة والجمهورية، ومن ثم اليمن، وربما المنطقة كلها، في حال ظلت الأمور تمضي على هذا المنوال الذي لا يزال مستمراً. فحينما فرضت مليشيات الحوثي حصارها وقتالها على جماعة سلفيي دماج، وتهجيرهم منها في 15 يناير/ كانون الثاني 2013، وحتى سقوط صنعاء، كانت المسافة الزمنية قصيرة جداً، اشتغلت مكائن اللوبي الانقلابي، في كل مؤسسات الدولة والفعاليات السياسية والمدنية، على هذا المصطلح الذي قضى حينها بتحييد مؤسسات الجيش في قتال جماعة الحوثي، تحت لافتة أن الجيش يجب أن يبقى على مسافة واحدة من جميع الأطراف، وكان يقصد بالأطراف الجيش نفسه، ما أدى إلى الاستفراد بوحدات الجيش، واحدةً تلوى أخرى.
الأهم، هنا، أن هذا المصطلح المفخّخ كان يردّ كثيراً في تقارير المبعوث الأممي إلى اليمن، جمال بن عمر، وخلفه الراهن إسماعيل ولد الشيخ وإحاطاتهما. وكانت تنعكس في تقارير الأمم المتحدة تجاه اليمن، والتي عوّمت الأزمة بالحديث عن أطرافٍ تتصارع، فيما لم يكن هناك سوى مليشيات تريد إسقاط الدولة، وهي السياسة التي أثمرت فعلاً وسريعاً، بالتهام ليس مؤسسات الجيش فحسب، وإنما اليمن كلها بعد ذلك.
لا يتم الحديث، هنا، عن الموقف الأميركي الرافض حينها إعادة هيكلة القوات اليمنية، وفي
مع هذا، ربما كان يمكن قبول فكرة الحياد في سياق ملابسات ما قبل سقوط العاصمة صنعاء سلماً وتسليماً، على افتراض تورّط الجميع محلياً وإقليمياً على استمرار لعبة الحياد تلك، لكن غير المفهوم و المقبول الآن، هو استمرار لعبة الحياد هذه، بعد كل هذا الانكشاف الذي أوصل اليمن إلى مرحلة سجن كبير بيد عصابة مافيا، تمارس فيها على اليمنيين كل صنوف الإهانة والإذلال والظلم والهمجية.
فمن أخطر معارك الحياد اليوم لعبة الحياد، بشقها الاقتصادي، والتي من غرابتها تكاد تكون أشبه بنكتة سمجة، وذلك في الحديث عن حياد مؤسسات وموارد الدولة في الصراع الدائر، وبقاء ضخ الأموال والموارد من المناطق المحرّرة إلى المركز المالي، ممثلاً بالبنك المركزي في صنعاء، الخاضع لسيطرة الانقلابيين الذين لم يكتفوا بنهب ما يقدر بأربعة مليارات ونصف المليار دولار من الاحتياطي النقدي للبنك، وإنما الاستحواذ على كل مخصصات المؤسسات الاقتصادية ذات الموارد الكبيرة، وتسخيرها فيما تسميه المجهود الحربي.
ليس هذا فحسب، بل الأغرب أن الانقلابيين يتحكّمون، اليوم، برواتب موظفي الدولة والجيش والأمن، وهو ما تبدّى بفضيحة مضحكة مبكية حتى الآن، من خلال استخدام رواتب بعضهم لكسب ولائهم السياسي لصف الانقلاب، فيما المناطق المحرّرة لا يتم تصدير رواتب أبنائها، وخصوصاً الوحدات العسكرية والأمنية التي تعمل في إطار هذه المناطق، فيما هذه المناطق تسمح برفد بنك صنعاء المركزي بالمال الذي تستخدمه المليشيات في معركتها الانقلابية.
ويتم هذا كله طبعأً تحت لافتة حياد مؤسسات الدولة ومواردها الاقتصادية في الصراع الدائر، هذا الحياد الذي فرضته دول كبيرة، كالولايات المتحدة التي رفضت رفضاً قاطعاً نقل البنك المركزي إلى العاصمة المؤقتة عدن، وثم توريد موارد النفط والغاز والجمارك إليها، وليس غريباً هذا بقدر غرابة اقتناع الحكومة الشرعية بهذه الفكرة، وصمتها المطبق، في حين أن عناصر الجيش الذي قاتل من أجلها حتى اللحظة منذ ثمانية أشهر لم يتسلموا رواتبهم.
إننا أمام معادلة يمنية غرائبية بامتياز، لا يمكن فهمها سوى في إطار اللعبة الدولية الكبرى التي تعمل على إعادة تمزيق المنطقة، والانتقام من شعوبها الثائرة التي انطلقت بأعظم ثورة عرفها التاريخ، وهي ثورة الربيع العربي السلمية، وهي اللعبة التي تجلّت وتتجلى دائماً بالخوف الكبير من موجة الدمقرطة والحرية التي تطالب بها هذه الشعوب، لامتلاك حريتها وإرادتها وكرامتها.
وعلى الرغم من ذلك، فإن الحديث عن لعبة المؤامرة الدولية، في هذا الإطار، هو الآخر، لم يعد مقنعاً ومجديا، وخصوصاً في ظل حالة الشلل والعجز المخيفة التي تعاني منها الحكومة اليمنية الشرعية، هذا العجز الذي أثر سلباً على موقف التحالف العربي الذي يخضع للعبة الابتزاز الدولية التي تستهدف دوله بالأساس، ما يعني أهمية تدارك المشهد اليمني بمزيدٍ من الحزم لإنجاز مهمة استعادة الشرعية التي تتوقف على استعادتها حماية لكل الشرعيات الحاكمة في الجزيرة العربية كلها، التي تشهد تحدياً وجودياً لأمنها ونظمها ومجتمعاتها.
ليس هناك أقذر من لعبة الحياد هذه سوى استمراء هذه اللعبة، واستمرارها واحدةً من ملامح هذه المرحلة الأكثر سوءاً وقتامةً في تاريخ اليمن، وهي التي يراد تكرارها، مرة أخرى، فيما يتعلق بأنه لا علاقة للصراع في المناطق الشمالية بالمناطق الجنوبية المحرّرة، ليتم تكرار سيناريو لم تجفّ دماء شهدائه في الجنوب الذين كان يقال لهم إنه لا علاقة للجنوب بصراع الحوثي والدولة في شمال الشمال.