الحوار الوطني اللبناني بنسخته الـ16: أسهُم التمديد لسليمان تتراجع

الحوار الوطني اللبناني بنسخته الـ16: أسهُم التمديد لسليمان تتراجع

30 مارس 2014
سيشارك بري بصفته رئيساً للبرلمان (أرشيف، دالاتي ونهرا)
+ الخط -

عندما تسلّم ميشال سليمان رئاسة الجمهورية، بتفويض عربي ودولي، أُعطي ورقة رابحة اسمها هيئة الحوار الوطني. استخدم الرئيس، طوال السنوات الستّ الماضية، هذه الورقة لجمع القوى السياسية المتصارعة حوله. استعان بها ليظهر في موقع "الأب الجامع" للبنانيين، القادر على لمّ شملهم بغض النظر عن كل اختلافهم وخلافهم تحديداً حول سلاح حزب الله والاستراتيجية الدفاعية. حرص الرئيس على تلميع هذه الصورة عند كل استحقاق، في تشكيل الحكومات وزمن الانتخابات النيابية وأوقات الحروب الداخلية الصغيرة المتنقلة. بدت هيئة الحوار وكأنها صفّارة، ينفخ فيها سليمان فيوقف المتخاصمين اشتباكهم، وما إن ينتهي وقت الاستراحة، حتى يعود كل منهم إلى موقعه ومتراسه.

إلى أن جاء من وما يحرق هذه الورقة ويهشّم مشهد الإجماع الصوري أساساً. فقبل أسابيع من انتهاء ولايته، لم تعد دعوات سليمان تلائم الفريق المعنيّ الأول بالحوار، حزب الله وفريق الثامن من آذار.

انتقد سليمان معادلة "الجيش والشعب والمقاومة" التي قامت عليها البيانات الوزارية السابقة منذ حكومة الرئيس فؤاد السنيورة الأولى بعد انتخابات 2005 النيابيّة، واعتبرها "خشبية". ردّد أكثر من مرة ضرورة حصر السلاح بيد الدولة، وشدّد على أولوية انسحاب كل المقاتلين اللبنانيين المشاركين في الحرب السورية. فتح سليمان قبل شهرين من انتهاء ولايته كل هذه الملفات، وعبّر عن هذه المواقف، فغضب عليه حزب الله وحلفاؤه.

لم يعد الحزب ومن معه في فريق الثامن من آذار، باستثناء "تكتل التغيير والإصلاح" النائب ميشال عون، يجد أي مبرر للمشاركة في حوار القصر الرئاسي في بعبدا. تواصلت قوى الثامن من آذار فيما بينها خلال الساعات الماضية، وخرجت بخلاصة تقول الآتي: "على من يريد أن يدير الحوار حول المقاومة وسلاحها، أن يكون أهلاً لذلك، ومقتنعاً بضرورة وجود هذا السلاح لصد الاعتداءات الإسرائيلية" كما يقول أحد نواب الثامن من آذار لـ"العربي الجديد". لذلك سيقاطع الحزب ومن معه جلسة الحوار، غداً الإثنين. ويعني ذلك أن كتلة الوفاء للمقاومة (كتلة حزب الله النيابية) لن تشارك، وكذلك كتلة تيار المردة (برئاسة النائب سليمان فرنجية) وكتلة وحدة الجبل (برئاسة الوزير طلال أرسلان) وكتلتا الحزب القومي السوري الاجتماعي وحزب البعث.

ويعبّر رئيس كتلة التنمية والتحرير، الرئيس نبيه بري، عن جوّ المقاطعة نفسه. إلا

أنّ عائقاً تقنياً ورسمياً يمنع الحليف الأول لحزب الله من مشاركته هذا القرار، فيضطره إلى المشاركة، وهو موقعه في رئاسة مجلس النواب. ويؤكد نائب في كتلة التنمية لـ"العربي الجديد" أنّ "الرئيس بري سيحضر الحوار بصفته رئيساً وليس ممثلاً لطرف سياسي أو كتلة".

إلا أنّ مقاطعة الحوار لن تكون حكراً على هذا الفريق، باعتبار أنّ رئيس حزب القوات اللبنانية، سمير جعجع، متمسّك حتى الساعة بقرار عدم المشاركة الذي سبق واتّخذه في ديسمبر/كانون الأول 2012. وتشير المعلومات التي حصل عليها "العربي الجديد" إلى أنّ اتصالات كثيرة أجرتها شخصيات في قوى 14 آذار مع جعجع، من دون أن تنجح في إقناعه بالعدول عن موقفه.

لن يحتاج الحوار اللبناني، غداً الإثنين، إلى طاولة مستطيلة والكثير من الكراسي. سيجلس الرئيس ويجتمع حوله رئيس الحكومة تمام سلام، ورئيس كتلة المستقبل، النائب فؤاد السنيورة ورئيس تكتل التغيير والإصلاح، النائب ميشال عون، والنائب وليد جنبلاط (رئيس جبهة النضال الوطني)، وإلى جانبهم رئيس حزب الكتائب أمين الجميّل. ستسلّط الأضواء على هذا الثلاثي فقط، من بين المشاركين المحتملين الآخرين كالرئيس السابق نجيب ميقاتي والنائب فريد مكاري والنائب آغوب بقرادونيان (كتلة النواب الأرمن المقربة من عون).

ستكون الطاولة بلا متحاورين، ولن يبقى لنقاش الملف الرئيسي، أي الاستراتيجية الدفاعية، أي معنى في ظلّ غياب حزب الله.

ترفض أوساط القصر الرئاسي التعليق على حملة المقاطعة هذه، والهجوم الحاصل على الرئيس. ويكتفي مسؤولون في القصر بالقول لـ"العربي الجديد" إنّ "سليمان قام بواجبه ووجّه الدعوات، ولا نزال بانتظار الردود الرسمية"، مع اعتراف هؤلاء بكون "الحوار بلا فريق الثامن من آذار سيفشل"، ما يضع بعض التساؤلات حول إمكانية استمرار الرئيس في دعوته بعد احتراق هذه الورقة.

يوحي مشهد المقاطعة وكأنّ فريق الثامن من آذار يعزل الرئيس ميشال سليمان. وفي هذا العزل الكثير من الإشارات حول انتخابات رئاسة الجمهورية المنتظرة في مايو/أيار المقبل. وفي هذا الربط، لا بد من كون سليمان قد فهم أنّ التمديد له في الرئاسة مستحيل. فيقول مقرّبون من قصر الرئاسة إنّ "سليمان لم يعد طامحاً إلى التمديد"، إذ إنّ هذا الطموح بلغ الذروة في تولّيه قيادة الجيش عشر سنوات (1998 ــ 2000) وفي رئاسة الجمهورية (أي أرفع منصبين للموارنة في لبنان). حتى أنّ بعض هؤلاء ينقلون عنه القول الآتي: "ما لم أفعله طوال هذه السنوات في الرئاسة وقيادة الجيش، هل بإمكاني القيام به في أشهر إضافية أو سنة أو اثنتين إضافيّتين؟"، وإن كان سليمان يسأل باستمرار عما يجري تداوله داخل الصالونات السياسية حول ملف التمديد.

ستنشغل دوائر قصر بعبدا قريباً بإعداد لوائح إنجازات "عهد فخامة الرئيس ميشال سليمان". سيسجّل المعنيون على هذه اللوائح أنّ سليمان ترأس 15 جلسة جامعة لهيئة الحوار الوطني (كما يُشير موقع الرئاسة الأولى الإلكتروني)، فهل سيُذكر أنّ الجلسة السادسة عشرة جاءت لتؤكد انفراط التوافق عليه؟

 

المساهمون