الحل هو الانتفاضة

20 نوفمبر 2014

فلسطيني في القدس يرجم قوة إسرائيلية بمقلاعه (18نوفمبر/2014/أ.ف.ب)

+ الخط -

كل المؤشرات تدلُّ على أن قطاعات من الشعب الفلسطيني، ومناطق فلسطينية محتلة، وصلت إلى حدود الانتفاضة. لا شيء، فعلاً، يحول دون اندلاع انتفاضة – ثورة فلسطينية جديدة، بجيل جديد، وربما بشعارات جديدة أيضاً. كانت الانتفاضة – الثورة متوقعةً مع اندلاع الربيع العربي القصير، السريع، مثل ربيع الصحراء، لكنَّ "الوضع الموضوعي" لم يكن جاهزاً لربيعٍ كالذي رأيناه عربياً (تونسياً، مصرياً، يمنياً تحديداً)، ولا كانت هناك قوى مستعدّة، أو جاهزة، لإطلاق شرارته في الشارع، وعندما توافر هذان العاملان (الآن) كان الربيع العربي قد تحوَّل خريفاً كالحاً، بل صار أمثولة مخيفة على الدم والدمار.

كان "العامل" الفلسطيني حاسماً، تاريخياً، في أي حراك عربي، سياساً وثقافياً. أهم المنعطفات العربية، على هذا الصعيد، صنعها، أو أسهم فيها، "عامل" فلسطيني. وقد يحتاج العالم العربي، مثل حاجة الفلسطينيين، وربما أكثر، إلى ثورة فلسطينيةٍ، تعيد الاعتبار إلى الحقيقة البسيطة التي بوسعنا أن نقول حيالها: هنا الوردة فلنرقص. فكل ما جرى في العالم العربي، ويجري هذه اللحظة، ثمرة من ثمار فشلنا، أو تخاذلنا، في التصدّي لأصل الداء (سبب وجود الاستبداد والفساد والتعبية والتخلف): احتلال فلسطين. هذا هو الجذر البعيد المغذّي لما نحن عليه من انقسام وتقاتل وفساد وتبعية وقهر داخلي.

باسم فلسطين، ارتكبت كوارث وطنية وإنمائية وحقوقية. وباسم فلسطين، قتل الطاغية شعبه وأهدر طاقاتها. وفلسطين بريئة من ذلك كله براءة الذئب من دم يوسف. لقد نُسيت هذه الحقيقة البسيطة، الصلبة، الواضحة وضوح الشمس، ولكن المغيَّبة غيبة "ولي الزمان". والآن.. ليس هناك وقت ولا ظرف أفضل لاندلاع انتفاضة – ثورة فلسطينية، تستأصل ما تبقى من أوهام "عملية السلام" المخزية، والتي لم يتحقق منها سوى سرقة البقية الباقية من أرض بيد الفلسطينيين. انتفاضة كهذه ستكون إنقاذاً للوضع الفلسطيني الفصائلي والشعبي المنقسم والمهترئ، وإنقاذاً للعالم العربي من هوَّة الصراع الطائفي والتدمير الذاتي التي يمشي إليها بعينين مفتوحتين على اتساعهما.

لكنَّ الانتفاضة – الثورة ليست أمنية، ولا هي قرار سياسي، بل مزيج معقّد من الظروف الذاتية والموضوعية. حتى عندما اتخذ الراحل ياسر عرفات "قرار" الانتفاضة السابقة، كان الواقع قد سبقه في اتخاذ قرارها على الأرض. بيد أن الواقع الفلسطيني تغير كثيراً منذ الانتفاضة الثانية التي انتهت باغتيال عرفات، وصُنْعٍ "واقعٍ" (في الضفة الغربية على الأقل) يجعل من التفكير في الانخراط في مسعىً كهذا صعباً، إن لم يكن مستحيلاً. لقد تمَّ تكبيل الواقع الفلسطيني، وتقييده، بشبكة هائلة من المنافع الاقتصادية والمالية الصغيرة، بحيث صار يحكي بعضهم عن "نهضة" اقتصادية، وبالتالي، يخشى أن تؤدي أية مواجهة مع إسرائيل إلى إعادتها إلى نقطة الصفر.

ليس هناك بلد، في حجم الضفة الغربية وقطاع غزة، يتوافر على نحو أربعة آلاف منظمة غير حكومية ممولة، جميعها، بأموال أجنبية، غربية خصوصاً، وهذا حسب تقرير للجهاز المركزي الفلسطيني للإحصاء! بين الانتفاضة السابقة وهذه التي تحبل بها الحياة الفلسطينية اليوم، ضخَّت القوى الغربية (بنصيحة من توني بلير، ومن يعملون على السلام الاقتصادي مثله) مليارات الدولارات في مرافق السلطة ومؤسساتها والمنظمات غير الحكومية التي ترعاها، لخلق واقع ماديٍّ يصعب "التضحية" به. هناك مئات آلاف المصالح الاقتصادية والرواتب والمكافآت المالية التي تنضم، في صفوفها، الجيل الذي يعوَّل عليه لمدّ الانتفاضة بالوعي والعضل والتكتيكات.

وإلى جانب ما ذكرت. ليس هناك قرار رسمي فلسطيني بالخروج من نفق "أوسلو" المظلم. وقد لا يكون هذا القرار مهماً، عندما لا يعود لدى الشباب الفلسطيني ما يخسرونه، فالخسارة الكبيرة، على كل حال، سبق أن حصلت.

E7B23353-660D-472F-8CF3-11E46785FF04
أمجد ناصر

شاعر وكاتب وصحفي من الأردن