الحكومة السودانية تحاور نفسها اليوم: المعارضة والحركات المسلحة تقاطع

الحكومة السودانية تحاور نفسها اليوم: المعارضة والحركات المسلحة تقاطع

10 أكتوبر 2015
البشير تمسّك باطلاق الحوار في موعده (أشرف الشاذلي/فرانس برس)
+ الخط -

تنطلق فعاليات مؤتمر الحوار الوطني في السودان صباح اليوم السبت وسط انتقادات محلية وإقليمية ودولية حادة، لاقتصاره على الحكومة السودانية وحلفائها، فضلاً عن قوى كانت جزءاً من النظام في حقبته الأولى، مع غياب كامل للقوى الفاعلة في الساحة السياسية السودانية والحركات المتمردة التي تقود حرباً ضد الحكومة في سبع ولايات سودانية من أصل 18 ولاية.

وسارع الحزب الحاكم في السودان لبث تطمينات لتخفيف الضغط عليه بالتأكيد أن مؤتمر اليوم مجرد بداية للحوار، الذي قال إنه سيستمر لمدة ثلاثة أشهر، معلناً أن الباب ما زال مفتوحاً لانضمام الرافضين للعملية، مؤكداً استمرار الاتصال بهم ومحاولة إقناعهم للالتحاق بالحوار.

ويشارك في مؤتمر الحوار الذي دعا إليه الرئيس السوداني عمر البشير، 1200 شخص من أصل 1400 شخص قالت الأمانة العامة للحوار إنها وجّهت لهم الدعوة، بينهم ممثلون عن 104 أحزاب سياسية، فضلاً عن دعوة جميع رؤساء الدول المجاورة للسودان بينها مصر وتشاد وإثيوبيا وجنوب السودان، بينما تأكدت فقط مشاركة الرئيس التشادي إدريس دبي إضافة إلى الأمين العام للجامعة العربية نبيل العربي.

ورفضت القوى الممانعة للحوار دعوات البشير للمشاركة في حوار اليوم، وبينها "الجبهة الثورية" (التي تضم الحركات الدارفورية والحركة الشعبية قطاع الشمال) وتحالف قوى المعارضة (معظمه من الأحزاب اليسارية بينها الحزب الشيوعي)، فضلاً عن حزب "الأمة" بزعامة الصادق المهدي، والأحزاب المعارضة المنسحبة من لجنة السبعة الخاصة بالحوار (عددها 21 حزباً بينها حركة "الإصلاح الآن" بقيادة غازي صلاح الدين، و"منبر السلام العادل" برئاسة خال الرئيس السوداني).

واعتبرت تلك القوى هذا الحوار مضيعة للوقت وإهداراً للأموال ومخاطرة بمستقبل البلاد، باعتبار أنه لم يأتِ شاملاً وغابت عنه أهم الفصائل المهمة صاحبة الأزمة والممثلة في الحركات المسلحة. وجددت شروطها للمشاركة، وهي وقف الحرب وتهيئة مناخ الحوار بإطلاق الحريات، إضافة إلى تحديد مسارات آمنة لإيصال المساعدات للمتضررين في أماكن العمليات، وعقد مؤتمر تحضيري وفق قرارات مجلس السلم الإفريقي الأخير.

ويصف مراقبون حوار اليوم بـ"الحوار مع الذات" باعتبار أنه لم يخرج عن نطاق الحكومة وحلفائها والمنشقين عنها في أوقات متفاوتة من عمرها، ويرون أن الخطوة من شأنها أن تزيد من حالة الاستقطاب الحاد في البلاد وتعقد الأزمة.

ويعيش السودان أوضاعاً اقتصادية قاسية تفاقمت حدتها مع انفصال دولة جنوب السودان عام 2011 وانسحاب ايرادات النفط جنوباً والتي كانت تُمثّل نحو 75 في المائة من إيرادات الخزينة العامة للدولة، فضلاً عن اتساع رقعة الحرب في البلاد، والتي يُقدَّر أن الحكومة تصرف ما قيمته 70 مليون دولار يومياً عليها.

ويرى المحلل السياسي أحمد عبدالله إبراهيم، أن هذا الحوار لا يعدو كونه ملتقى "للعلاقات العامة"، وأن أية نتائج تصدر عنه بشكله الراهن لن تكون ذات جدوى. ويشير إلى أن "أصحاب الأزمة الحقيقية الممثلين في الحركات المسلّحة، يغيبون عنه، فضلاً عن المعارضة، وبالتالي أية أزمة ستحلها الحكومة مع حلفائها الذين هم أصلاً جزء من الحكومة"؟

ويرجّح إبراهيم أن يعمد القائمون على مؤتمر اليوم للاكتفاء بالجلسة الافتتاحية وتشكيل مجموعات عمل للتواصل مع المقاطعين للحوار، مشيراً إلى ضغوطات دولية وإقليمية تواجهها الحكومة ستقودها في نهاية المطاف للمشاركة في المؤتمر التحضيري في أديس أبابا وفقاً لقرارات مجلس السلم الإفريقي، معتبراً عدم مشاركة رئيس الآلية الإفريقية ثامبو أمبيكي ضربة لحوار اليوم وتأكيد على عدم جدواه.

اقرأ أيضاً: السودان: المعارضة ترفض "المحفّزات التكتيكيّة" للحوار

وتكشف مصادر لـ"العربي الجديد" أن الحكومة خصصت ميزانية للحوار لا تتعدى سقف المليون ونصف مليون جنيه (نحو 248 ألف دولار). وفي مؤتمر صحفي للجنة السبعة الخاصة بالحوار، تحفّظت الأخيرة في إعلان ميزانية الحوار مع تأكيد تمويلها من الدولة، ولكنها أكدت على التقشف، مشيرة إلى مطالبة الجهة الخاصة بالإعلام بميزانية في حدود 600 ألف جنيه (نحو 99 ألف دولار) بينما خُصص لها فقط 118 ألف جنيه (نحو 20 ألف دولار). وتؤكد المصادر أن خطاب البشير في الحوار سيحمل إعلاناً عن تمديد وقف إطلاق النار لمدة ستة أشهر أسوة بإعلان الحركات المسلحة الأخير، فضلاً عن تأكيد العفو العام عن حملة السلاح.

وأظهر تمسّك حزب "المؤتمر الوطني" الحاكم بالحوار تبايناً داخله، إذ رأى بعض قادته ضرورة إرجاء حوار اليوم باعتباره غير مجدٍ في ظل غياب الفصائل الرئيسية المعنية بالأزمة وحلها. وتكشف مصادر لـ"العربي الجديد"، أن خلافات حادة ظهرت داخل حزب "المؤتمر الوطني" بشأن الحوار حسمها البشير بتمسّكه بانطلاق الحوار في مواعيده المعلنة.

وتشير المصادر إلى أن نقاشاً جدياً دار داخل نطاق محدود في أروقة الحزب، حول إعلان البشير استقالته من رئاسة الحزب الحاكم وتسليم المهمة لنائبة الأول بكري حسن صالح للتفرّغ لرئاسة الحوار وإغلاق الباب أمام مطالبات المعارضة بتسليم رئاسة الحوار لشخصية محايدة والطعن في أهلية البشير باعتباره رئيس حزب.

وقبيل انطلاقة الحوار، نشط "المؤتمر الوطني" لإقناع الرافضين بالمشاركة بالحوار، مركّزاً على الحركات المسلّحة وحزب الصادق المهدي، ووسّطت الحكومة الرئيس التشادي لإقناع الحركات بالمشاركة، وهو توجّه إلى فرنسا والتقى بقادة الحركات الرئيسية (جبريل ابراهيم عن حركة العدل والمساواة، ومني اركو مناوي وعبدالواحد نور عن حركة تحرير السوداني بجناحيها). كما التقى قادة الحركات المنشقّة عن الحركات الرئيسة في انجمينا، إلا أن محاولاته باءت بالفشل، إذ رفضت هذه الحركات المشاركة بالحوار، وجدّدت المطالبة بتنفيذ الاشتراطات كضمانات للحوار.

وفشلت محاولات مماثلة للحزب الحاكم في إقناع الصادق المهدي بالمشاركة في الحوار على الرغم من سلسلة الاجتماعات والاتصالات التي جرت، وعلى رأسها اتصال من البشير نفسه، فضلاً عن إرسال وفد برئاسة مساعد الرئيس ابراهيم محمود إلى القاهرة للقاء المهدي، من دون إحراز أي تقدّم في ظل تمترس الرجل حول مواقفه المتفقة مع "الجبهة الثورية" وقوى المعارضة فيما يتصل بالمشاركة في الحوار.

أما رئيس حزب "الوسط" الإسلامي يوسف الكودة، فتراجع عن قرار المشاركة بالحوار قبل أربع وعشرين ساعة من وصوله إلى الخرطوم قادماً من منفاه الاختياري. وقال في بيان مقتضب إنه قرر تأجيل العودة لا سيما بعد متابعته للمؤتمر الصحفي الذي عقده مساعد رئيس الجمهورية إبراهيم محمود الخميس حول ترتيبات وانطلاق الحوار.

وإزاء ذلك الموقف حمّل "المؤتمر الوطني" القوى الممانعة مسؤولية استمرار ما سماه "معاناة الشعب"، معتبراً أن جهوده لإقناع هذه القوى بالمشاركة في الحوار هي إثبات لجديته للخروج باستراتيجية متكاملة لحل أزمات البلاد. وقال مساعد رئيس الجمهورية ابراهيم محمود، في مؤتمر صحفي الخميس الماضي، إنه "بعد الحوار سيكون هناك معسكران أحدهما للسلام والآخر للحرب"، متهماً الحركات المقاطعة للحوار بالإصرار على الحرب، مشدداً على أن عدم مشاركة بعض الأحزاب لن يعزل الحكومة، "بل هذه الأحزاب ستعزل نفسها".

وقلّل محمود من تهديدات مجلس السلم الإفريقي للحكومة في حال عدم الالتزام بالمهلة التي تنتهي في ديسمبر/كانون الأول المقبل لإحداث تسوية سياسية سلمية للصراع في البلاد. وأشار إلى "القرارات المتعددة التي تصدر في مواجهة البلاد من المجلس من دون أن يكون لها مفعول على الأرض"، مؤكداً أن "قضية الحوار لا علاقة لها بالسلم والأمن العالميين ولا تهددهما ليتحرك المجلس ضد السودان".

يُذكر أن وفداً من الحكومة الألمانية التي تقود وساطة بين الفرقاء السودانيين، شرع بإجراء لقاءات بالمسؤولين في الحكومة السودانية لمحاولة إقناعهم بالحد من عقد حوار جزئي بغياب القوى الرئيسية.

اقرأ أيضاً: السودان يمنح ضمانات لقادة المجموعات المسلحة للمشاركة بالحوار