الحرب على "داعش": دير الزور قبل معركة الموصل

الحرب على "داعش": دير الزور قبل معركة الموصل

27 يونيو 2016
تنتقل دير الزور من معاناة إلى أخرى(فرانس برس)
+ الخط -
تزيد الولايات المتحدة الأميركية دعمها العسكري واللوجستي للحكومة العراقية بالتزامن مع دعم مماثل وكبير من إيران لمليشيات "الحشد الشعبي" بشكل رئيسي، وهو ما انعكس بشكل إيجابي لصالح القوات الحكومية ومليشيات "الحشد" في الفلوجة. ومنذ ما يزيد عن ثلاثة أشهر، يسجل المشهد العام للمعارك داخل الأراضي العراقية تراجعاً كبيراً لتنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، ولا سيما أن قوات التحالف الدولي زادت من طلعاتها الجوية اليومية وكثفت الحكومة حملاتها العسكرية ضد مناطق سيطرة التنظيم، فيما بدت القوات العشائرية المناهضة لـ "داعش" مهمشة إلى أبعد حدود يمكن تخيلها، خاصةً مع إعلان أحد أعضاء مجلسها أن الحكومة رفضت تسليم أسلحة لأبناء العشائر لقتال "داعش" في الفلوجة وسلمتها لمليشيات "الخراساني" و"حزب الله".

وأعلن قائد قوات الجيش بالفلوجة أمس الأحد، انتهاء المعركة بتحقيق النصر على "داعش" واستعادة السيطرة على جميع أحياء المدينة بعد 41 يوماً من المعارك الطاحنة في المدينة ومحيطها، وقد شاركت فيها قوات مختلفة من الجيش والقوات الخاصة والمليشيات والحرس الثوري الإيراني وبدعم أميركي، بدا كبيراً في الأيام الأخيرة.

ومع انكسار تنظيم "داعش" في الفلوجة، يكون قد خسر أهم خمس مدن لديه خلال أشهر قليلة وهي الرمادي وهيت والرطبة وكبيسة ثم الفلوجة وجميعها واقعة ضمن محافظة الأنبار. ولم يتبق من المدن الرئيسة غرب العراق سوى مدينة القائم على الحدود الدولية مع سورية، وعدا ذلك فإن تواجد التنظيم لا يزال في جزيرة الخالدية وأجزاء من شمال الرمادي ويتوزع على شكل جيوب وخلايا في مناطق أخرى، توصف عادةً من قبل القادة العراقيين بأنها مقلقة أمنياً ولكن بشكل مؤقت.

وفي الشمال، تبقى الموصل والبعاج والشرقاط المعاقل الرئيسية لدى "داعش"، وتكاد الأخيرة أن تفلت من قبضته حيث المعارك مستمرة منذ أيام بينه وبين القوات الحكومية ومليشيات الحشد مدعومة بالمظلة الأميركية التي باتت أنشط من ذي قبل خاصة في ظل الطلعات الجوية لمقاتلات F16 والطائرات من دون طيار "الدرونز".

وتفيد تقارير طبية عراقية في وزارة الصحة، حصلت "العربي الجديد" عليها، أنه في الشهر الجاري وحده قتل وأصيب 3256 مدنياً في المدن الشمالية والغربية من العراق التي تشهد القتال، قضى غالبيتهم بسبب القصف والمعارك وانتهاكات مليشيات "الحشد"، من بينهم 1469 طفلاً وامرأة.

وقال قائد قوات عمليات الفلوجة بالجيش العراقي الفريق الركن عبد الوهاب الساعدي، في اتصال مع "العربي الجديد" إن "القوات العراقية والحشد انتهت من آخر أحياء الفلوجة وأهمها وهو حي الجولان وجرى اقتحامه صباح الأحد بعد القضاء على جيوب صغيرة للتنظيم". وتشير المعلومات الواردة من الفلوجة إلى مقتل وجرح العشرات من المدنيين داخل الحي الواقع غربي المدينة على نهر الفرات، وهي العوائل التي انتقلت من حافة نهر الفرات بعد اشتداد المعارك إلى داخل الحي المجاور للنهر (الجولان) وغالبيتهم من الفلاحين.


واستعادت القوات العراقية ومليشيات "الحشد" المدينة بطعم طائفي وتشفٍّ واضح، إذ تستمر عمليات هدم المساجد وحرق المنازل والمتاجر بعد سرقتها وانتشار الشعارات ومقاطع الفيديو التي تظهر تواجد المليشيات وعناصر "الحرس الثوري" داخل المدينة. وقال عضو مجلس محافظة الأنبار، محمد العلواني، لـ"العربي الجديد" إن القوات المشتركة دخلت آخر أحياء الفلوجة وهناك معارك لكن ضعيفة وهي مقاومة لن تستمر، مشيراً إلى أن المعركة حسمت عسكرياً وأن "نسبة الدمار أقل من المتوقع لكن هناك انتهاكات طائفية مثل حرق وتفجير المنازل والجوامع ولا تزال مستمرة رغم مناشدتنا لرئيس الوزراء حيدر العبادي".

وأكد المتحدث باسم قيادة عمليات الأنبار، العقيد طالب الدليمي لـ"العربي الجديد"، أن "الخطوة الثانية ستكون تطهير المدينة من الألغام لإعادة السكان بأسرع وقت وإنهاء معاناتهم في الخيم".
وتشير تقارير عسكرية وطبية ومحلية عراقية مختلفة إلى أن فاتورة معركة الفلوجة منذ انطلاقها بلغت نحو 10 ألاف قتيل وجريح من القوات العراقية ومليشيات "الحشد" وجهاز مكافحة الإرهاب والشرطة الاتحادية والشرطة المحلية والقوات الخاصة، شملت معارك الكرمة والصقلاوية والأزركية وأسوار الفلوجة وفي داخلها، في حين قتل غالبية قوات "داعش" بالمدينة ويتراوح عددهم ما بين 900 و1200 مقاتل، وفقاً للمصادر ذاتها.

فعلياً لم يتبق من ملف الحدود العراقية سوى السورية منها بعد استعادة القوات العراقية مدينة الرطبة الحدودية مع الأردن وفرض سيطرتها على الطريق الرئيس الرابط بين مركز محافظة الأنبار والحدود العراقية السعودية، وتحديداً نقطة جديدة عرعر والفيافي العراقيتين، التي تتقاسم النفوذ عليها 11 مليشيا عراقية إلى جانب قوات الجيش وحرس الحدود. ووفقاً لخبراء عسكريين عراقيين فإن استعادة الجزء الحدودي بين منطقة البو كمال السورية والقائم العراقية، أسهل بكثير من استعادة الجزء الرابط بين الموصل ودير الزور بسبب جغرافية الأرض المعقدة في المنطقة الشمالية من العراق مقارنة مع الغربية منها ذات الطبيعة السهلة. غير أن استعادة دير الزور حالياً أسهل بكثير من البو كمال بسبب البعد وتداخل الجبهات هناك.

ووفقاً لضابط رفيع في القوات العراقية، أدلى بمعلومات مهمة لـ"العربي الجديد"، فإن "الحشد سيدخل الموصل برعاية أميركية إيرانية، فلا واشنطن ترغب بتقديم جنودها للمحرقة ولا إيران تريد التفريط بموطئ قدم مهم في الشمال العراقي من خلال مليشيات الحشد التي باتت الجهة الرسمية التي تمثلها بالعراق، لكن الأهم هو إنهاء ملف دير الزور بأي ثمن، فبقاء الطريق سالكاً بين الموصل ودير الزور سيصعب من المعركة أو قد يفشلها".

ويضيف الضابط الذي طلب عدم الكشف عن اسمه أن "هناك ما لا يعلن وهو ما يتم تنفيذه وما يصرح به مجرد غطاء وتحركات جنوب الموصل وشمالها من محوري خازر ومكحول، وذلك كتهيئة لمعركة الموصل، لكن الأهم هو إنهاء ملف الحدود وقطع الموصل عن سورية عبر دير الزور"، لافتاً إلى أن ملف المدنيين تراجع من قائمة أوليات الحكومة العراقية والغرب مع نشوة النصر على داعش". وختم بالقول "المؤكد أنهم لن يتحركوا إلى الموصل قبل أن تنتهي معركة دير الزور".

المساهمون