الحرب الجيوسياسية.. من سورية إلى أوكرانيا

الحرب الجيوسياسية.. من سورية إلى أوكرانيا

31 اغسطس 2014
+ الخط -


في الحرب الجيوسياسية تضيع الحقيقة، ويدفع الشعب ثمناً غالياً، حيث لا قيمة لحياة البشر وأملاكهم، وتجند فيها كل الوسائل الحربية القذرة، من سلاح ومعداتٍ لوجستية وأموال، كل هذا لأجل تحقيق الأهداف "السامية"، وبالطبع، فإن الإعلام هو الجندي الذي يقوم بتنفيذ المهمة الأساس، الدعاية، في محاولةٍ للسيطرة على العقول والقلوب.

فالدعاية هي الحرب النفسية والمعلوماتية، وهي الجزء الأساسي في المعركة. والحرب السورية التي تدخل عامها الرابع لا تختلف عن الحرب الأهلية الأوكرانية التي تدخل عامها الأول. صراع العملاقين على المواقع الجغرافية لتعزيز مواقعهما السياسية. فالصراع الجيوسياسي بين العملاقين لا يعرف حدوداً ولا أخلاقاً ولا قانوناً، بل يحكم الكوكب بقانون الغاب، تلبية لمصالح الروس والأميركيين فقط.

العلاقة التي تجمع أوكرانيا وسورية هي ذاتها في رفض الشعب للنظام السياسي الحاكم، ولكن المواقف تختلف، وروسيا ترى الشعب السوري "إرهابياً"، ويجب المحافظة على سلطة الأسد التي تهددها مؤامرة خارجية، تريد تغير النظام واستبداله بنظام إسلامي متشدد، إلى غير ذلك من دعاية روسية. وهي لا ترى رغبة الشعب في التغيير والمطالبة بالحرية والديمقراطية، ولا تعترف بمطالب الشعب ولا حقوقه. لذلك، هي تمد النظام بالسلاح والعتاد، وتستخدم الفيتو في مجلس الأمن الذي يتم تعطيله، من أجل حماية نظام الأسد. موسكو تقول إنها مع حق الشعب بتقرير مصيره، وعدم التدخل الخارجي، وبالتالي، تعطي النظام الفرصة تلو الفرصة لتحقيق القبضة العسكرية على سورية، بواسطة الحديد والنار والبراميل المتفجرة، ولا تهتم للضحايا، ما دام النظام يريد استعادة هيبته المفقودة بالسلاح، رغماً عن أنف المواطنين "الإرهابيين"، وفي الوقت نفسه، هي نفسها تتدخل في شؤون سورية.

وبالطبع، لا يختلف الموقف الروسي في سورية، نهائياً، عن الموقف الأميركي في أوكرانيا التي تجيز لنظام الرئيس بترا بروشينكو القتل والبطش لإعادة السيطرة على المناطق الشرقية المتمردة التي تعتبرها مناطق "إرهابية"، وضرورة تصفيتها، لضمان وحدة أراضي الدولة الأوكرانية، وبناء الديمقراطية التي تعيقها روسيا، من خلال دعمها الانفصاليين والمتمردين، بغض النظر عن الخسائر والقتلى والجرحى، وعن الخراب الذي تسببه هذه الحرب في مناطق رفض أهلها، وشعبها البالغ عدده عشرة ملايين نسمة، الانصياع لرئيس لم ينتخبه، ولم يعطه الثقة، ما أدى إلى وصفهم جميعاً إرهابيين، والعمل على تهجيرهم أو قتلهم، فالاستسلام هو الديمقراطية في فلسفة العصر الحالي.

والروس أخفقوا في ابتكار حل حقيقي للأزمة السورية، طوال فترة استمراريتها، ظناً منهم بأن النظام سوف يحسم الأمر لصالحه، وبالتالي، يعزز دور روسيا في المنطقة. فهل تدرك موسكو حجم الأزمة الإنسانية في سورية، وهل يكون درس أوكرانيا تجربة فعلية في بلورة استراتيجية روسية جديدة في علاقتها مع الدول الأخرى؟

avata
avata
خالد ممدوح العزي (لبنان)
خالد ممدوح العزي (لبنان)