الحرافيش قادمون

لم يكن يتخيل أكثر المتشائمين من مؤيدي رئيس الانقلاب في مصر، المشير عبد الفتاح السيسي، أن تقع في حقهم خيانة عظمى، بعدما أودعوا ممتلكاتهم الذهنية والبصرية والسمعية والصوتية أمانة في عنق قائد الانقلاب، فإذ به يجعلهم الضحية والجسر الذي يتخطى النهر، للوصول إلى الضفة التي كان يريدها.

تتخطى مصر، الآن، مرحلة ما بعد الفوضى، وما بعد الانهيار، وما بينهما، بالقرارات الانقلابية الاقتصادية التي صدرت واتُخذت في حق السواد الأعظم من الشعب المصري، متدنيي الرواتب، حيث أطاح الانقلاب الباعة الجائلين، وزاد من تعرفة الكهرباء والغاز والمياه، وأخيراً وليس آخراً، تسبب قراره بزيادة سعر المحروقات والمواد البترولية.

ما يقوم به السيسي، اليوم، هو كتابة نهاية لتاريخ من الدمار والانتهازية، والأنانية الوصولية، فالتاريخ يعيد نفسه، ومعلوم أن المصريين سباقون في القيام بثورات الخبز، وأول ثورة قاموا بها في التاريخ، كانت ضد الملك بيبي الثاني، بحسب ما ورد في بردية إيبوير، وكانت بسبب وجود حالة مجاعة وفقر، وتردّي أحوال مصر في عهد هذا الملك.

أما في العصر الحديث، فما أقدم عليه الرئيس الراحل أنور السادات، في 17 يناير/كانون الثاني عام 1977، من سياسات اقتصادية، تسببت بـ"انتفاضة الخبز"، التي انطلقت بمظاهرة في الفيوم، كان عدد المشاركين فيها يقارب ثلاثة آلاف شخص، وهم يرددون عبارة الفاجومي الشهيرة: "همّه بياكلوا حمام وفراخ واحنا الفول دوّخنا وداخ"، كانت شرارة هذه الأحداث نقص الخبز من الأفران في مدينتهم، بسبب بيع التجار الدقيق المدعوم في السوق السوداء.

أما المخلوع حسني مبارك، فقد تمتع ببعض فطنة، وتعلم الدرس، هذا جعله يفكر بأن الفقير المدقع يجب أن يُمنح بعض الفتات ليقتات، ولو بدرجات من رفع الأسعار. بينما غباء السيسي وتكبره يكادان يقضيان عليه، بالترافق مع الانفجار الحاصل بين طبقات الشعب، ليست الفقيرة فقط، بل المتوسطة منها، وحتى بعض الغنية، لأن سياساته وقراراته الاقتصادية ستأتي على الأخضر واليابس، فيما تبقى من مصر للمصريين.

ثورات الحرافيش قادمة لا محالة، والمثل الشعبي الشهير "يا واخد قوتي يا ناوي على موتي"، حاضر في الأذهان، وما دامت سلطات الانقلاب مستمرة في حكمها اللاشرعي، وسياساتها العنجهية، فنحن بانتظار اللحظة الثورية التي ستغير متن المعادلة وعنوانها.