الحال الفلسطيني و"فتح" الآن

14 يناير 2015

مسيرة في قلنديا في عيد "فتح" الخمسين (ا يناير/2015/أ.ف.ب)

+ الخط -
حين يتأمل واحدنا الحال الفلسطينية؛ يلاحظ أمراً لم يعرفه الفلسطينيون، منذ تأسست حركة نضالهم، وهو عجز أي طرف فلسطيني عن حسم أي خيار، وعجز الأطراف الفصائلية والحزبية عن أخذ المجموع الشعبي إلى وجهةٍ تقررها. ولهذه الحال أسبابها الموضوعية، وهناك الأسباب الذاتية المعيبة. أضعفت المراحل الأخيرة من النضال الفلسطيني صلة الفصائل بالكتلة الشعبية، حتى باتت غير قادرة على إقناع الناس بوجهةٍ معينة. ولا يختلف اثنان على أن ترهل الأطر الفصائلية، وغياب الأنموذج ذي المناقبية، من الأسباب الذاتية. وفي موازاة هذا البؤس، بدت لافتة، اليوم، ظاهرة التزاحم على الوجاهة. وتكاد تغيب المثابرة على تخليق رؤية للنهوض بأداء العمل الوطني الذي يُفترض أنه يتحسس مسؤولياته الشاملة. ولا يسمع قول عن إنهاض هذا العمل، وإعادة الروح له، ولو على مستوى الوسائل اللاعنفية التي تتطلب مناقبية استثنائية. كأنما هي وضعية الرضوخ للواقع الموضوعي في فلسطين، وقوامه غلبة القوة العسكرية الإسرائيلية، في مناخ إقليمي يناسبها، والانصراف عن بحث كيفية مغالبة هذه القوة المهيمنة، بحيث تتشكل طليعة نضالية تأخذ الكتلة الشعبية إلى رفع منسوب الرفض العنيد للاحتلال وسياساته.
في هذا الخضم، يكثر حديث عن قرب انعقاد المؤتمر العام السابع لحركة "فتح". وفي عُجالة، أعطيت، مقاربة زمنية له، هي منتصف يناير/كانون الثاني 2015، ثم سُمعت استدراكات تعطي توقعات غير محددة. لكن، من يمعن النظر في مخرجات اللجنة التحضيرية للمؤتمر، واجتماعات اللجنة المركزية، يرَ الأمور تراوح في مربع ما قبل الإقلاع، فلم يبدأ تجهيز قوائم الأعضاء، وما زالت الاختلافات في وجهات النظر بشأن عدد أعضاء المؤتمر، ويرى أعضاء في المركزية والمجلس الثوري أن عدد ألف عضو لا يضمن التمثيل المطلوب لقواعد الحركة التي اعتادت أن تدعو إلى مؤتمراتها العامة ممثلي المكاتب الحركية للمنظمات الشعبية والعسكريين والمرأة، وكفاءات نوعية، فضلاً عن ممثلي الأقاليم المنتخبين وغيرهم.
وقد لوحظ تفشي النشاط الانتخابي المبكر وفعاليات الاصطفاف والتوافق على التساند، مع غياب شبه تام، لأوراق تتعلق بالسياسات الداخلية والخارجية، وما يمكن أن تتضمنه من اقتراحات، أو برامج عمل، أو رؤى جديدة وخلاقة، للعمل الوطني الفلسطيني. ونادراً ما يُسمع تعبير إنهاض الحركة، لأن معظم من يتصدرون النشاط الانتخابي المبكر، هم، أصلاً، في اللجنة المركزية الراهنة، وهم معرضون للتساؤل التلقائي عن سبب عدم إنهاض "فتح"، أو حتى للتساؤل عن عدم إنهاض اللجنة المركزية على الأقل التي سجلت أردأ حالات الانسجام بين أعضائها طوال تاريخ الحركة، فضلاً عن أنها أضعف لجنة مركزية في تاريخ "فتح"!
لم يعد الاعتزاز بالحركة يقتصر على اجترار الماضي الجدير بالاعتزاز، والتصدّي لكل من ينتقد الراهن الذي تجدر مواجهته بشجاعة وواقعية. فما زال مثقفو "فتح"، والمخضرمون من أبنائها، يطمحون إلى حركة وعي جديد، تنتج خريطتي طريق وقواعد عمل ملزمة، واحدة للحياة الداخلية في الحركة، والأخرى لمواجهة التحديات الخارجية وفق استراتيجية عمل وتدابير. وحبذا لو أن هذا الوعي الجديد، المطلوب بإلحاح قبل المؤتمر السابع، يخصم من حركة التسويق للمرشحين والاصطفاف والتواصي على تجميع الأصوات. إنْ كائناً من كان، عندما يفوز بعضوية الإطار القيادي الأول في "فتح" فلن يستطيع تقديم شيء ذي قيمة، ما لم يكن هناك الإطار الرصين والمرجعيات السياسية والإدارية والمالية، لا يصح تجاوزها. ما تتطلبه "فتح" في مرحلتها المقبلة أصعب وأشد إلحاحاً مما كانت تتطلبه في مراحل الثورة المسلحة، في أيام وجود الرموز واتساع الحلم والبيئة الإقليمية المناسبة والهوامش الدولية. فالكل الفصائلي الفلسطيني مأزوم، وليس في مقدوره حسم أمر بقوة تأييد الكتلة الشعبية، وحال القضية خانق. فيتطلب هذا كله عملاً نوعيّاً، يكون فيه التهيؤ لمواجهة تحديات صعبة، وليس لتلقي التهاني بالفوز بعضوية اللجنة المركزية.