الجزائر و"مدارس الأشبال": تجنيد أطفال أم تجديد الجيش؟

22 مايو 2018
وافق بوتفليقة على إنشاء هذه المدارس قبل 10سنوات(العربي الجديد)
+ الخط -

في جدل حديث حول مدارس شبه عسكرية أنشئت قبل عشر سنوات في الجزائر، نفت الأخيرة أن تكون هذه المدارس التي أطلقها الجيش والمخصصة للتلاميذ بدءاً من المرحلة المتوسطة، تجنيداً للأطفال القصّر في المؤسسة العسكرية، رداً على ملاحظات ومساءلة وجهتها هيئة أممية الخميس الماضي، تتعلّق بظروف إنشاء وطريقة عمل هذه المدارس التي أطلقتها وزارة الدفاع الجزائرية تحت وصايتها قبل نحو عقد، في سياق خطة تحديث الجيش وعصرنة تكوينه، وخلق جيل من الكوادر بمنشأ عسكري مبكر.

وطالبت "اللجنة الأممية لحقوق الطفل"، بعثة الجزائر لدى الأمم المتحدة في جنيف، بتقديم توضيحات في الاجتماع الخاص بمناقشة وضع الأطفال في الجزائر، حول ما يعرف بـ"مدارس أشبال الأمة" التابعة للجيش. كذلك، طالب مقررا الفريق الأممي في مجال حماية الطفولة، آهو أسوما وبرنار غاستو، الخميس الماضي، البعثة بتوضيح مدى تطابق وضع هذه المدارس شبه العسكرية، مع القوانين والاتفاقيات الدولية المتعلقة بحماية الأطفال ومنع تجنيد القصر.

وقال مندوب الجزائر لدى الأمم المتحدة في جنيف، توفيق جوامع، في رده على المساءلات الأممية، إن "مدارس أشبال الأمة هي مؤسسات حكومية تابعة لوزارة الدفاع، يتم استقبال التلاميذ فيها بموافقة واقتراح من أولياء أمورهم"، مشيراً إلى أنّ الأطفال المنتسبين "لا يخضعون للنظام العسكري أو الالتزامات العسكرية، وتتم مراعاة متطلبات طفولتهم". وأكّد جوامع أنّ القوانين الجزائرية "تمنع وتجرّم تجنيد القصر وهي متطابقة مع الاتفاقيات الدولية في هذا المجال، كما أنها تمنع أي تجنيد عسكري لأي شخص قبل بلوغه سن 18 عاماً"، مضيفاً أنّ هذه المدارس "متاحة للبنات كما للذكور، الذين أتموا سن الـ 12، ليحصلوا على تكوين عسكري وبشهادة بكالوريا، ويتم السماح لهم بالالتحاق بالجامعات".

ووجهت الهيئة الأممية في المساءلة ذاتها، انتقادات إلى الجزائر تخصّ طريقة التعامل مع حالة 22 طفلاً سورياً كانوا مع عائلاتهم في منتصف العام الماضي عالقين على الحدود الجزائرية المغربية، إضافة إلى توجيهها انتقادات تتعلّق بأطفال المهاجرين الأفارقة. كذلك، انتقدت الهيئة ما اعتبرته "تأخّر انضمام الجزائر إلى بروتوكول الاختبار الثالث الملحق باتفاقية الطفل الأممية". لكنّ جوامع رفض هذه الانتقادات، وقال إن الأطفال السوريين يتواجدون داخل الأراضي المغربية وتحت وصاية هذا البلد، موضحاً أنّ "الجزائر وافقت وصادقت على مجمل الاتفاقيات الأممية والصكوك الدولية المتعلقة بحماية الأطفال والقصّر، بما فيها الميثاق الأفريقي واتفاقية باليرمو لمنع الاتجار بالأطفال". وأشار إلى إنشاء الحكومة الجزائرية "الهيئة الوطنية لحماية الأطفال ومراجعة التشريعات المتعلّقة بالطفل".


ومنذ عشر سنوات، وافق الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة، على خطة تقضي بإنشاء مدارس شبه عسكرية تحت وصاية الجيش، موجّهة للتلاميذ المتفوّقين في الطور الأول (المرحلة الابتدائية). وأنشئت حتى الآن عشر من هذه المدارس التي تتبع النظام الداخلي، حيث يبقى المنتمي داخل المدرسة بدون السماح له بالالتحاق يومياً بعائلته. وهناك سبع من هذه المدارس خاصة بالطور المتوسط، وثلاثة خاصة بالطور الثانوي، الذي ينتهي بامتحان شهادة بكالوريا، ثم يتوجّه المنتسب نحو مدارس وأكاديميات التكوين العسكري القتالي. واستقبلت هذه المدارس حتى الآن 2400 تلميذ، بموافقة أوليائهم. وهي تتميّز بلباس شبه عسكري موحّد لكل التلاميذ، الذين يسجلون في الغالب نسبة نجاح 100 في المائة في شهادة البكالوريا. وفي بداية السنة الدراسية الحالية، فتحت وزارة الدفاع هذه المدارس للمرة الأولى أمام الفتيات، والتحق عدد منهن بها.

وأعاد بوتفليقة فتح هذه المدارس التي كانت موجودة منذ الاستقلال تحت اسم "مدارس أشبال الثورة"، وهي مدارس عسكرية تابعة للجيش، وكان يتوجّه إليها أبناء الشهداء والأيتام الذين فقدوا عائلاتهم خلال الثورة. وشكّل خرّيجو هذه المدارس في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، الكوادر البشرية الأولى التي تأسس عليها الجيش الجزائري الحديث وجهاز الاستخبارات وباقي الهيئات العسكرية الملحقة، قبل أن يتم غلقها نهاية الثمانينات، وسط جدل مستمر بشأن قرار غلقها وخلفياته. ويتهم بعض العسكريين المتخرجين من هذه المدارس، في ما يعرف في الجزائر، بـ "جنرالات فرنسا"، وهم نخبة من العسكريين كانت في صفوف الجيش الفرنسي والتحقت متأخرة بصفوف جيش التحرير عشية الاستقلال، بالوقوف وراء غلقها، "خدمة لأجندات أجنبية".

وتهدف قيادة الجيش الجزائري من خطة إنشاء هذه المدارس، إلى التكوين المبكر للكوادر العسكرية التي ستدير الجيش الاحترافي. وفي هذا الإطار، أكّد المدير العسكري لهذه المدارس، اللواء ملياني بوعبد الله، في تصريح صحافي سابق، أن "مدارس أشبال الأمة تطبّق برنامج التعليم الرسمي، إلى جانب تلقين الأشبال القواعد الأساسية للانضباط في الجيش عبر تكوين شبه عسكري". أمّا قائد أركان الجيش، الفريق أحمد قايد صالح، فقد قال خلال تدشينه أخيراً لمدرسة جديدة من هذه المدارس في منطقة تمنراست جنوبي الجزائر، إن الهدف المتوخّى يتعلق بـ"تخريج قيادات شابة للجيش في المستقبل، وتكوين جيل من القيادات التي ترسّخ انتماءها إلى المؤسسة العسكرية".

وقبل مساءلة الهيئة الأممية، لم تتعرّض خطة إنشاء هذه المدارس العسكرية للتلاميذ في الداخل الجزائري لأي انتقادات مباشرة، عدا نقاشات هامشية لناشطين في حركات مدنية في الجزائر، أبدو اعتراضاتهم على هذا الخيار، وعبروا عن تخوّفهم من أن يكون الجيش بصدد التخطيط لتكوين نخبة عسكرية جديدة مؤثرة في القرار السياسي.

وفي هذا السياق، رأى عبد الوكيل بلام، الناشط في حركة "بركات" السابقة، التي اعترضت عام 2014 على ترشّح بوتفليقة لولاية رئاسية رابعة، أنّ "وزارة الدفاع ترتكب خطأ في حق الذكاء والتلاميذ المتفوقين، بحشرهم في منظومة عسكرية تتميّز بالصرامة والانضباط مبكراً"، مضيفاً أنه "في الدّول المحترمة تؤسس أقسام خاصة للمتفوقين، لا يعقل أن يتسابق الآلاف من أولياء التلاميذ النّوابغ القُصّر ممّن تفوق معدّلاتهم 17 و 18 من عشرين، لِرَهن مصيرهم وحَشْرِهم في ثكنات عسكرية سمُّوها مدارس أشبال الأمة، حيث يُعزلون عن عالمهم الطفولي الطبيعي، ليفرض عليهم نظام حياة عسكري منضبط قاتل للتفكير الحر والضروري".

لكن الباحث في علم الاجتماع، نور الدين بكيس، رأى في تصريح لـ "العربي الجديد"، أنّ لجوء عائلات جزائرية إلى الدفع بأبنائها مبكراً للالتحاق بالجيش يعود إلى أنّ "المنظومة التعليمية أصبحت تتسم بالتسيّب وعدم الانضباط، وهذا الوضع هو الذي يعيد تقييم مفهوم الصرامة والانضباط في المجتمع. فعندما تصبح الصرامة والانضباط عملة نادرة، تصبح مطلباً اجتماعياً، مما يضفي على مدارس الأشبال التابعة للجيش قيمة مضافة"، مشيراً إلى أنّ ما يحفز العائلات على ذلك هو "وجود هذه المدارس ضمن منظومة أمنية توفّر الترقية والتميّز مسبقاً، مقارنة بالقطاعات الأخرى. فتلاقي الصرامة المنشودة اجتماعياً، والترقية المضمونة أمنياً، تعزز هذا الخيار عند الكثير من الأسر".

ويستغرب مراقبون في الجزائر محاولة الأمم المتحدة الاستفسار عن مشروع تعليمي محلي، يتبناه الجيش في سياق خطة تحديث شملت أيضاً إعادة إطلاق مشاريع التصنيع العسكري والمدني، فيما تطرح فكرة انفراد الجيش بالمتفوقين واستقطابهم، رؤية مغايرة بالنسبة للبعض، تتعلّق بتوجّه الجيش نحو خلق نخبة من الكوادر يتم توجيهها نحو المشاريع المرتبطة به، بما فيها البحوث والمخابر العلمية، على غرار الجيوش الكبرى في العالم التي تدير مخابر علمية لصناعة تكنولوجيات متطورة، تتماشى مع حروب المستقبل.