هل دخلت الجزائر مرحلة "الشيخوخة الدبلوماسية"؟

هل دخلت الجزائر مرحلة "الشيخوخة الدبلوماسية"؟

21 مايو 2018
وزير الخارجية ينفذ فقط ما يحدده الرئيس (أمين الأندلسي/الأناضول)
+ الخط -
تواجه الدبلوماسية الجزائرية في الفترة الأخيرة انتقادات حادة في الداخل بشأن التثاقل اللافت في إصدار المواقف والتعاطي مع الأحداث المركزية والتطورات الدولية والإقليمية ذات الصلة بالجزائر، وقد وصفته أطراف سياسية بأنه "صمت وتراجع مريب". وعلى الرغم من أن الجزائر ما زالت تحافظ على مواقف مقبولة في كثير من القضايا كالقضية الفلسطينية وأزمات اليمن وسورية وليبيا، وبعيدة عن أية هوامش للتطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي والمحاور الإقليمية، فإن أطرافاً سياسية ومتابعين في الجزائر، يُجمعون على وجود تبدّل لافت وثقل كبير للجهاز الدبلوماسي وبلوغه مرحلة "الشيخوخة". ويؤخذ على الخارجية الجزائرية تراجعها في القيام بأدوار فاعلة ومؤثرة في الأزمات الإقليمية، والتأخر في إصدار المواقف إزاء القضايا الدولية.

حزب العمال اليساري الذي كان يُعرف عنه دعمه للمواقف التي تبديها الخارجية الجزائرية في وقت سابق، لم يعد سعيداً بالمواقف الأخيرة للدبلوماسية الجزائرية، خصوصاً تجاه الأزمة في اليمن والقضية الفلسطينية. وإذا كانت زعيمة الحزب لويزة حنون قد انتقدت بحدة ما اعتبرته اصطفافاً دينياً للجزائر ضمن المحور السعودي في الصراع مع المحور الإيراني، ورفض الخارجية الجزائرية التنديد بالحرب والقصف الذي يقوده التحالف العربي في اليمن، فإن حنون وصفت مواقف الخارجية من العدوان الإسرائيلي على غزة ونقل السفارة الأميركية إلى القدس المحتلة بالباهتة، معتبرة أن "موقف الجزائر في تراجع عن السنوات الماضية وكأن بلدنا صار بلا صوت". وقالت حنون، في مؤتمر صحافي عقدته الأربعاء في الجزائر، إن "موقف الدبلوماسية الجزائرية من تطور الأوضاع في فلسطين، لا يختلف عن المواقف العربية المتخاذلة من القضية الفلسطينية"، ووصفته بـ"الصمت المتواطئ".

وقرأت حنون في عدم إشارة بيان الخارجية إلى مسألة نقل السفارة الأميركية إلى القدس المحتلة، بأنه صمت مرتبط بالخوف من القوى الدولية وهشاشة الوضع الداخلي، بسبب الأزمة السياسية والاقتصادية الراهنة وغموض الموقف في سدة الحكم قبل عام من الانتخابات الرئاسية المقبلة المقررة ربيع العام 2019. وقالت إن "البيان الأخير لوزارة الخارجية بشأن فلسطين والقدس غير كافٍ، وإنما لا بد من الخروج من الصمت، الصمت علامة الرضا وهو لن يحمينا من العدوان الخارجي بل يجعلنا فريسة سهلة، وذريعة الحفاظ على الأمن والانزلاق وراء ذلك غير مقبولة ولم تعد تجدي نفعاً". واعتبرت المرشحة السابقة للانتخابات الرئاسية في الجزائر أن "السياسة الخارجية لأي دولة تعد امتداداً للسياسة الداخلية، فعندما تكون السياسة الداخلية هشة بسبب سياسات ما، فأكيد أن السياسة الخارجية تتأثر سلباً".

قبل زعيمة حزب العمال اليساري، انتقدت الكتلة البرلمانية لحركة مجتمع السلم، تأخر الخارجية الجزائرية في إصدار موقف رسمي إزاء الأحداث التي شهدتها فلسطين الإثنين الماضي. وهاجمت الكتلة في بيان صدر الثلاثاء ما وصفته بـ"حالة الضعف والتراجع المريب للمواقف التاريخية للجزائر"، وأبدت "استغراباً شديداً من تأخّر الموقف الرسمي للجزائر من هذه التطورات المتسارعة والخطيرة على فلسطين وعلى الأمة بأكملها"، داعية إلى "توافق كتل برلمانية على استدعاء وزير الشؤون الخارجية ومساءلته وفتح نقاش برلماني عام".


لا يبدو ثقل الحركة الدبلوماسية للجزائر في السنوات الأخيرة مرتبطاً فقط بقضايا اليمن وفلسطين وسورية وغيرها، بل هو مرتبط أيضاً بأحداث وتطورات تمسّ أمن الجزائر بشكل مباشر، كالأزمة الليبية التي ظلّت الجزائر بعيدة عنها على الرغم من القرب الجغرافي والتأثر الأمني بتداعياتها. وبقيت الأزمة الليبية في نظر الجزائر ضمن مربع أمني، وابتعدت الأخيرة عن أي دور مؤثر في مسارات حلها، ما يفسر انتقال مفاوضات الحوار الليبي إلى المغرب، ودخول أطراف إقليمية كالإمارات ومصر كفاعلين أكثر بكثير من الجزائر.

وفي هذا السياق، يؤكد المحلل السياسي الجزائري، أحسن خلاص، أن "ثقل الحركة الواضح للآلة الدبلوماسية في الجزائر في السنوات الأخيرة له مبرراته، إذ إن طبيعة نظام الحكم في الجزائر تضع السياسة الخارجية بيد الرئيس الذي يرسم خطوط الدفاع والهجوم فيها، ويتحوّل وزير الخارجية إلى مجرد منفّذ فقط، ما يسحب منه كل هوامش المناورة"، مضيفاً "مع مرض الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة منذ خمس سنوات، بات تأخّر المواقف الدولية الجزائرية واضحاً مقارنة مع العقد الماضي، بسبب البيروقراطية السياسية التي يعمل فيها النظام". ويشير إلى أن "الجزائر باتت في الفترة الأخيرة تنتظر في الغالب بروز المواقف وتباينها، على الأقل على الصعيد العربي، لأنها لا تريد أن تُظهر لوحدها العداء لواشنطن أو لدول أخرى".

وبغضّ النظر عن الآلية الإدارية والتراتبية السياسية في إصدار المواقف والتحركات للدبلوماسية الجزائرية، فإن بعض المواقف تشير إلى تمسك الدبلوماسية الجزائرية بـ"سياسة المبادئ" على حساب "سياسة المصالح"، في عالم ذهب بعيداً في حسابات المصالح وطغيانها، ووسط التبدّل السريع والمثير لمواقف الدول والمحاور في العلاقات والقضايا الإقليمية، ما خلق حالة من الارتباك السياسي والدبلوماسي بالنسبة للجزائر. وخلال العام 2014 طرح الوزير السابق للجالية الجزائرية في الخارج حليم بن عطاء الله، مقاربة تتعلق بضرورة نقل الدبلوماسية الجزائرية من مرحلة "المبادئ" إلى مرحلة "المصالح"، والتحوّل إلى دبلوماسية تضع المصالح الاقتصادية والسياسية للجزائر ضمن أبرز محدداتها.

ويعتقد المحلل السياسي الجزائري، نصر الدين بن حديد، أن "الدبلوماسية الجزائرية بدأت تحاول الاقتراب من مجموع الموقف العربي، ولم تعد تتسرع في إصدار مواقف بشأن عدد من القضايا ذات الصلة بالشأن العربي، لضمان أقل خسارة في حال لم يكن هناك حد أدنى من الربح".
وإضافة إلى العوامل السياسية والمرحلية التي دفعت بالدبلوماسية الجزائرية إلى مرحلة "الشيخوخة"، يأتي عامل آخر يتعلق بعدم تجديد الدبلوماسية الجزائرية للكادر البشري الذي يدير الجهاز الدبلوماسي، ففيما تُعيّن الدول دبلوماسيين شبابا في غاية الحيوية والقدرة على التعامل مع المواقف واستشرافها، ما زالت الخارجية الجزائرية تعتمد في بعض السفارات وفي دول مهمة على عدد من الكوادر تجاوزوا سن العطاء الدبلوماسي.