الجامعات الأردنية: اقتتال بالمسدسات ولا احتجاج باللافتات


الجامعات الأردنية: اقتتال بالمسدسات ولا احتجاج باللافتات

30 نوفمبر 2016
(احتجاجات على زيادة الرسوم الدراسية، تصوير: خليل مزرعاوي)
+ الخط -
يتعرّض الطلبة المنتمون للحركات الطلابية الجامعية في الأردن، إلى كافة أشكال الملاحقة والعنف و"القمع الممنهج"، استنادًا إلى قانون التأديب الجامعي، ومن ثم اتخاذ عقوبات في حق البارزين منهم، تصل إلى الفصل النهائي من الدراسة، هذا إذا لم يعتقلوا أمام أبواب جامعاتهم، ورغم سلمية وقفاتهم الاحتجاجية، وإمكانية المسؤولين فتح باب الحوار مع قادتها، لا تزال إدارات الجامعات الأردنية،على مدار عقود طويلة تخشى تحرّكاتهم.

وما يزيد من معاناة الحركات الطلابية مساواتهم غالبًا، بـ"العصابات الطلابية العشائرية"، وهي مجموعات طلابية تفتعل المشاجرات داخل الحرم الجامعي، مستغلة انتماءات الطلبة الجهوية والقبلية للحشد والتعبئة وإثارة المشاكل، وهو ما أفرغ نشاط الحركات الطلابية السلمية من محتواها.

إدارات الجامعة الأردنية، تنظر للعنف الجامعي والعمل الطلابي السياسي والخدمي بعين واحدة، ووفقًا لنظام العقوبات في هذه الجامعات، وتنزل على أيّ تحرك طلابي عقوبات قاسية، وتوجّه إلى كل حراك جامعي، سواءً كان شجارًا جماعيًا أو احتجاجًا سلميًا للمطالبة ببعض الحقوق تهمة واحدة، وهي "إثارة العنف الطلابي"، بحسب منسق الحملة الوطنية الأردنية لحقوق الطلبة "ذبحتونا" فاخر دعاس.


الأسلحة واللافتات
يعد العمل الطلابي في عرف الإدارة الجامعية، أكثر خطورة من العنف الجامعي بحسب دعاس، مضيفًا في حديث إلى "جيل"، أن المشاجرات الجامعية العشائرية تكون أحيانًا أمرًا إيجابيًا بالنسبة لها، لإبقاء الوعي الطلابي بعيدًا عن القضايا الملحة والأساسية، وتسهّل لهذه الإدارات، تمرير سياساتها المالية بكل أريحية، وعلى رأسها رفع الرسوم الجامعية على حدّ قوله.

محمد صبري، الناشط الطلابي في الجامعة الهاشمية (الزرقاء)، أنه لا مجال للمقارنة بين تعامل إدارات الجامعات مع الطلاب الذين يقيمون فعالية طلابية، وبين تعاملها مع مثيري الشغب والمشاجرات والعنف من جهة ثانية، فالإدارة تقمع الأولى وتتساهل مع الثانية.

يستشهد صبري في حديثه لـ"جيل"، بما حدث في الجامعة الأردنية (عمان) قبل أيّام قليلة، والتي شهدت مشاجرة "عشائرية" كبيرة، رفع مشاركون فيها، لافتات تحمل شتائم وكلمات تهديد داخل الحرم الجامعي، أمام مرأى إدارة الجامعة، التي لم تحرك ساكنًا، وفي اليوم الموالي استعملت في الشجار أسلحة بيضاء ومسدسات نارية سُمع إطلاق عياراتها داخل ساحة الجامعة.

ويستطرد المتحدّث، أن هذا التهاون و"الكسل الأمني" لم يكن موجودًا من طرف إدارة الجامعة، حين تعلّق الأمر باعتصام طلاب الجامعة الأردنية في يونيو/ جوان 2014، اعتراضًا على قرار رفع رسوم ساعات البرنامج الموازي والدراسات العليا في الجامعة، ما دفعها لتنظيم وقفات احتجاجية سلمية أمام رئاستها، وذلك بعد استنفاذ جميع الطرق المتاحة للاعتراض، ومنع الأمن الجامعي، حتى الماء والطعام عن المعتصمين.


معارك عشائرية
ويؤيّد محمد قصراوي، الناشط في العمل الطلابي بجامعة البوليتيكنيك (عمان)، ما ذهب إليه زميله صبري، موضّحًا أن النشاط الطلابي، يعد من المحرّمات داخل الحرم الجامعي في الأردن، وإن سمح له أن يرى النور، فلا يتم له ذلك إلا بعد أن يكتسي رداء سياسة الجامعة وقانونها.

عام 2014، يستذكر قصراوي في حديثه إلى "جيل"، إقدام مجموعة من طلبة البوليتيكنيك على إقامة وقفة تضامنية مع طلبة الجامعة الأردنية، لمنع قرار رفع أسعار الرسوم الجامعية، بمشاركة طلبة من عدة جامعات أخرى. الوقفة الاحتجاجية السلمية، لم تعش سوى عشر دقائق فقط، بعد أن أجهضها الأمن الجامعي، مضيفًا أنه تلقى استدعاءً ومجموعة أخرى من الطلبة من منظمي الوقفة، إلى عمادة شؤون الطلبة في الجامعة، وباشروا التحقيق معهم، ووجهوا إليهم إنذارًا نهائيًا بعد ذلك بفترة وجيزة.

في مقابل ذلك يردف قصراوي:" شهدت الجامعة بعدها شجارًا عشائريًا عنيفًا استخدمت فيها كافة الأسلحة والخناجر، ونتج عنها تدمير وحرق أجزاء من الجامعة، ليخرج المتقاتلون من أبواب الحادثة سالمين، ولحدّ الساعة، لم يتم استدعاء أيّ واحد منهم للتحقيق، بالرغم من أنهم معروفون بأسمائهم لكل طلبة البوليتيكنيك.

أخطر ما في قضية تشديد العقوبات على مثيري الشغب والعنف، أن الكثير من إدارات الجامعات الأردنية، تتراجع عن قراراتها بسبب ضغوطات خارجية، ليعود هؤلاء الطلبة، الذين حرقوا وكسروا محتويات الجامعات، وأطلقوا الأعيرة النارية، لمقاعد الدراسة من جديد، وفق منسق حملة "ذبحتونا" فاخر دعاس.

يستشهد المتحدث، بما وقع في جامعة اليرموك (إربد) عام 2011، حين تم إنزال أشد العقوبات في حق عدد من الطلبة، ممن افتعلوا مشاجرة واسعة داخل الحرم الجامعي، فما كان من رئيس الجامعة آنذاك، إلا التراجع عن هذه العقوبات، بعد أن مورست عليه ضغوطات، كان آخرها، استدعاؤه لمجلس النواب الأردني، ليلتقي بلجنة التربية والتعليم النيابية، التي "أجبرته" أن يسقط عقوباته، وهو ماعتبر حينها "فضيحة أخلاقية" بطعم رسمي، بحسب دعاس.


قهوة السادة
كثيرًا ما يتمّ إلغاء كافة العقوبات، التي تم اتخاذها في حق طلبة، قاموا بتكسير السيارات، واستخدام السيوف والخناجر داخل ساحات الجامعات، عن طريق"فنجان قهوة"، لتثبت بذلك إدارة الجامعة الأردنية، أنها مجرد صرح "للقهوة السادة"، والمصالحات العشائرية، وفق ما أكده في حديث إلى "جيل"، أحد أعضاء هيئة التدريس في جامعة الزيتونة (عمان)، الذي فضل عدم نشر اسمه.

وأضاف المتحدّث متهكمًا، أن الاتفاق الذي يتم تحت الطاولة، عادة ما يكون بين إدارة الجامعة، وأطراف النزاع، أي وجهاء وأعيان أهالي الطلاب، فتعلن العقوبات أمام الناس، وبعد أن تخف حدّة الضغوطات الشعبية: "منرجعهم.. اشربوا قهوتكم وابشروا".

يحدث كل ذلك، في وقت تحارب فيه القوى الطلابية السلمية، والتي تقاتل من أجل تحصيل حقوق خدماتية بحتة للطلبة، من مثل خفض الرسوم الجامعية، وإحقاق حرّية الرأي والتعبير، ومشاركة الهم السياسي والوطني، فتمنع من استخدم مسارح ومدرّجات الجامعات وساحاتها، بحسب الناشط قصراوي.

ولا يتوقّف الأمر عند هذا الحد، بل يلاحق هؤلاء الطلبة داخل الجامعة، ويهددون بالفصل، كما حدث لعدد كبير منهم، ويتلقون الإنذارات، ويتم التدقيق في هوياتهم ساعة دخولهم حرم الجامعات، ومراقبة تحركاتهم من قبل "أولاد العمادة"، وهم طلبة "مخبرون" يمارسون الوشاية إلى رئاسة الجامعة ضد زملائهم، تؤكد ذلك الطالبة "س،أ" من الجامعة الهاشمية في حديث إلى "جيل".

تعليقًا على أحداث الجامعة الأردنية مؤخرًا، حذّرت الحملة الوطنية من أجل حقوق الطلبة "ذبحتونا"، من إعادة المتسبّبين في المشاجرة العشائرية في الجامعة، إلى مقاعد الفصل القادم، مشدّدة على إنزال عقوبات قاسية على المتورّطين، والتوقف عن غض الطرف عن بعض المتسببين في الحادثة، وهذا عقب جلسة عشائرية، تم فيها بالتأكيد شرب "فنجان القهوة السادة"، وفق بيان الحملة.

المساهمون