الثورة فعل حب

18 مارس 2015
+ الخط -
تطفئ الثورة السورية شمعتها الرابعة، لتدخل في الخامسة، في ظل التآمر الدولي على الشعب السوري، من دون أي آفاق ترسم لمستقبلها اليتيم. لم يكن انطلاق الثورة في 15 مارس/آذار من عام 2011 من أجل تدمير سورية وحمل السلاح، فالثورة كان هدفها الأساسي ولا يزال (الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية). فالهدف هو التغيير وليس الموت، فالشعب الذي رفع راية التغيير في الشوارع يحب الحياة، ويحلم بالتغيير نحو الأفضل، يرسم حلماً جميلاً لمستقبل ناصع بالأمل والحب والحرية، لأن الثورة فعل حب والثائر عاشق كبير. فالثورة قامت ضد الظلم، ولأجل صناعة الإرادة الحرة. نجح النظام في بث دعاية تحريضية ضد الثورة، وتصويرها إرهابية، وإلباسها ثوباً وسخاً من خلال استراتجية واضحة لهذا النظام وحلفائه الذين وجدوا فرصة لتنفيذ مآرب دولية، وجيو-سياسية، على حساب دماء الشعب السوري، نجح النظام في إخراج بلطجيته وشبيحته من القمقم، لاتهامها وضربها، وتحويلها سلمية ذات شعارات وطنية وقومية إلى ثورة إرهاب، يتم البطش بها وقتلها، أمام أعين العالم.

نجح النظام السوري بتسويق دعايته، وتعرضت الثورة السورية إلى نكسة ليست جديدة على الثورات العالمية التي تصاب بإخفاقات وأخطاء. الثورة السورية ثورة شعب مستمر، لم يستطع النظام مع كل ممارسته الإرهابية ضد شعبه وقتله أكثر من نصف مليون شخص، وأخذه نحو الحرب المذهبية، أن يوقف شمعتها المبشرة بالنور، وبريق الأمل لكل العرب. لأنها قضية عربية بامتياز، فالثورة السورية هي من تحمي العروبة من التفرس المدعوم بشهية النشوة والانتقام أكثر من 1400 سنة، مكللة بحرب قومية ومذهبية، تساهم في تسعيرها كل القوى الصامتة على إجرام النظام، وتدخل قوات جنرال الإعلام في عواصم العرب الجريحة التي تأتي من الرصاص الفارسي، لكن الثورة السورية مستمرة، وسوف يسجل لها التاريخ أن مفجرها هم أطفال درعا عندما كتبوا شعاراتهم على الجدران السورية.

هي أطول ثورة سلمية في العالم، وهي ثورة بكل معنى للكلمة. فإن معاناة الشعب السوري وتشريده يدلان على مدى العنفوان الذي يتحدى به كل أباطرة العالم، فالشعب السوري يواجه ديكتاتورية النظام، وسطوة إيران، ومذهبية الشراذم، وعنجهية روسيا، واحتيال أميركا.

ولا بد أن يسجل موقفاً مميزاً للشعب السوري العربي، بكل مكوناته، القابع في خيام دول الجوار، والذي واجه هذا العام عواصف الشتاء القاسية بصدوره العارية كما يواجه نظام قصر قاسيون، فهذا الشعب لم يخرج ويطلب المعونة من سفارات النظام في هذه الدول، بالرغم من أن أكثر من نصفه يعيش في نزوح قسري، لكنه لا يطلب العون من (حاكم قاسيون)، وهذا الدليل الثابت على أن ثورة سورية شعبية بامتياز، ولا توجد حادثة تشير إلى أن الشعب السوري، وعلى الرغم من جراحه ونزفه اليومي ومعاناته المستمرة، يلعن الثورة، أو أي أشارة تدينها أو تدين المشاركة فيها. 

فالشعب السوري لا يزال يعول على الدول العربية، وسيأتي وقت يمكن أن تدرس فيه تجربة الثورة السورية في الجامعات والمدارس، والتحدث عن ثورة أشعالها أطفال كسروا جدار الصمت والخوف الذي كان مسيطراً على شعب بأكمله طوال 50 عاماً، من حكم الديكتاتورية والشمولية والعائلة، وسيسجل فيها اضطهاد شعب أعزل من حكامه، بمشاهدة دول العالم كله التي تدعي الديمقراطية والحفاظ على حقوق الإنسان والحرية التي سقطت في امتحانها الأول في سورية.

لم تكن أربع سنوات عابرة من عمر الثورة السورية، من عمر شعب أعزل مضطهد. وليعلم العالم الحر كله أن الشعب السوري خرج إلى شارع الحرية والتحرير والكرامة، ولن يعود إلى سجن الاستبداد والمصادرة.

الثمن كبير جداً لهذه الحرية، أرواح السوريين وأجسادهم وأعراضهم وبيوتهم، لكن التاريخ لن يعود إلى الوراء، والثورة ستنتصر مهما طال زمن المستبدين، لتشعل الشمعة الخامسة بزخم وأمل بالمستقبل القادم من أجل الشهداء الذين قدموا أنفسهم على مذابح الحرية، أملاً بغد أفضل لسورية.

avata
avata
خالد ممدوح العزي (لبنان)
خالد ممدوح العزي (لبنان)