الثورة السورية .. ما بعد حمص

10 مايو 2014

دمار في حمص القديمة (8 مايو 2014 أ.ف.ب)

+ الخط -
بعيد ترجله من إحدى الحافلات القادمة من حمص، رد أحد المجاهدين على سؤال إعلامي: هذا ليس انتصاراً للنظام السوري، إنه انتصار للثورة... وسنعود إلى حمص فاتحين محررين بإذن الله.
الكلام العاطفي وإلهاب المشاعر لدى شريحة كبيرة من السوريين المظلومين هو رد الفعل الوحيد الذي تمارسه الكتائب المسلحة، والمعارضة السياسية، على حد سواء، خصوصاً حيال مفاصل مهمة على الأرض، مثل القصير ويبرود وحمص حالياً. بينما يبدو أن النظام ما زال يسير حسب خططٍ، كان يعلن شذراتٍ منها في كل حين، ولا يبدو أنه يتصرف بأسلوب حضاري، أو مستشعراً خطورة تقترب من معاقله الأمنية ونقاطه العسكرية. استخدم عدداً قليلاً من الطائرات وبراميل رخيصة التكلفة محلية الصنع، حاول من خلالها تضخيم الفوضى في مناطق معينة، وإزاحة العين الإعلامية عن مناطق أخرى. كانت مناورات النظام السوري طوال أعوام ثلاثة تتلخص في نقطةٍ وحيدة تقريباً: أمهلونا حتى الاستحقاق الرئاسي عام 2014.

يتضح أن التركيز الفعلي على الشريط الغربي لسورية هو مفتاح النظام لإنهاء مشكلاته المحتدمة، وهي خطة ليست اعتباطية، أو وليدة الضرورات اللحظية. في آخر ظهور إعلامي له، صرح الأسد أن مرحلة الحرب النشطة تنتهي هذا العام، ويبدو أن تقديره لمفهوم الحرب النشطة يتعلق باعتبارٍ وحيد، هو الجغرافيا المحضة. بمعنى آخر، ينبغي الانتهاء من السيطرة على قطاع يشمل الساحل السوري، بالإضافة إلى دمشق وغربي حمص وبعض مناطق ريف دمشق الحيوية، في مقابل نقل الجزء الأكبر من الفوضى إلى الشمال السوري، حيث الشقاقات والحروب الداخلية كفيلة بإبقاء حالة من ستاتيك غير منتج، وغير فعال على طول الشريط الحدودي الذي يشمل حلب وإدلب والرقة ودير الزور وأجزاء من الحسكة، وحيث تنشغل الكتائب المحاربة هناك بنشاطاتها، ذات المنفعة المادية المركبة، من استثمار النفط والسيطرة على المعابر الحدودية.
يبدو من خلال الاتفاق الذي تم في حمص القديمة مقدار التشبيك والشمولية لخطة النظام، وحلفائه العسكريين الإيرانيين، تجاه الكفاح المسلح المعارض له على تنوعه، فالاتفاق يربط بين إخلاء حمص القديمة وإدخال المساعدات إلى قريتين محاصرتين في حلب، بتنسيق يضمن تنفيذ تلك الأخيرة، أولاً قبل كل شيء، وهو تشبيك أولويته نقل صورة إعلامية استراتيجية عن تخطيطه المتكامل، بالإضافة إلى الاستمرار في إحياء مسألة حماية الأقليات. أما المقاتلون المسلحون، فيتم نقلهم إلى الشمال، للابتعاد عن القطاع "النشط" بالنسبة للنظام، ولإدخالهم في فوضى الشمال التي ما زالت تراوح في مكانها، في توقيت ملائم تماماً للحملة الانتخابية المسرحية التي ترشح الأسد رئيساً مسلماً به لولاية جديدة. تكتمل الخطة المفترضة بما أعلنته مصادر مرتبطة بالسلطة نية النظام السوري في تطبيق الهدن على مجال أوسع، ضمن محيط دمشق وريفها، يبدأ بمخيم اليرموك الفلسطيني، وهي مسألة أكد النظام السوري أن "عناصر دخيلة" تعيق جهوده في إنجازها، وأنه مستعد لفرضها بالقوة والتدخل العسكري في المخيم، إن لم يتم تنفيذها بالاتفاق السلمي "في فترة لا تقل عن 15 يوماً قبيل الانتخابات الرئاسية".
عند النظر إلى الصورة الكاملة، قد تبدو بعض المفاصل أكثر مرونة بالنسبة إلى النظام، بحيث يختار توقيت تنفيذها متى شاء. من ذلك مثلاً، الحفاظ على سيطرة الكتائب المعارضة في يبرود، حتى تاريخ ذكرى الثورة السورية في الخامس عشر من مارس/ آذار الماضي، ومن ثم الإعلان عن بدء تطبيق اتفاق حمص القديمة الذي صرحت مصادر معارضة أنه "تم الاتفاق عليه في وقت سابق". وقد يكون من المفيد، إذن، في هذه الحالة، عدم التقليل من أهمية وخطورة جمود الحراك المسلح المعارض وانقسامه على نفسه، خصوصاً مع جبهات القتال الداخلية التي ما زالت تتجدد كل يوم، والتي لن يكون آخرها القتال مع "داعش". أما محاولات التوحيد والتجميع المهمة التي طرأت في الأشهر الستة الأخيرة ممثلةً في "الجبهة الإسلامية" و"جيش المجاهدين"، فهي مفرغة من المعنى، ما لم تكن تحمل قيماً مشتركة حقيقية، تتجاوز ميوعة وبروتوبلازمية الحرب ضد نظام الأسد، وتتبنى بدل الخطاب الأيديولوجي خطاباً سياسياً حذراً، سيكون لازماً لحراك مسلح، يستجدي الدعم الدولي والتسليح الخارجي.
ما زالت جميع الملامح الاستراتيجية والعسكرية والسياسية، اليوم، توحي بانتصار مرحلي ضخم لنظام الأسد، وبأن المعارضة المسلحة لن تستطيع أبداً تدارك الوضع الحرج الذي هي فيه، من دون أن تدق أجراس الخطر أولاً، وتعترف بالفشل القائم، وبضرورة رفض واقعها الحالي، وتغييره بأسرع ما يمكن. أما وحال المعارضة ما يزال يتأرجح بين البكائيات والاستجداءات ونظرية التآمر على الثورة والتأكيد على أنها مستمرة على النهج ذاته، فهذا معناه الاستمرار في السير، وفق خطة النظام السوري "بالحرف".
B41766CD-B583-4134-BA8B-428994189FC2
B41766CD-B583-4134-BA8B-428994189FC2
نائل حريري

طبيب وكاتب ومترجم سوري، يكتب في عدد من الصحف العربية، وعمل بالترجمة مع عدد من دور النشر العربية

نائل حريري