الثقافة المدرسية لا تغٌني عن الثقافة العامة

الثقافة المدرسية لا تغٌني عن الثقافة العامة

07 مايو 2014
+ الخط -

الثقافة في تلونها وتنوعها حصيلة تأمل وتجربة وإنتاج، تترسب خصائصها عبر الزمن في أعماق التفكير العام لمجموعات الشعب، وتكوين التراث الفكري للأمة. وهذا التراث، بغض النظر عما فيه من قيم مجردة، هو خميرة التكوين الفكري عند أي شعب، حين تطرح خصائصه الثقافية على بساط البحث والتقييم.
نعم، تختلف مناهج التثقيف بين أمة وأمة، وتدخل في تركيب بنيانها آثار وعوامل خاصة متميزة، كالدين والمذهب والبيئة واللغة والمناخ وشروط العيش والعادات الموروثة، لكن الأصول الثقافية الخالصة تظل تنبع، أَبداً، من ينبوع واحد، ضخم مشترك، هو العقل الإنساني في مختلف أدوار تطوره وارتقائه. ذلك أن الثقافة العامة أوسع مدى، وأعظم نطاقاً وأعمق تحدياً للشخصية، من الثقافة المدرسية التي تقف عند حد الفراغ من التحصيل العلمي، فمهما يكن الطالب الجامعي على ثقافة جامعية متينة، يظل دائماً يفتقر ألواناً لا حصر لها من معارف أخرى، تدخل في دائرة الثقافة العامة، ليمكن ضمان رقيه الفكري والنفسي والخلقي إلى مرتبة الإنسان الممتاز أو الإنسان الإنسان.
عندما تفتح كتاب الأدب والنصوص للمدارس الثانوية، سترى أن أبناءنا ملزمون بحفظ قصيدتي مدح الأخطل عبد الملك بن مروان، وأربع قصائد لجرير في مدح بقية الخلفاء، وقصيدة الأصمعي في حضرة الخليفة العباسي، أبي جعفر المنصور، وقصيدة للشاعر أبي نواس في مجلس الخليفة، هارون الرشيد، وكثير من مقطوعات الشعر المسمى الحديث، أو الحر، مغرقة في الرموز الغامضة والتعبيرات المبهمة، كالفن التشكيلي المعاصر، المغرق في الغموض والإبهام أيضاً. وأرى أن نترك تلك القصائد لطلاب التخصص في الأدب العربي في الجامعة، لكني لا أفهم كيف نفرض على أبنائنا في المدارس الثانوية هذا الاحتفال البالغ بقصائد المدح، والتي لا تصدر عن إعجاب الممدوح، وإنما تستجدي عطاءه، أو تتقي غضبه. فلماذا، بالله، نصدّع رؤوس الشباب بمثل ذلك الكلام، وأي خير نرجوه من تلقينهم، في هذه المرحلة الغضة من العمر؟
كذلك درس التاريخ المفعم بالمعارك بين العرب وخصومهم، وبين المسلمين أنفسهم، فمنهم من اتخذ دمشق عاصمته، وآخر بنى بغداد عاصمة لحكمه، وآخر هرب بجلده، بعد أن فقد المال والأهلين إلى الأندلس، ليقيم دولته القبلية في قرطبة. وكل حاكم يخوض المعارك، ويقتل معارضيه، لتعزيز نظام حكمه، وحكم أولاده، وخير دليل على ذلك قصة الأمين والمأمون. وكما قال الخليفة الراشد الثاني، عمر بن الخطاب: أشقى الولاة من شقيت به رعيته.
لا أريد أن ألغي الأدب العربي والتاريخ الإسلامي، بل أن يطلع عليهما الناس من المكتبات العامة، ومن رجالات الأدب والمؤرخين المعروفين، عبر الأجهزة المسموعة والمرئية، بدلاً من مدارسنا ذات المناهج المفروضة، لأنني نسيت كل القصائد الشعرية التي درستها في المرحلة الثانوية، ولا أتذكر من درس التاريخ سوى الخليفة العباسي (أبو العباس السفاح)، وكفى الله طلابنا شر القتال.

 

8F85ED5C-5AF7-4941-9B14-C7A4A5C0D2FF
8F85ED5C-5AF7-4941-9B14-C7A4A5C0D2FF
شاكر عبد الساعدي (العراق)
شاكر عبد الساعدي (العراق)