التعديل الحكومي التونسي: انتقادات للمحاصصة وعودة سجال التطبيع

التعديل الحكومي التونسي: انتقادات للمحاصصة وعودة سجال التطبيع

08 يناير 2016
انتقد البعض التعديل الحكومي (ياسين الجعايدي/الأناضول)
+ الخط -


تتباين مواقف الأحزاب السياسية في تونس من التعديل الحكومي الجديد. وفيما تنصب انتقادات البعض على ما يرونه من خضوع التعديل إلى المحاصصات الحزبية وأنه مجرد ترضية لبعض الحلفاء في الحكم، إلا أنه بالنسبة للبعض فإن أخطر ما حصل في التعديل اختيار شخصية تحوم حولها شبهات بالتطبيع مع إسرائيل. ويتوقف مراقبون تحديداً عند تعيين مستشار السبسي، خميس الجيهناوي، على رأس وزارة الخارجية، عوضاً عن الوزير السابق، الطيب البكوش. وكان الجيهناوي قد عيّن في عهد الرئيس التونسي المخلوع، زين العابدين بن علي، رئيسا لمكتب تونس في تل أبيب، في العام 1996 إلى حدود العام 2000، وهو ما يجعل كثيرين يعتبرون أن اختيار الجيهناوي في منصب وزير الخارجية تطبيع مباشر مع إسرائيل.

ووصف الوزير السابق في حكومة الترويكا، عبد الوهاب معطر، في تدوينة نشرها على حسابه الشخصي على "فايسبوك"، اختيار الجيهناوي بأنه "مأساة حقيقية، واستباحة لمشاعر التونسيين". وذكّر معطر أنه استقبل الجيهناوي في مارس/آذار 2012 لمعرفة أسباب قبوله برئاسة مكتب تونس بتل أبيب، موضحاً أنّ الأخير تذرّع بقلة الحيلة، وبأنه كان مجبراً على قبول المنصب، ولا سيما أنه مجرد موظف في الدولة، على حد قوله.

واستغرب بعض المراقبين الانتقادات الموجّهة للجيهناوي، وخصوصاً أنها لم تكن بهذه الحدة عندما تم اختياره سابقاً مستشاراً للرئيس التونسي الباجي قائد السبسي مكلفاً بالملفات الدبلوماسية. لكن الجيهناوي لم يكن المسؤول التونسي الوحيد الذي تعرّض في الفترة الماضية للانتقادات على خلفية شبهة التطبيع مع إسرائيل، إذ أثير سجال مماثل سابقاً عند تعيين وزيرة السياحة، سلمى اللومي، والتي اتُهمت أيضاً بالتطبيع مع إسرائيل.

وتعتبر النائبة عن "التيار الديمقراطي"، سامية عبو، أنّ التعديل الحكومي الذي حصل لم يخضع إلى أي منطق، ولا إلى تقييمات مقنعة ومبررة، متسائلة عن معنى تغيير وزير التجارة بآخر، ووضع وزير في الخارجية كان يترأس مكتب تونس في تل أبيب، موضحة أن الأمر غير مقبول ويكرّس للتطبيع. وترى عبو في حديث لـ"العربي الجديد" أن التعديل "لم يراعِ مصلحة تونس، وإنما كان لترضية الأحزاب والأطراف الحاكمة". كما تلفت إلى أن وضع وزراء في مناصب حكومية، يجب أن يستند إلى مقاييس واضحة دراسة سيرهم الذاتية بتمعن ومعرفة ما قاموا به من أعمال، وهل أن مؤهلاتهم تتماشى والمنصب الذي وضعوا فيه.

بدوره، ينتقد القيادي في "الجبهة الشعبية"، زهير حمدي، تعيين الجيهناوي في منصب وزير الخارجية، مؤكداً أن هذا الشخص كان على رأس مكتب تونس في تل أبيب، مبيناً أن الاختيار يعدّ رسالة سيئة إلى الرأي العام. ويقول حمدي، في تصريحات صحافية، إنّ التعديل الحكومي من حيث الشكل معقول، لكن في ما يتعلق بالتركيبة وتحديد الأسماء فإن هناك عودة قوية لرموز النظام السابق، وفي ذلك رسالة سلبية للرأي العام.

اقرأ أيضاً: تغييرات حكومية جديدة في تونس

في غضون ذلك، ترى حركة "النهضة"، أنه تمت المحافظة على الرباعي الحاكم، على الرغم من أن الحركة طالبت في وقت سابق بتوسيع الائتلاف ليشمل أحزاباً أخرى. ويؤكد القيادي في "النهضة"، العجمي الوريمي، لـ"العربي الجديد" أنّ من مطالب النهضة الانفتاح على "الجبهة الشعبية" (الائتلاف المعارض) والمنتقد لسياسات الحكومة، بهدف إشراكه في القرارات وفي الحكم.

ويعتبر الوريمي أنّ من بين القرارات الإيجابية في التعديل تحييد الوزارات السيادية ودمج بعض الوزارات، وفصل أخرى لتقليص العبء عنها على غرار وزارة الداخلية. ويوضح الوريمي أنّ حزب "نداء تونس" الحاكم وبعض الرموز التي كانت تشتكي من عدم إشراكها في الحكم، قد تكون وجدت فرصتها في التشكيلة الحكومية الجديدة، وربما كان تمثيلها أكثر من السابق، فضلاً عن إشراك كفاءات من الترويكا في فترة رئيس الحكومة السابق، مهدي جمعة.

ويضيف القيادي في "النهضة" أنّ الحركة حافظت بدورها على حضورها في التشكيلة الحالية، ربما بنسبة أقل مما كانت تأمله، ولكن بصفة عامة، فإنها تعتبر أن حضورها مرض طالما أنها انتهجت خيار الوفاق.

وحول قرار التخلي عن وزير الشؤون الدينية، عثمان بطيخ، الذي اعتبره عدد من السياسيين ترضية للحركة، يقول الوريمي لـ"العربي الجديد": "نحن لم نطالب بإقالة أي وزير، ولا سيما أنّ رحيل وزير الشؤون الدينية لم يكن مطلباً نهضاوياً، واعتراضاتنا كانت على السياسة التي انتهجها والخيارات التي قام بها، والتي نعتبرها غير مبررة، كما أن أطرافاً من النداء كانت ترى رحيله خطاً أحمر وأخرى لا، وهو ما سبب جدلاً حتى في الحزب الحاكم".

وفي سياق انتقاد خضوع التعديل للمحاصصة الحزبية، يقول الأمين العام لحركة الشعب، زهير المغزاوي، لـ"العربي الجديد" إنّ "الوزراء المستقلين لم يجدوا من يدافع عنهم ولذلك تم التخلي عنهم، في حين أن الوزراء المنتمين للرباعي الحاكم لم يقيّم أداؤهم، وتم الإبقاء عليهم من أجل المحاصصة الحزبية ولترضية الشركاء في الحكومة".

ووفقاً للمغزاوي، فإن خير دليل على ذلك "الإبقاء على وزير التنمية، ياسين بن إبراهيم، على الرغم من تعدد الانتقادات الموجهة إليه، هذا إلى جانب أن أداء وزير التجارة الذي تم استبداله رضا الأحول، لم يكن كارثياً مقارنة بهذا الوزير"، على حد قوله.

ويلفت المغزاوي إلى أن الوزير الحزبي الوحيد الذي تم التخلي عنه كان وزير الشؤون الخارجية، الطيب البكوش، الذي دفع ثمن تذبذب مواقفه في أزمة "النداء"، لافتاً إلى أنه على الرغم من محاولة البكوش التدارك وتبرير غيابه عن اجتماع "النداء" فإن ذلك لم يشفع له. ويؤكد أن "ما غاب في التعديل الحكومي هو البرامج والتصورات. فتغيير أشخاص لا قيمة له مقارنة بالرؤى والتصورات التي ستطرح والتي على أساسها سيحاسب الوزراء".

على الرغم من هذه الانتقادات، يعتبر الأمين العام لحركة الشعب، أن هيكلية الحكومة الحالية تضمنت بعض النقاط الإيجابية كتقسيم بعض الوزارات واستحداث وزارة مكافحة الفساد.

اقرأ أيضاً: محسن مرزوق يحدد تاريخ الانفصال رسمياً عن نداء تونس

المساهمون