البغدادي إلى بغداد

البغدادي إلى بغداد

17 أكتوبر 2014

عراقي في بغداد يتفحص بندقية لصيد الطيور (7 أكتوبر/2014/أ.ف.ب)

+ الخط -
كل المعطيات تشير إلى أن "داعش" وضع بغداد هدفاً رئيسياً، وهو يحشد، منذ أن اجتاح الموصل في العاشر من يونيو/ حزيران الماضي، للوصول إليها. ويبدو أن زعيم التنظيم، أبو بكر البغدادي، لم يختر الاسم من فراغ، وهو الذي ينحدر من مدينة سامراء، كان في وسعه أن ينسب نفسه إلى مسقط رأسه، لكنه اختار بغداد عاصمة الخلافة الإسلامية.
وبعيداً عن رمزية بغداد التاريخية والراهنة، هناك أمر يلفت الانتباه، هو أن البغدادي لم يهاجم سامراء مدينته الأم، حتى الآن. ولذا، بقيت تحت سيطرة المليشيات التي تحرس أضرحة الإمامين العسكريين، وكأنه يريد أن يقول إن حساباته مختلفة، وهدفه بغداد.
معركة بغداد وشيكة، هذا ما تؤكده معلومات متقاطعة من أطراف أميركية وعراقية رسمية، وتبرهن عليه حركة "داعش"، وطرق تقدمه، عبر الأنبار التي تساقطت فيها القوات العراقية، في الأيام الأخيرة، بطريقة لا تثير الاستغراب فحسب، بل على نحو يوحي بأن قوة "داعش" عصية على المقاومة حتى الآن.
ومن يراقب الاستعدادات المرئية من الجانب الآخر لا يستطيع أن يعلق آمالاً كبيرة على هزيمة ماحقة لـ"داعش" على أبواب بغداد. هناك بقايا جيش عراقي منهزم من كل المواجهات مع "داعش"، ومليشيات رصيدها يكمن في حروب داخلية، بالإضافة إلى إسناد أميركي بالخبرة وبعض طائرات الأباتشي. والورقة التي لا تزال مخفية هي الورقة الإيرانية. وهنا، يكمن السؤال الجوهري، كيف سيتصرف الإيرانيون، وما الذي سيكون عليه موقف الأميركيين، في حال أرادت إيران أن تدافع عن بغداد، وتمنع سقوطها؟
بغداد هي المعركة الرئيسية في هذه المواجهة المفتوحة، ومنها تتحدد المسارات اللاحقة، فإما أن ينكسر "داعش" على أبواب عاصمة الرشيد، ويصبح متاحاً تشتيت صفوفه والقضاء عليه، أو أنه سينقل المواجهة إلى مستوى مختلف كلياً، وهو مستوى المواجهة القائمة على حرب استنزاف طويلة الأمد، حرب عصابات مفتوحة على رقعة جغرافية واسعة، تمتد من ريف حلب حتى بغداد.
صحيح أن "داعش" امتلك سلاحاً ثقيلاً غنمه من الجيشين، العراقي والسوري، وهو يخوض، الآن، مواجهات تمزج بين استراتيجيات الجيوش وحروب العصابات، لكنه، في نهاية الأمر، كناية عن عصابات تقاتل بطرق مختلفة كلياً عن الجيوش الرسمية، وهذا ما يعقّد مسألة التصدي له وهزيمته.
وكلما يمر الوقت، تتأكد حقيقتان. الأولى أن عامل الزمن يلعب لصالح "داعش". والثانية أن المواجهة الناجعة معه لا يمكن أن تكون غير برية. وغير ذلك هو نوع من الدوران في حلقة مفرغة، وهذا ما تأكد بعد حوالي أكثر من شهر من الغارات الجوية التي تجاوزت الألفين، ولم تحدث فرقاً ملحوظاً على الأرض، بل على العكس، لا يزال التنظيم يتقدم بقوة في العراق وسورية، ومثال ذلك الانتصارات التي حققها في الأنبار وعين العرب.
يؤكد العارفون بجغرافية المنطقة ومشكلاتها أن "داعش" ينهزم بطريقة واحدة فقط، وهي إذا وجدت العشائر السنية بين حلب وبغداد مصلحة لها في التصدي له، وهذا أمر قاله الأميركيون، منذ اليوم الأول لتشكيل التحالف الدولي، لكنهم يقولون شيئاً، ويتصرفون بطريقة مختلفة. وبدلاً من أن يشرعوا في العمل على ترتيب الوضعين، العراقي والسوري، على هذا الأساس، فإنهم يضيعون الوقت في الهامش. مرة يراهنون على إيران، وأخرى على تركيا، وثالثة يحفظون دوراً غير منظور لبشار الأسد.
طريق البغدادي إلى بغداد سالكة حتى الآن، وهو يستعد لاقتحامها في وقت قريب، بينما تعمل الاستراتيجية المقابلة على خطة عملٍ، بعيدة المدى على أعوام، لا يأمل منها أحد حتى حماية البصرة.