الاقتصاد والدين... مفاتيح الدبلوماسيّة المغربيّة الأفريقيّة

17 ابريل 2014
الملك المغربي في غينيا في مارس الماضي (أف ب،getty)
+ الخط -

كثّف المغرب، في الآونة الأخيرة، من التقرّب السياسي والدبلوماسي إزاء العديد من البلدان الأفريقية، خصوصاً تلك التي تقع غرب القارة السمراء، من خلال الزيارات المتكررة التي يقوم بها الملك محمد السادس إليها، والاستثمارات المغربية في الكثير من المجالات في تلك البلدان.

وتجتمع العديد من العوامل الجيوسياسية والاقتصادية والحضارية والروحية أيضاً، لتجعل من المغرب لاعباً جديداً ومؤثراً في ملعب دول أفريقيا الغربية خصوصاً، إذ استطاع المغرب أن يجد لنفسه موطئ قدم أساسي في أزمة مالي، كما أنه حاضر بمشاريعه الاقتصادية المهمة في تلك الدول الأفريقية، وبات بلداً "يُصدّر" إليها تجربته في تدبير الشأن الديني.

وزار العاهل المغربي، أخيراً، عدداً من الدول الأفريقية أكثر من مرة، وذلك خلال فترة زمنية متقاربة، منها مالي وساحل العاج والغابون والسنغال، ودولاً أخرى للمرة الأولى، مثل غينيا كوناكري، مُصطحباً معه في كل زياراته وفداً رسمياً كبيراً يتضمن كبار رجال الأعمال.

وكان الملك محمد السادس قد دعا الدول المتقدمة، في آخر زيارة له لأربعة بلدان في غرب أفريقيا، خلال شهر مارس/ آذار الماضي، إلى ضرورة سنّ شراكة اقتصادية حقيقية مع بلدان القارة السمراء، بدل تلقّي المعونات والصدقات، وذلك في أفق دعم التعاون جنوب ـ جنوب من خلال تنمية مستدامة.

موطئ قدم في أفريقيا

وتعليقاً على هذا الدور المحوري الذي بات يؤديه المغرب في المشهد الأفريقي، قال الأكاديمي والمحلل السياسي، الدكتور محمد نشطاوي، إن "المغرب أصبح يُنظر إليه كلاعب جديد في أفريقيا الغربية، جنوب الصحراء، لتوفّره على إمكانيات واستثمارات مهمة".

وأشار نشطاوي، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، إلى أن "القارة الأفريقية تُعَدّ سوقاً استهلاكية أكبر من آسيا، وتشهد ديناميكية ديموغرافية كبيرة، إذ من المتوقع أن يصل عدد سكانها عام 2050 إلى نحو ملياري نسمة، وبالتالي فهي قارة الفرص اليوم، وآفاق النمو بالنسبة للمستقبل".

ويستطرد أستاذ العلاقات الدولية في جامعة مراكش، بأن "الروابط المشتركة للمملكة مع محيطها الأفريقي، من شأنها أن تعزز هذا التوجه نحو الجذور، بعدما ظل المغرب لعقود طويلة مفصولاً عن محيطه الجغرافي، بسبب عوامل سياسية كثيرة جعلته يبدو معادياً لقضايا القارة الأفريقية".

ويخلص نشطاوي إلى أن الأبعاد السياسية والجيو استراتيجية لهذا التوجه الأفريقي للمغرب، تهدف إلى تكريس المكاسب الدبلوماسية التي حققتها المملكة خلال الأشهر الماضية، من خلال حضورها في مجريات الأزمة المالية، إضافة إلى نشاط الدبلوماسية المغربية اللافت في إطار المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (سيداو) وتجمّع دول الساحل والصحراء.

ويعتبر نشطاوي أن الاستثمارات المغربية والتوظيف الديني للروابط الروحية المشتركة بين المغرب وعدد من الدول الأفريقية، متمثلة في المذهب المالكي، إلى جانب النشاط الدبلوماسي الداعم لبعض القضايا الأفريقية، شكلت آليات لإيجاد موطئ قدم للمغرب في منطقة بدأت أهميتها تتزايد في ظل تهديدات تنظيم القاعدة، وفي خضمّ تزايد اهتمام الغرب بالمنطقة.

الاستثمارات مفتاح أفريقيا

هذا التوجه الدبلوماسي اللافت للمغرب نحو أفريقيا، لم يأتِ معزولاً في سياقه عن مبادرات اقتصادية كثيفة، تمثّلت في مشاريع تنموية عديدة تقيمها شركات ورجال أعمال مغاربة في تلك الدول الأفريقية، شملت قطاعات كثيرة، خصوصاً في مجالات المصارف والعقارات والطاقة.

وأكدت مذكرة صدرت حديثاً، عن مكتب الصرف المغربي، ارتفاع الاستثمارات المغربية في أفريقيا، في الفترة ذاتها التي توجهت الدبلوماسية نحوها، إذ تطور حجم الاستثمارات المباشرة للمغرب في القارة الأفريقية إلى حوالى 150 مليون دولار في السنة الماضية، أي 44.1 في المئة من استثمارات المملكة في الخارج.

وحققت الاستثمارات المغربية في دول جنوب الصحراء، تصاعداً ملحوظاً خلال العام 2013، فزادت بنسبة 97.8 في المئة مقارنة مع 2012، تحديداً في أسواق تقليدية للمغرب، مثل ساحل العاج ومالي والغابون، أو أسواق جديدة مثل توغو.

ويشير تقرير صدر حديثاً عن "مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية"، إلى أن "المغرب هو البلد الوحيد الذي نجح في تحقيق نمو متين، في وقت تراجعت فيه التدفقات المالية نحو البلدان الأفريقية، وذلك بسبب التوترات السياسية والاجتماعية في المنطقة".

ويحتل القطاع المصرفي صدارة القطاعات التي يستثمر فيها المغرب في أفريقيا، إذ يشكل أكثر من 56.3 في المئة من حجم الاستثمارات المغربية المباشرة في أفريقيا خلال السنة الماضية، يليه قطاع العقارات، ثم قطاع الاتصالات، وقطاعات أخرى.

تصدير التجربة الدينية

إقبال المغرب دبلوماسياً واقتصادياً على دول أفريقيا الغربية خصوصاً، واكبه أيضاً نوع من "تصدير" تجربته في تدبير الشأن الديني إلى هذه المنطقة، من خلال تدريب مئات أئمة المساجد والمرشدين الدينيين في معاهد المملكة، مثل حالتي مالي وغينيا كوناكري، وتونس وليبيا أيضاً.

ويشرف المغرب على تدريب وتأهيل 500 إمام من مالي على دفعات طيلة خمس سنوات، وذلك بطلب من الحكومة المالية لمناسبة زيارة سابقة للعاهل المغربي لباماكو. كما يعتزم المغرب تدريب أئمة مساجد من غينيا كوناكري، في سياق طلب الاستفادة من الخبرة المغربية في المجال الديني.

وتبرز العلاقات الروحية بين المغرب وهذه الدول الأفريقية، من خلال العناية بالطرق والزوايا الصوفية، ووحدة العقيدة ووحدة المذهب المالكي، كما أن الطريقة التيجانية، التي لها تاريخ طويل في المغرب، لها نقطة التقاء مع هذه الطريقة في دول أفريقية، خصوصاً في السنغال.

وفي هذا الصدد، يؤكد الباحث عبد العزوزي، أن العلاقات الروحية، متمثّلة خاصة في الزوايا الصوفية، تُعَدّ أساس العلاقات بين المغرب وعمقه الأفريقي، معتبراً أن "الدبلوماسية الهادئة"، هي عامل مساعد على محاربة التطرف الديني ونشر الوسطيّة في تلك المناطق الأفريقية التي يتهددها الإرهاب والتشدد الديني.

دلالات