الاحتلال يعيد اكتشاف "يهود الهند الضائعين"

الاحتلال يعيد اكتشاف "يهود الهند الضائعين"

15 اغسطس 2015
اليهود الأفارقة يعانون من عنصرية إسرائيلية ضدهم (فرانس برس)
+ الخط -

أعلن وزير الداخلية الإسرائيلي، سلفان شالوم، عن استقبال 88 مهاجراً هندياً، تدّعي تل أبيب أنهم يهود أقحاح، تمت إعادة تهويدهم وفق أكثر القوانين اليهودية تشدداً. ولم يقف الاحتفاء عند هذا الحد، بل زاد شالوم بإعلانه، منذ أيام، أنه سيعمل جاهداً لجلب "يهود الهند الضائعين"، مشيدا بعطائهم وأهميتهم المستقبلية لأمن إسرائيل.

ولا يمكن، في هذا السياق، تجاهل ارتباط هذه الالتفاتة المفاجئة للهند ويهودها كمخزون بشري يهودي توراتي، بالهوس الديموغرافي الإسرائيلي، بعد أن بات ينفد مخزون إسرائيل من يهود العالم. فقد استطاعت إسرائيل جلب أكثر من مليون ومائتي ألف مهاجر روسي، زعمت بداية أنهم يهود أقحاح، لكن سرعان ما ثارت حفيظة المؤسسة اليهودية الأرثوذكسية، وأعلنت أن أكثر من 40 في المائة منهم ليسوا يهوداً ولا يمتّون لليهودية بصلة، ولا يزال شأن يهوديتهم موضع خلاف في إسرائيل. يتجلى أكثر شيء في سعي حزب "إسرائيل بيتنا"، الذي يرأسه أفيغدور ليبرمان، وحزب "ييش عتيد"، إلى إقرار قانون "حلف الزواج" الذي يتيح للمهاجرين الروس الزواج والاعتراف بعقود زواجهم، كبديل لحقيقة تسجيلهم في سجلات المؤسسة الربانية اليهودية كممنوعين من الزواج اليهودي الشرعي لاختلاط نسبهم وعدم قطعية يهوديتهم.

وفيما تواجه المؤسسة اليهودية الأرثوذكسية مصاعب وعراقيل في إجبار مهاجري روسيا على الخضوع لإجراءات تهويد متشددة، يعتبرها المهاجرون أنها مذلة وغير إنسانية، فإنها على ما يبدو، وبحسب المصادر العبرية المتوفرة، لم تواجه مشكلة كهذه مع "الهنود"، على الرغم من عدم قطعية انتسابهم لبني إسرائيل، وإن كانوا وفق "زيارات ميدانية" ولجان تحقيق ربانية يهودية يبدون تمسّكاً معيناً بطقوس وشعائر يهودية.

وأعادت خطوة شالوم إلى الأذهان أيضاً، العنصرية البيضاء في التعامل مع من أتوا وجُلبوا من بلاد الشرق وأفريقيا، ففيما كانت المؤسسة الدينية الأرثوذكسية تبدي حماساً لاستيعاب هؤلاء كيهود في صفوف الشعب، بعد مرورهم بعمليات التهويد المتشددة، وقبولهم بها، بفعل ضعفهم الاجتماعي والاقتصادي وتوقهم للوصل إلى العالم الجديد، كما حدث مع يهود الحبشة، فإنه يفاقم من التناقض ومن حدّة العنصرية البيضاء تجاه أبناء الشرق حتى عندما تكون "الصهيونية" في أمسّ الحاجة إليهم لتعديل "الميزان الديمغرافي في الداخل وفي فلسطين التاريخية كلها".

فإذا أخذنا في الحسبان أن مليونا ونصف مليون مهاجر روسي دخلوا فلسطين منذ عام 1987 ساهموا في خفض نسبة الفلسطينيين (وليس عددهم) من مجمل السكان الذين يحملون الجنسية الإسرائيلية الرسمية، أي فلسطينيي الداخل، لتظل نسبتهم اليوم ما يقارب 22 في المائة، وهي عملياً نسبة المهاجرين الروس، يتضح لنا حجم الحاجة الصهيونية لمخزون يهودي يضمن أغلبية يهودية. ولكن في ظل رفض يهود الغرب، بمن فيهم يهود فرنسا، بعد أحداث "تشارلي إيبدو" وعملية تولوز قبل عامين، من جهة، وعدم تدفق اليهود الإنغلوسكسون من الولايات المتحدة، فإن الاتجاه نحو الشرق والاستعداد للتوغل حتى شمال شرق الهند وحدود ميانمار، يوضح عملياً حجم المأزق الصهيوني وخوفه من القنبلة الديمغرافية، وفقدان الأغلبية اليهودية.

ولعل الملفت في هذا السياق، اعتراف شالوم، بشكل غير صريح، بوجود دوافع "لا حاجة إلى ذكرها صراحة"، بحسب تصريحه لصحيفة "هآرتس"، كانت "وراء وقف عملية جلب الهنود" إلى فلسطين، لأسباب "ليست فقط دينية أو اقتصادية، وإنما لأسباب لا أريد حتى التفكير فيها، لكنني سأنفذ سياسة مغايرة".

ويتضح من المعلومات التي نشرتها "هآرتس" في هذا السياق، أن جمعية يهودية صهيونية تدعى "شيفي أحيم"، ويتزعمها المستشار السابق لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ميخائيل فرويند، وهو من أصول أميركية، ومعروف بعدائه وعنصريته المعلنة تجاه فلسطينيي الداخل، واعتبارهم خطراً على مستقبل يهودية إسرائيل، دعا حكومة نتنياهو إلى إقرار جلب 6500 من أبناء هذه القبائل الهندية، مع إعطاء تسهيلات استثنائية في الاعتراف بيهوديتهم، خصوصاً بعد عمليات التهويد المتشددة التي مروا بها.

اقرأ أيضاً: "انتفاضة" اليهود الإثيوبيين في تل أبيب: الاندماج لا الانفصال

ووفقاً للمواقع الإسرائيلية، فإن عملية توطين العشرات والمئات من هؤلاء المهاجرين الهنود كانت مستمرة منذ أواسط السبعينيات، بل إن قبائلهم التي ينتمون إليها سعت إلى الاتصال بالحكومات الإسرائيلية منذ عشرات السنين، بما في ذلك توجيه رسالة لرئيسة الحكومة الإسرائيلية السابقة، غولدا مئير، بعد حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973. إلا أن كل محاولاتهم لم تحظَ بجواب أو رد فعل رسمي مشجع أو متحمس، بفعل أصولهم والتشكيك في يهوديتهم ومدى صحة روايتهم. ووفقاً للأخبار المنشورة في المواقع الإسرائيلية، فإن مجمل عدد هؤلاء في إسرائيل يصل إلى 3 آلاف شخص، موزعين على مستوطنات إسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة مثل كريات أربع، وبيت إيل، وعوفرا وكرني شومرون، وعاش قسم منهم في مستوطنات قطاع غزة قبل الانسحاب الإسرائيلي منها. كما تم توطين مجموعة منهم في مستوطنة كتسير في الجولان السوري المحتل.

من هم اليهود الهنود؟

تدّعي المصادر الصهيونية والمواد المنشورة في مختلف المواقع العبرية، ومنها موقع جمعية "شفي يسرائيل" أي "عودي يا إسرائيل"، أن الحديث يدور عن قبائل هندية تعيش في شمال شرق الهند. وينتمي هؤلاء الهنود المكتشفة يهوديتهم حديثاً (والواقع أن إسرائيل كانت على اتصال بهم أو على الأقل حاخامات دينية منذ سنوات طويلة)، إلى قبائل أديفاسي وكوكي تشان وميزو، ويعيشون في محافظات ميزورام وأسام ومينفور شمال شرق الهند على حدود دولة ميانمار.

وكان الإعلام الإسرائيلي بدأ بالحديث عنهم قبل نحو عشر سنوات، وسط تشكيك واضح في يهوديتهم، لا سيما أن الحديث جرى في البداية عن نحو 6 ملايين شخص، ثم تقلص بحسب النشر في الأيام الأخيرة إلى نحو مليون ونصف المليون شخص. وقد بدأت السلطات الإسرائيلية وبشكل منضبط وبوتيرة هادئة، إيفاد بعثات "دينية" ولجان من الحاخامات لفحص مدى يهودية هؤلاء والتزامهم باليهودية وتشريعاتها. وتشير المعلومات إلى أن هناك خلافاً حول صدقية يهوديتهم، وأن معرفتهم بتقاليد اليهودية مردها أصلاً إلى النشاط التبشيري المسيحي في أواخر القرن التاسع عشر. ويشكّل هذا الأمر قاسماً مشتركاً أيضاً بحسب البعثات اليهودية على أثيوبيا، لفحص مدى يهودية الفلاشا، إذ كان سفير إسرائيل السابق في أثيوبيا، أفي غرانوت كتب في تقرير رسمي أنه وجد أن يهود الفلاشامورا مثلاً لا يُقيمون شعائر الصلاة اليهودية، وينطبق الأمر على أبناء القبائل الهندية المعلن عنها، مع ضرورة الانتباه إلى أن السعي للاعتراف بيهوديتهم، والأدق تهويدهم وفق أشد التعليمات والشرائع اليهودية، يأتي من المؤسسة الدينية الأرثوذكسية الشرقية، أي مجلس حاخامات شمال أفريقيا.

ويحظى أبناء القبائل الهندية هذه بدعم تلمودي ديني أيضاً من الحاخام أبراهام برينبويم، الذي كان وضع رسائل حول أنهم من سلالة السبط اليهودي الضائع، فيما يمكن إيعاز حماس نتنياهو ومستشاره السابق فرويند إلى ارتباط ذلك بشبكة العلاقات الممتازة التي تربط الهند تحت قيادة رئيس الحكومة الهندية ناريندرا مودي، بإسرائيل نتنياهو من جهة، مقابل النفور وشبه القطيعة بين نتنياهو وتيار الدين اليهودي الأرثوذكسي مع يهود الولايات المتحدة الإصلاحيين والمحافظين. ولعله من المفيد في هذا السياق ذكر الهجوم الذي يشنه السفير الإسرائيلي السابق في واشنطن، مايكل أورن، في كتابه الجديد عن العلاقات بين إسرائيل والولايات المتحدة، وفي كلمته أمام مؤتمر هرتسليا مطلع هذا الشهر، على الجماعات اليهودية غير الأرثوذكسية في الولايات المتحدة واتهامه لها بدعم خط الرئيس الأميركي باراك أوباما والسياسات الأميركية ضد إسرائيل.

اقرأ أيضاً: تهافت "أحفاد اليهود" للحصول على الجنسية الإسبانية