الأميركيون وتطورات اليمن

11 فبراير 2015
+ الخط -
منذ احتدم الوضع في العراق، بعد ظهور تنظيم "الدولة الإسلامية"، أظهرت الولايات المتحدة اللامبالاة حيال تمدد النفوذ الإيراني، في كل من العراق وسورية ولبنان واليمن. وبالطبع، كانت مصالح الأميركيين الأمنية تقتضي هذا التغاضي. ويتوقع أن يشهد يوم 24 من مارس/آذار المقبل اتفاقاً بين مجموعة 5 زائد 1 وإيران، حول مشروعها النووي. وجاء انقلاب الحوثيين في اليمن في سياق تعزيز الأوراق الإيرانية، قبل موعد الاجتماع. غير أن ما جرى في اليمن، تحديداً، وضع السعودية في موقف حرج، بينما هي في لحظة انتقال سياسية، بعد وفاة الملك عبدالله. بل إن الحوثيين الذين وضعوا يدهم على السلطة أربكوا الولايات المتحدة نفسها، وربما تكون لعثمة وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، في اجتماعه مع وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي في ميونيخ، هي التي أفصحت عن طبيعة الموقف الأميركي المريب. فقد بدا أن الأميركيين لم يستقروا على موقف ذي معنى من تطورات اليمن. وانعكس الإرباك، أيضاً، في تصريح لأحد مسؤولي الإدارة، قال فيه إن واشنطن لا تعرف، حتى الآن، النتيجة التي يرغب البيت الأبيض في رؤيتها في اليمن. وجاء الموقف الأميركي الغائم والمتردد، ليضرب بمخاوف السعودية وسائر أقطار الخليج التي هي حليفة تقليدية للولايات المتحدة عُرض الحائط .
ومثلما فعل الأميركيون في جنوب آسيا، عندما غدروا بباكستان، وجددوا الاتفاق النووي مع الهند، ووسعوه على النحو الذي يحرر المشروع النووي الهندي من الضوابط التي تمنع إنتاج السلاح النووي؛ فقد أظهروا عدم الاكتراث لتمدد النفوذ الإيراني في اليمن، وحشر السعودية. وبدا واضحاً أن للأميركيين مصلحة مباشرة في اشتداد ساعد الحوثيين، على اعتبار أنهم طرف يحارب "القاعدة"، من خلفيات أيديولوجية مذهبية وعشائرية. وفي هذا السياق، لم تشعر واشنطن بالحرج أمام دول الخليج، بينما تدفع إيران بجهودها إلى الأمام، لتوسيع نفوذها في المنطقة، قبل انتهاء مهلة المفاوضات حول الملف النووي. فهي تخلق، في كل يوم، وقائع جديدة، وتخلط الأوراق، وتحاذر في مواضع الحذر، لكنها تتجاسر، كلما التقطت إشارات تغاضٍ أميركي.
باتت التطورات اليمنية، لا سيما في فصلها الأخير، تشكل التحدي الخارجي والإقليمي الأول للملك سلمان بن عبدالعزيز، في بداية عهده، على الأقل بالنسبة لما يُنتظر من مؤشراتٍ، تنم عن وجهة سياسته الخارجية. وعلى قدر ما هي وافرة المؤشرات على شكل السياسة الداخلية، لا زالت السياسة الخارجية بلا مؤشرات، لكن سيطرة الحوثيين على الحكم بالقوة، وفرضهم مجلساً رئاسياً وإعلاناً "دستورياً" جاء بمثابة اختبار للسياسة السعودية، على اعتبار أن المملكة بلد وازن، وذو دور إقليمي مفترض. وكأن الرئيس الأميركي، باراك أوباما، في إعلانه عن استراتيجية الأمن القومي الأميركي (6/2/2016)، أراد في مقاربته شؤون المنطقة، وباختراع تعبير "الصبر الاستراتيجي"؛ تطمين السعودية، ونشدان صمتها على التطورات اليمنية، عندما تعهد بكلام عام "مواصلة حماية حلفائه في المنطقة". فعندما استخدم كلمة "مواصلة"، ألمح إلى وضع جديد في المنطقة، وإلى كون السعودية معنية بنفسها، ولا شأن لها باليمن. لكن المملكة، وهي لاعب أساسي وتاريخي في اليمن، لن تكون غير معنية به، فضلاً عن استشعارها مخاطر كثيرة، من سيطرة الحوثيين عليه.
في المشهد الإقليمي الراهن، تتبدى جليةً نتائج سياسات غض الطرف العربي عن اليمن، حتى وقعت الفأس في الرأس. بات العرب، في أسوأ حالاتهم، وهم يقاتلون "داعش" مع الأميركيين، بينما يتغاضى هؤلاء الأميركيون عن التمدد الإيراني، حتى أصبح مجرد هجاء الأميركيين النظام السوري نادراً، على الرغم من ازدياد توحشه. فلا العرب قادرون على التخلي عن تحالفهم مع الأميركيين، ولا هؤلاء أظهروا ميلاً لكبح جماح إيران.