الأمل السوري عندما يصير إقامة مؤقتة في ألمانيا

الأمل السوري عندما يصير إقامة مؤقتة في ألمانيا

برلين
5698EA23-7F4D-47FA-B256-09D7BCA82E5A
ناصر السهلي
صحافي فلسطيني، مراسل موقع وصحيفة "العربي الجديد" في أوروبا.
22 يونيو 2014
+ الخط -

ما إن تقابل قادماً من سورية حتى يروي لك مأساة ليست فردية، فاليافع كما الرجل، تجده شارداً يحدثك عن مشاهداته وكأنه يعيشها لحظة حديثه معك. قصص "المركب" الذي يغرق، والمهرب غير المبالي بمآسي العائلات التي تصرخ طلباً لإنقاذ أفراد يغرقون.

بكثير من الألم راح العم أبو وليد يتحدث لـ"العربي الجديد" عن مأساته ومأساة اللاجئين السوريين. لم يكن أبو وليد الذي فرقته تغريبته عن زوجته وباقي أهله يفكر كثيراً بنفسه، بل بابنته وأحفاده الذين رماهم موج البحر المتوسط بعيداً عن شواطئ سورية نحو مجهول آخر في المأساة السورية الطويلة.

"صرنا بلا قيمة"، يقول أبو وليد الذي نجا من حادث غرق مع أحفاده وابنته. ينفث دخان سيجارته بغير انقطاع، وبحسرة يحدثك عن شتات آخر: "زوجة في بلد، وزوج ابنة في بلد آخر، وأنا معلق في بحث عن أمن لابنتي وأحفادي".

هذه ليست مأساة شخص، بل نموذج لحالة الآلاف في ألمانيا، منهم من بلا إقامات ومنهم من هو محكوم عليه بالإبعاد، كما العم أبو وليد وابنته وأحفاده. مبرر الإبعاد واحد في كل القصص: البصمة.

هذه القصة هي القاسم المشترك بين هؤلاء. لم تكن برلين بالنسبة إليهم محطة عبور كما كانت شواطئ جنوب المتوسط، وشمالاً سفن التقاطهم من الغرق نحو إيطاليا، التي كانت "تجبرنا على أن نبصم في معسكراتها كلاجئين تحت التهديد والعزل"، حسبما يقول أبو وليد. يروي كيف "كانوا يساومون حتى كبار السن على الطعام ليأخذوا منهم بصماتهم كي لا ينتقلوا إلى بلدان أوروبية أخرى".

السكن معضلة العائلات

السكن ضائقة أخرى. بحث مضن يستيقظ له في الصباح الباكر الناشط الفلسطيني - السوري أحمد الخطيب، ليجوب متطوعاً لمساعدة هؤلاء الذين لا سكن لهم في برلين. يقول لـ"العربي الجديد": "هذه معضلة كبيرة للعائلات، فالحكومة الالمانية لا تؤمن لهم السكن، بل عليهم أن يجدوا شقة ويعقدوا اتفاقاً مع المؤجرين الألمان. هؤلاء لا يجيدون الألمانية، وبعضهم محطم نفسياً ويرعى أطفالاً، فكيف سيوفق بين احتياجات عائلته وبين قلقه الدائم من عدم الاستقرار المسلط على رأسه؟".

يتدخل شاب ليسأل عن تعبئة استمارة، يشير الخطيب إليه ويقول: "هذا الشاب مر على وجوده هنا عام تقريباً. لم يلتقط كلمة ألمانية واحدة. ربما يكون عدم الاستقرار النفسي العامل الأساسي في معضلة هؤلاء المشتتين بين أهاليهم في سورية وبين المجهول هنا تحت بند الإقامة المؤقتة".

لم يكن أبو وليد محظوظا بقدر ما كان الشاب السوري عبود سعيد، ابن "منبج" في شمال حلب، الذي منحته ألمانيا تأشيرة دخول للمشاركة بإصدار كتيب من شعره باللغة الألمانية. ورغم أن عبود حصل على اللجوء السياسي، فإنه لم يحدث "العربي الجديد" سوى عن سورية، وعن رغبته الشديدة في العودة، عن أهله الذين تركهم خلفه.. يحدّث وكأنه عائد غداً، وبهموم اللاجئ الذي يبحث، مثل غيره، عن سكن أو غرفة بين جدران "لأعيش حياتي كإنسان"، حسبما يضيف وهو شارد في أفق تركيا حيث يأمل رؤية والديه بعد 7 أشهر من وجوده في ألمانيا.

وعن خياراته، يقول: "ربما العودة إلى سورية، وربما تكون تركيا حلاً لأرى أهلي. أنا ابن ريف، لم أستطع التأقلم مع مدينة دمشق حين زرتها فكيف سأتأقلم في ألمانيا. اللغة هنا كأنها لا تعنيني، ربما لأنني أرفض أن أبقى في برلين".

الشابة السورية نور قويس طالبة جامعية في برلين. تقدّر مشاعر صديقها عبود، وتتفهم ما وصفه بأن "القصة أكبر من حنين إلى وطن". لكن قويس لم تخض تجربة اللجوء، هي في برلين لإعداد الماجستير بمنحة حصلت عليها قبل عام ونصف عام.

تقول لـ"العربي الجديد": أنا لم أعان كثيراً في الأسئلة عن الاندماج، التي هي الشغل الشاغل للسياسة الألمانية في برلين، ولم أخض تجربة آلاف المعذبين. لكني بالتأكيد سورية أفهم معاناة شعبي ومأساة وطني".

ذلك الحظ الذي يتحدث عنه اللاجئون السوريون ليس بالضرورة الوصول إلى برلين، فقد يكون النجاة من الموت المحقق غرقاً، أو تحت القصف.

في شوارع برلين تشاهد القادمين من سورية وكأنك أمام لحظة قدوم الفلسطينيين إليها بعد تدمير مخيم تل الزعتر في العام 1976. هكذا وصف "عرب برلين" الذين التقاهم "العربي الجديد" حالة ازدياد الأعداد. بعض هؤلاء يحدوه الأمل لمواصلة الطريق نحو دول إسكندينافية.

"الطريقة العربية"

"الأمل" في حالة هؤلاء اللاجئين دونه مصاعب كثيرة. يحاول البعض التخلص منها على "الطريقة العربية" كما وصفتها مديرة مشروعات الدمج وإعادة تأهيل المهاجرين في وسط برلين الألمانية جيزيلا شوين وهي تروي لـ"العربي الجديد" صعوبات هؤلاء بحثاً عن سكن ولغة ولم شمل لعائلات مشتتة بين بلدان مختلفة. طريقة تستدعي تفريغ متطوع لمساعدة هؤلاء، وخصوصاً من العرب الذين يجيدون لغة ألمانيا وثقافتها وقوانينها.

قد لا يكون غريباً أن تجد منزل الفلسطينية - الألمانية ماغي عبارة عن مكتب يلجأ إليه الشباب الذين يهيمون على وجوههم لتخطي صعوباتهم اللغوية والقانونية. تقول شوين: "يحاولون حل مشاكلهم على الطريقة العربية، وهذا أمر جيد يخفف عنهم، فالعرب نشيطون جداً في محاولة الاعتماد على بعضهم".

لكن الأمر ليس بهذه السهولة. فأكثر من 32 ألف سوري وسورية حضروا إلى ألمانيا، ويتوجه هؤلاء غالباً إلى برلين. أزمة الهجرة الداخلية الألمانية تزيد الطين بلة بالنسبة إلى إيجاد مسكن وعمل. وما يراكم مشاكل اللاجئين عموماً حالة نفسية سيئة تفقدهم القدرة على التركيز وعلى حضور دروس اللغة والبحث الذاتي عن الخروج من مأزق أعراض ما بعد الصدمات. وهي حالة عامة تنتشر بين لاجئين سوريين، إذ لا يمكن لقصص الموت والقتل والسجن والدمار والتشرّد أن تجتمع في أحاديث هؤلاء دون أن تسبب جروحاً.

يتحدث أبو وليد عن حفيدته التي شاهدت عمها يتحوّل إلى أشلاء. ومن وقتها تعاني من صدمات نفسية رهيبة. بدأ شعر رأسها بالتساقط. يضيف: "نجاتنا من الغرق زاد من مآسيها، ثم جاء قرار ترحيلنا أنا وأحفادي وأمهم وتشتت أبيهم بعيداً عنهم ليجعلنا جميعاً في نكبة".

الأمل، بحسب وصف أكثرهم، يبقى فقط في إقامة مؤقتة ريثما يعودون إلى وطنهم سورية. وإلى حينه لا بد لهؤلاء من أن يمروا في ممرات جشع المهربين وركوب مخاطر البحر وتعامل الدول معهم كأرقام و"كوتا" تقاسم بين دول الاتحاد الأوروبي.

فلافل الأحلام في برلين 
التعايش في برلين 

ذات صلة

الصورة
تشييع رائد الفضاء السوري محمد فارس في أعزاز، 22 إبريل 2024 (العربي الجديد)

سياسة

شيّع آلاف السوريين، اليوم الاثنين، جثمان رائد الفضاء السوري اللواء محمد فارس إلى مثواه الأخير في مدينة أعزاز، الواقعة ضمن مناطق سيطرة المعارضة السورية.
الصورة
حال صالات السينما في مدينة القامشلي

منوعات

مقاعد فارغة، وشاشة كبيرة نسيت الألوان والحركة، وأبواب مغلقة إلا من عشاق الحنين إلى الماضي؛ هو الحال بالنسبة لصالات السينما في مدينة القامشلي.
الصورة

سياسة

مُنع وزير المال اليوناني الأسبق يانيس فاروفاكيس من دخول ألمانيا لحضور مؤتمر مؤيد للفلسطينيين في برلين
الصورة
مظاهرة في برلين بعد منع مؤتمر فلسطين 13 إبريل 2024

سياسة

خرجت مظاهرة، ظهر السبت، في برلين احتجاجاً على قيام الشرطة الألمانيّة بمنع انعقاد مؤتمر فلسطين، أمس الجمعة، إضافة لمنع الطبيب الفلسطيني غسان أبو ستة