الأغاني الخاصة: أعمال تعوّض ضعف شركات الإنتاج

30 نوفمبر 2015
كاظم الساهر (Getty)
+ الخط -
في ظل توقف الإنتاج الفني لمعظم شركات الإنتاج الفنية، وحصر إنتاجاتها بالمطربين القادرين على جلب رعاة ينتجون أغانيهم، وتسويقها، بحيث أصبحت هذه الشركات بمثابة "برستيج" للفنان أمام جمهوره، قفزت إلى الساحة الفنية ظاهرة الأغاني الخاصة، وهي الأغاني التي يكتبها وينتجها أمراء أو شيوخ عرب.

وعلى الرغم من أن الظاهرة لا تُعد جديدة أو وليدة اللحظة، وهي ظاهرة موجودة بالفعل منذ بداية الألفية الجديدة، لكن توقف شركات الإنتاج وانحسار معظمها ساهما في بروز أصحاب هذا النوع من الغناء بشكل على الساحة الفنية، بعد أن كانوا يوجهون المطربين من خلف الكواليس.

وبدأت ظاهرة الأغاني الخاصة عبر ما يسمى بأغنيات الزفة، والتي كان يتسابق المطربون لتقديمها في حفلات زفاف ومناسبات الأمراء والشيوخ العرب، وكانت مثل هذه الأغاني تنتشر عبر إذاعة "إمارات إف ام" الإماراتية التي تخصصت ببث هذا النوع من الأغاني، فكان الجمهور يستمع لأغانٍ ليس من السهولة أن يجتمع أصحابها في أعمال فنية مشتركة لحساسية ونجومية مطربيها أو لخلافات بين المطربين أنفسهم أو لانتمائهم لشركات إنتاج مختلفة، كالديو الذي جمع مؤخراً المطرب العراقي كاظم الساهر بالمطرب السعودي محمد عبده في أغنية "سر سعادتي"، والذي اتضح لاحقاً أنه ديو مجهز لعيد ميلاد طفلة.
السبب الآخر وراء انتشار فكرة الأغاني الخاصة، هي الجلسات الغنائية التي كان يُقيمها مجموعة من الأثرياء لبعض المطربين العرب، حيث كانت تدور فكرة هذه الحفلات حول استقدام مطربين عرب لتقديم مجموعة من الأغنيات الشهيرة بأصواتهم، ومن هذه الجلسات انبثقت فكرة "جلسات وناسة" التي قدمها المطرب السعودي عبر قناته الفنية للجمهور، وحققت رواجاً فنياً وإعلامياً كبيراً بين الجمهور، وعلى نفس الدرب قامت قنوات روتانا بتقديم جلسات فنية، جمعت من خلالها مجموعة من نجوم العرب في سهراتها.
اللافت في أمر هذا النوع من الغناء هو تصدي أمراء وأثرياء ورجال أعمال لتحمل تكاليفها من وراء ستار الأسماء المستعارة، والتي يلجأ إليها معظمهم، لعدة أسباب من بينها المكانة الاجتماعية التي يتمتعون بها، أو للعادات والتقاليد المتمسك بها المجتمع الخليجي المحافظ، وقلة منهم من لجأ للاسم المستعار ليرى تأثير ما يُقدم من فن دون النظر لمكانته الاجتماعية أو السياسية.
الخجل من الظهور الإعلامي لهؤلاء الأثرياء، "معظمهم شعراء يكتبون الأغنية"، كان يدفعهم لاختيار المطربين والملحنين عبر وسطاء، لكن هذا الخجل على ما يبدو توارى، أمام الانفتاح الإعلامي الكبير الذي وفرته وسائل التواصل الاجتماعي، بحيث صارت الألقاب والأسماء المستعارة "علامة مسجلة" لهم، وصار أغلب الجمهور العربي متابعاً لإنتاجاتهم.

النقطة المفصلية التي ساهمت في تصدر الإنتاج الخاص للأغنية العربية هي التهاوي الكبير لشركات الإنتاج، وقرصنة الأغاني عبر مواقع التواصل الاجتماعي وموقع يوتيوب، بحيث يستغل المقرصنون عدم تطبيق قوانين الملكية الفكرية وحماية الإنتاج في المشرق العربي، للسطو بسهولة على إنتاجات الشركات المعنية بالفن، مما ساهم في خسائر بمئات الملايين، أجبرت هذه الشركات على أن تكون "واجهة" و"برستيج" لكبار الفنانين، والذين يعرفون من أين تؤكل الكتف ويستطيعون إقناع "الشاعر المنتج" بخوض غمار الإنتاج الغنائي ولو بـ"ميني ألبوم".


الأغاني الخاصة على أهميتها، كمؤشر على رصد حركة السوق الغنائية، والتي يطلقها المطربون عادة، في محاولة لجس نبض السوق الغنائي قبل مواسم المهرجانات الكبرى والحفلات، لكنها بقيت حبيسة لون غنائي واحد، هو اللون الخليجي، نظراً لأن أثرياء الخليج العربي هم من يملكون المال ويبحثون عن الشهرة عبر الفنانين، فأصبح أي فنان يحظى بقبول معقول خليجياً "مهما كانت جنسيته" يأخذ الأغنية "رزمة غنائية كاملة" جاهزة للنشر بعد أن يضع عليها صوته، فكان طبيعياً بعد ذلك أن تكون الأغنية الخليجية متصدرة التواجد في الوطن العربي، لأن أصحابها باتوا الجهة "شبه الوحيدة" المعنية بالإنتاج.

لا ضير في أن يتخلى نجوم كبار عن قناعاتهم الفنية، وأن يتوجهوا لتقديم الأغنية الخاصة بحثاً عن التواجد بين الجمهور، فمطربون بحجم وقيمة كاظم الساهر وحسين الجسمي وراشد الماجد وعاصي الحلاني وماجد المهندس وعبد المجيد عبد الله ورابح صقر، باتت الأغنية الخاصة مفتاحاً لهم بأن يعوضوا غيابهم عن إصدار الألبومات، فآخر ألبوم للساهر حمل عنوان "لا تزيديه لوعة" وصدر بداية عام 2011، وآخر ألبوم لراشد الماجد صدر قبل ثلاثة أعوام بعنوان "راشد 2012" وآخر ألبوم للجسمي صدر قبل خمس سنوات احتفاءً بمرور عشر سنوات على احترافه الغناء، فيما بدا لافتاً أن يطرح رابح صقر ثلاث أغانٍ خاصة في شهر واحد، بعد طرح آخر ألبوماته مع روتانا منتصف هذا العام، على الرغم من أن الألبوم ضم 38 أغنية معاً، فيما طرح الجسمي أربع أغانٍ في أسبوع واحد هي: "حي شوفته" و"لا يا بعد ناسي" و"نفح باريس" و"يا أعز دار"، فيما طرح راشد الماجد أغاني: "رسالة" و"أصعب إحساس" و"يا بعد من قام وقعد".
التوجه الجديد نحو عصر الانفتاح التكنولوجي واستثمار مواقع التواصل الاجتماعي في التسويق والترويج لهذه الأغنيات، جعلت من "منتجي الأغاني الخاصة" نجوماً يشار إليهم بالبنان في أوساط الجمهور، وعليه بات أي مطرب بقليل من الحظ، من السهل أن يُعيده أي إنتاج خاص للسوق الغنائية، بعمل واحد، فالشاعر المنتج يضمن للفنان أعلى درجات الاحترافية في تنفيذ الأغنية فضلاً عن تصويرها كفيديو كليب بمستوى محترف.
لا أحد يعلم إلى أين ستتجه ظاهرة الأغاني الخاصة، بعد انتشارها الكبير، وطغيانها على السوق الفنية، بحيث أصبح المستمع يتوه في هذه الإصدارات، فأصبح المطرب يهمه الكمّ على حساب النوع، ما دامت ماكنة الإنتاج تعمل بلا توقف.

اقرأ أيضاً: مازن حايك: لا نستخفّ بأي منافس
المساهمون