الآثار العراقية في الإمارات: تاريخ ينتظر استعادة المنهوبات

آثار عراقية (Getty)
24 يوليو 2020
+ الخط -

لم تتكلل الجهود العراقية التي بذلتها وزارتا الثقافة والخارجية طيلة العامين الماضيين باستعادة مئات القطع والنفائس الأثرية الموجودة في الإمارات، والتي تمت سرقة أغلبها من المتاحف والمواقع الأثرية عقب الاحتلال الأميركي للعراق. تفرقت هذه القطع في دول عدة، أبرزها الإمارات، والكيان الإسرائيلي، والولايات المتحدة الأميركية.
لاحقاً، تسببت استقالة حكومة عادل عبد المهدي، إثر تفجر الاحتجاجات في البلاد مطلع أكتوبر/ تشرين الأول عام 2019، وما أعقبها من أزمات سياسية عصفت بالبلاد، وصولاً إلى تشكيل حكومة الكاظمي، ثم جائحة كورونا، بتوقف جهود استعادة هذه النفائس، التي وصفها مسؤول وخبير آثار في وزارة الثقافة العراقية بأنها لا تقدّر بقيمة مالية، ولا يمكن بقاؤها خارج منزلها العراقي الكبير، في إشارة إلى المتحف الوطني العراقي وسط بغداد الذي تعرّض للنهب عام 2003.
منذ منتصف مارس/ آذار 2017 والأزمة مشتعلة، بعد ظهور لوحة "ذات الصواري"، إحدى النفائس العراقية للفنان التشكيلي فائق حسن. سُرقت اللوحة من أحد متاحف بغداد عام 2003 خلال الاحتلال الأميركي للعراق، ثم ظهرت في مزاد للتحف والنفائس في دبي. تسبب الأمر بأزمة كبيرة، طالبت خلالها السلطات العراقية الإمارات بإعادتها، وفتح تحقيق بكيفية وصولها، ما دفع مركز "كرستيز" للمزادات العالمية في دبي إلى تجميد بيعها، لكنها لم تسلمها إلى بغداد حتى الآن.
تحاكي اللوحة أبرز معارك المسلمين العرب سنة 655 للميلاد، والتي انتهت بإزاحة البيزنطيين عن البحر الأبيض المتوسط، كما أنها أول معركة بحرية يخوضها المسلمون. 

وبحسب مسؤول في وزارة الثقافة العراقية، فإن الجهود التي بذلت سابقاً في عهد الوزير عبد الأمير الحمداني كانت كبيرة، لكن استقالة الحكومة أعادت كل شيء إلى نقطة البداية، وما زالت آثار وتحف عراقية موجودة في الإمارات التي تحولت إلى معبر أيضاً لآثار عراقية مهمة في السنوات الماضية.
يلفت المسؤول في حديث لـ"العربي الجديد" إلى أنه ببساطة على الإماراتيين أن يعيدوا ما ليس لهم. هذه آثار عراقية سومرية وبابلية وآشورية وأكادية وعباسية، تعود إلى حقب حضارة بلاد الرافدين. لكن مع ذلك الحكومة الآن مطالبة بأن تتابع الجهود التي بذلت سابقاً، كون هذه القطع ملكاً وطنياً لكل العراقيين.
التقت "العربي الجديد" وزير الثقافة والسياحة والآثار السابق في العراق عبد الأمير الحمداني، والذي تُنسب إليه جهود كبيرة في هذا المجال. وقال إن "لوحة ذات الصواري ضمن مجموعة كبيرة من اللوحات والأعمال الفنية والمخطوطات والقطع الأثرية المهمة المسروقة والمهربة إلى دبي ومناطق أخرى، تم تهريبها قبل عام 2003 وبعده، من متحف الفن الحديث في العراق وغيره، وكذلك من المواقع الأثرية"، مبيناً أن "معظم الأعمال الفنية القديمة والنفيسة أرسلت إلى مناطق في الخليج، وقد تحركنا خلال العام الماضي من أجل استرداد ما يمكن بالتنسيق مع وزيرة الثقافة الإماراتية نورة الكعبي، وكان لدينا مذكرة تفاهم مع الإمارات بهذا الخصوص، وبحثنا بملفات كثيرة، من ضمنها لوحة ذات الصواري للراحل فائق حسن".

ولفت إلى أن "دبي ومناطق أخرى كانت محطات رئيسة لتهريب الأعمال الفنية العراقية والقطع الأثرية إلى أميركا وأوروبا واليابان، ولا تزال مئات القطع الأثرية في الإمارات، والعراق بصدد استعادتها، وتعهدت الإمارات وفق المذكرة بأنها لن تصادر الأعمال العراقية فقط، بل إنها ستعمل على منع تهريبها"، موضحاً أن "زيارته إلى الإمارات في العام السابق كانت مثمرة وشهدت تقدماً وانفتاحاً إماراتياً مهماً في مجال تطوير العلاقات الثقافية مع العراق، إلا أن ما شهده العراق من تظاهراتٍ وتشنج على مختلف الأصعدة حال دون استمرار المفاوضات".

يتابع: "عملية استرداد لوحة "ذات الصواري" إلى جانب أعمال وقطع أثرية أخرى لا تتم عبر الاتصالات أو المخاطبات الشفهية، بل تحتاج إلى مفاوضات بطرق رسمية". وعن أعداد اللوحات والقطع العراقية المهمة في الإمارات، أشار الحمداني إلى أن "العراق يعرف ما تمت سرقته من المتاحف إبان فترة إسقاط نظام صدام حسين، ولكن ما هو غير واضح، ما تم تهريبه واستخراجه بطرق غير قانونية من المواقع الأثرية، ونعلم أن لدينا الكثير من الألواح المسمارية في لبنان والأردن وغيرها من المناطق العربية، ولعل أبرز تلك الألواح هو ما تم تهريبه عبر دبي إلى جامعة كورنيل الأميركية، وتقدر بعشرة آلاف رقيم من جنوب العراق، وقد تمكنا من استردادها عبر سفارة العراق في واشنطن".

من جهته، قال مدير دائرة العلاقات الثقافية في وزارة الثقافة العراقية فلاح العاني لـ"العربي الجديد" إن "كثيراً من الممتلكات الثقافية العراقية يتم تداولها عبر الإعلام بطريقة غير احترافية، ولا يساعدنا في التعريف عنها، ولا سيما أن هذه الممتلكات منهوبة ومسروقة، وبالتالي لا تأخذ استحقاقها"، مشيراً إلى أن "هذه الممتلكات تضم أعمالاً فنية ومخطوطات مهمة اختفت خلال عام 2003، وأخرى اختفت خلال فترة احتلال تنظيم "داعش" لبعض المناطق العراقية، ولدينا فريق عراقي متميز يعمل على استرداد هذه الممتلكات، لأن بعضها لا يعتبر ممتلكاً ثقافياً، بل خصوصي حصري ووطني".
وعن لوحة "ذات الصواري" وغيرها من الأعمال والقطع الفنية والأثرية في بلدان الخليج العربي، أشار إلى أن "الإمارات مُقصرة تجاه ما يهرب من العراق عبرها بحراً إلى دول أخرى، والعراق بحاجة إلى أن يكون ملف الآثار والقطع الفنية ضمن أجندته الدائمة على المستوى الحكومي، لذلك من الأفضل أن تخاطب الحكومة العراقية نظيرتها الإماراتية بشأن ما للعراق في الإمارات وغيرها من الدول العربية، وحتى الأجنبية، من تراث مفقود ومنهوب، والأمر ينطبق على روسيا التي اعترف رئيسها فلاديمير بوتين للعراق بأن بلاده معبر لتهريب الآثار العراقية إلى القوقاز إضافة إلى دولة أوروبية أخرى".


أما المدير العام لدائرة الفنون العامة في وزارة الثقافة العراقية علي عويد فقد أشار إلى أن "عام 2003 شهد أكبر عملية نهب وسرقة للأعمال العراقية الفنية المهمة، وخصوصاً ما تعرّض له متحف الفن الحديث الذي فقد قرابة 7500 عمل عراقي، ومنه ما تم تهريبه إلى خارج العراق ومنه ما بقي في الداخل، وقد تمكن العراق خلال السنوات الماضية من استعادة 2000 عمل فني، والجهود مستمرة من أجل استرداد الباقي، وقد تمكنا أخيراً من استعادة أعمال عراقية من كندا ولبنان، وأيضاً أيضاً"، موضحاً لـ"العربي الجديد" أن "لوحة "ذات الصواري" وغيرها من الأعمال تحمل أختاماً عراقية، وتعني أنها مملوكة للعراق، وعلى دول الخليج أن تتفهم أحقيتنا في هذه اللوحات، والعراق يطمح إلى أن تتفهم هذه الدول وأن تتعاون معنا، ولا سيما أن هذه الأعمال تعتبر ثروة وطنية ولأسماء عراقية عالمية".

المساهمون