اعتصام "بوليتكنيك".. الأمن الجامعي يتوارى خلف "الحجارة والعصي"

اعتصام "بوليتكنيك".. الأمن الجامعي يتوارى خلف "الحجارة والعصي"

04 مايو 2017
(في جامعة البلقاء)
+ الخط -

يومًا بعد يوم، يتعّمق الشعور بالإحباط لدى الأردنيين مما يسمّى بـ "عملية الإصلاح الأردني الشامل"، والتي تنادي بها الحكومات المتعاقبة، لا سيما الحالية بقيادة هاني الملقي، ويتأكّدون في كلّ مرّة أنها ما هي إلا فقاعات صابون، بسبب قراراتها المتوالية، محكومة بنخبة من "المحافظين" غير الإصلاحيين، وموظّفين أقل ما يقال عنهم، إنهم غير قادرين على الاختراق، ما أنتج واقعًا مشوشًا، بعيدًا تمامًا عن "الإصلاح".

المأساة تطاول العملية التعليمية العليا في البلاد، ويتمّ استهدافها من قبل من يطلقون عليهم "الحرس القديم"، فلم يعد خافيًا على أحد، بحسب مجموعة من خبراء مقرّبين من النظام الأردني، أن ثمّة ما يوصف بـ"قوى الشدّ العكسي"، من المستبعد أن يقوى الجانب الرسمي الأردني، مع وجودهم، من ترويج قصص النجاح ومواجهة الإرهاب والتطرّف، وإصلاح التعليم، في ظلّ الحديث كثيرًا عن "استيطان ثقافة التطرّف في أعماق مؤسّسات وبيئات مهمة وأساسية في الداخل، ومنها، وزارة التعليم العالي".

ويدلّل هؤلاء الخبراء، في حديثهم إلى "جيل"، على ما سبق، بحالة الصمت والفتور، التي سادت الإعلام الرسمي أوّلًا، ومن ثم المؤسّسات التي تتبع "القصر"، حين خرجت "ورقة الملك النقاشية السابعة"، فـلم تظهر عليه، أي مبادرات لدعم الورقة، وتفعيل النقاش حولها، ما أكّد، وبوضوح تام، أن الأمور لا تبشر بخير أبدًا.

وما فضح توجّهات هذه الجهات، كما يوضّح مهتمون بالشأن التعليمي في الأردن، "مهزلة" كلية الهندسة التكنولوجية في جامعة البلقاء "بوليتكنيك"، تجسّدت بالفعل، حين أقدمت إدارة الكلية منذ أشهر، باتخاذ إجراءات أقل ما يمكن وصفها، أنها "قمعية تجاه الطلبة الناشطين في الكلية، حيث اتخذت عقوبات الفصل بحق ناشطين لأسباب سطحية وتافهة جدًا، لتتسارع هذه الإجراءات بشكل كبير في الأسابيع الأخيرة، بالتزامن مع انتخابات الجمعيات الطلابية".

وقد تمّ توثيق فصل أحد الطلبة لمدّة فصل دراسي، على خلفية "مروره بالقرب من اعتصام، نُظّم خارج الحرم الجامعي"، وقبل أيّام، قامت إدارة الكلية، بفصل ثلاثة طلبة تحت ذرائع وحجج واهية، من ذلك مثلًا، قيام أحد الطلبة بإحضار قميص "تي شيرتات سادة" غير مكتوب عليه أي شيء، كما تم فصل طالب آخر لعدم حمله هوية جامعية، فيما تم فصل الطالب الثالث على خلفية هتافه لأحد زملائه بمناسبة فوزه بالانتخابات الطلابية.

هذه الإجراءات، دفعت الطلبة في الكلية، بالإعلان عن اعتصام مفتوح داخل حرم الكلية، ابتداءً من ليلة الثلاثاء، ليقضوا ليلتهم الأولى في ساحات الكليّة، بعد أن قامت إدارة الكلية بقطع الكهرباء وإغلاق كافة مرافق ومباني الكلية، ويأتي الاعتصام عقب رفض رئيس الجامعة وعميد الكلية لقاء الطلبة المفصولين.

وفي اليوم التالي، واصلت إدارة الكلية استفزازاتها للطلبة، بتوجيه عقوبة الفصل لطالبين، لمدّة سنة كاملة، إضافة إلى تحويل عشرة طلبة إلى التحقيق، وعمد الأمن الجامعي بعد هذه القرارات التعسفية، وبمعية عشرات الأشخاص الملثمين المجهولين، بالاعتداء على الطلبة المعتصمين بالحجارة والأحزمة، ما أدّى إلى وقوع إصابات بالغة بين الطلبة، وفق ما يؤكّده لـ"جيل"، شهود عيان من طلبة الكلية.

ويوضّح هؤلاء الطلبة في حديثهم، أن العديد من الطلاب تعرّضوا لإصابات بليغة، بعد محاولة فض الاعتصام بالقوّة، ما دفعهم للمطالبة بسيارات الإسعاف، التي وصلت بالفعل إلى الكلية، إلا أن الحرس الجامعي منع دخولها، الأمر، الذي دفع بالطلبة لإسعاف زملائهم بأنفسهم، وسط حالة من الذهول والخوف.

وفي الأثناء، اعتصم عشرات الطلبة من مختلف الجامعات الأردنية عند بوابة الكلية، تضامنًا مع الطلبة المعتصمين في الداخل، معبّرين عن رفضهم للإجراءات التعسفية التي اتخذتها إدارة الجامعة في حق الطلبة.

وكانت إدارة جامعة البلقاء التطبيقية، التي تتبعها الكلية، منعت نوابًا في مجلس الأمة، من دخول حرمها، بهدف الاستماع للطلبة المعتصمين داخلها، بالإضافة للتحقيقات المتواصلة مع آخرين.

إلا أن هذه الرواية، تنفيها رئاسة الجامعة، مؤكّدة، ومن خلال بيان رسمي، تحصّل "جيل"، على نسخة منه، "حضور أحد أعضاء مجلس النوّاب، متعهدًا، بتنفيذ المطالب دون التوقيع على ورقة رسمية، إلا أن الطلّاب رفضوا ذلك".

"جيل"، تواصل مع عدد من النواب الذين كانوا في الجامعة، منهم سعود أبو محفوظ، الذي أكد أنه وصل بالفعل لبوابة كلية "بوليتكنيك"، فأوقفه الحراس بغلظة، وبلغوه قرار رفض العميد مقابلته، وتتحوّل الكلية المغلقة، نزولًا عند رغبة العميد، معتقلًا للطلبة.

"هذا الإرهاب، وهذه الإدارة العرفية لا تليق بقيادة مؤسّسة جامعية، تغلق في وجه نوّاب البلد الذين سعوا للتوسط لإنهاء الإشكال.. فالتهم ملفقة في الأساس"، وفق تعبير النائب أبو محفوظ.

وكانت كل الآراء، تؤكد أن الأمور متّجهة للأسوأ، مع حلول ساعات مساء الأربعاء، اليوم الثاني من الاعتصام، وبعد أن قابلت إدارة الكلية هذه الوساطات بالصدّ والرفض، لتتحوّل ساحة الاعتصام، إلى ساحة تصفية حسابات من جانب الكلية، في حق هؤلاء الطلبة، والذي يقدر عددهم بنحو 100 طالب.

شهود عيان، يروون في حديث إلى "جيل"، كيف تحوّلت أطراف الكلية وبواباتها لثكنة عسكرية، شهدت حضورًا أمنيًا مكثفًا، حيث شكّل رجال الأمن الدرك، سياجًا حولها، ما ولد انطباعاً لدى الطلبة، بأن اللحظات القادمة، ستشهد حدثًا حاسمًا، خاصة حين عمدت إدارة الكلية، لقطع الكهرباء عن الكلية بشكل تام، ليغرق الجميع في ظلام دامس.

وكان واضحًا، كما يروي الطلبة الذين شهدوا الاعتصام، أن الأمور خرجت عن نطاق سيطرة الداعين إلى الحوار، وبعد حلول الظلام، بدأت مجموعات من رجال ملثّمين برفقة الأمن الجامعي، بتنفيذ عملية اجتياح ساحة الاعتصام، وبدؤوا يضربون الطلاب المحتجين بالعصي والأحزمة، ما دفع الطلبة للمواجهة، فحدثت اشتباكات بالأيدي، أدّت لوقوع العديد من الإصابات في صفوف الطلبة.

وما زاد في صعوبة الموقف، تعرّض عدد كبير من الطلبة المعتصمين، إضافة لبعض أعضاء الهيئة التدريسية في الجامعة، لإصابات بالغة، نتيجة رشقهم من على أسطح مرافق الكلية، من قبل ملثمين، قدروا، وفق رواية الطلبة، بنحو 200 شخص على الأقل.

ومع احتدام المواجهة، وسقوط الكثير من الطلبة بإصابات متباينة، إلا أن إدارة الكلية، لم تسمح لسيارات الإسعاف التي كانت خارج أسوار الكلية منذ العصر من الدخول، ما دفع بالطلبة لطلب استغاثة عاجلة، قبل أن تتفاقم الكارثة، وتزداد سوءًا.

وكانت إدارة الجامعة، قد أشارت، في بيانها السابق، أن "مولّدات الكهرباء مبرمجة أوتوماتيكياً، وتفصل في وقت معين، موضّحة أنه لا يجوز للطلبة المبيت في داخل حرم الكلية"، وشدّدت، على أنه "تم الاستجابة لجميع مطالب المعتصمين من قبل رئيس الجامعة".

حجم الهجوم الذي تعرّض له الطلبة بمفردهم، والضغط الذي مورس عليهم، دفع بعدد من أعضاء مجلس النوّاب الأردني التدخل لحسم الموقف، وهو ما تحقّق بالفعل، حين وافق الطلبة في ساعة متأخرة من الليلة الفائتة، على تعليق اعتصامهم المفتوح، لمدّة 12 ساعة، حتى تحقيق كافة المطالب ورفع الظلم عن الطلبة.

وكان ذلك، بعد التوقيع على وثيقة وعدت بتلبية جميع المطالب، بما فيها إلغاء جميع قرارات الفصل التعسفي في حق الطلبة، بالإضافة إلى إغلاق ملف الاعتصام بشكل كامل.

وبغض النظر عمّا ستؤول إليه نتائج "وعود" الوفد النيابي للطلبة، الذين فضّوا اعتصامهم بناءً على هذه الوعود، فإن كثيراً من المتابعين، يرون بأنه "لا يجوز بأي حال من الأحوال، أن تمرّ الأحداث التي صاحبت الاعتصام المفتوح، مرور الكرام، ودون محاسبة من أحد".

ولم يخف الطلبة صدمتهم، في ظل تجاهل النوّاب لهذه الأحداث، تحديدًا ما يتعلق بدخول أشخاص يحملون العصي والحجارة إلى الحرم الجامعي، ويهاجمون المعتصمين، وبوجود عميد الكلية، وفق روايات شهود العيان.

هذه الموجة غير المسبوقة من العقوبات والتحويل إلى التحقيق، دفعت جهات مهتمة بالشأن التعليمي للتساؤل، مثل الحملة الوطنية من أجل حقوق الطلبة "ذبحتونا"، عن المستفيد من تحويل الجامعات الأردنية إلى معتقلات؟ "وإلى متى يتم استخدام أنظمة التأديب كأداة لقمع الطلبة؟ ومن المستفيد من تشويه سمعة جامعاتنا؟".

أخيرًا، حين يهمس رئيس جامعة البلقاء التطبيقية، والتي تتبعها كلية "بوليتكنيك"، عبد الله الزعبي، في أذن أحد الحاضرين في مكتبه ضاحكًا، "إن طلاب الاعتصام، هم الذين كسروا وخرّبوا، ويجب محاسبتهم، رغم كل الوَسَاطات"، فإن كلمة "الإصلاح"، واجتثاث الفساد، وملاحقة المخرّبين الحقيقيين في الجامعات، كلّه لا يعدو كونه حلمًا من أحلام المواطن الأردني.

المساهمون