اعترافات الإرهابي بائع العصير

اعترافات الإرهابي بائع العصير

01 ابريل 2014
خالد البوشي / هامش المعرض
+ الخط -
كان محل العصير الذي أملكه مجرد واجهة أتلطى وراءها لأخفي نشاطي الاستخباراتي. غرفة الاجتماعات السرية الداخلية كانت وراء عناقيد العنب وسلال التفاح.

أنا الجاسوس والعميل الذي تمكن، بعد كأس باردة من عصير البرتقال، قدمها لمسؤول أمني، من أن يصل لمعلومات تهدد أمن الوطن.

جاءتني الأوامر من رؤسائي في الخارج، فجمعت العمّال في المحل، بعد أن قلبنا اللوحة الكرتونية إلى الجانب الذي تظهر عليه كلمة "مغلق" فالسرية مطلوبة. سمينا هذا الاجتماع "سلطة فواكه 1". كان عمّالي مجندين سلفاً في خليتي السرية، وكنت قد أنتقيتهم بمهارة واحداً تلو الآخر، وأرسلتهم لدورات تدريبة في "قبرص"، حيث كان أسيادنا يهيئونهم ليصبحوا عملاء بدرجة "مجسم أول".

إتقان عمّالي لعصر الفواكه وخلطها نفعنا لاحقاً في خلط الأوراق السياسية والأمنية. فحين نزلنا إلى الشارع وبدأنا ببث الفوضى وإلهاب الفضائيات بالأخبار، أطلقنا على بعضنا أسماء حركية مثل "جزر" و"خس"، وذلك لضمان أمننا. كنا ننزل إلى الشارع بسرعة ازدياد حجم البطيخ الذي تلقّى حِقَن الهرمون، نرفع لافتات تهتف بسقوط النظام، ثم نهرب كمواسم الفريز البري، ليقوم الأخ "سفرجل" بفبركة الأفلام، حيث يعطي تلك المقاطع أسماء أحياء متعددة، وتواريخ مختلفة.

تواصُلنا اليومي بالشارع أوجد لنا قاعدة عريضة، خاصة وأننا بدأنا بتوزيع كؤوس العصير على الناس في التظاهرات. وفي يوم ما أطلق أحدنا هتافاً مازحاً "الموز ولا البازيلا"، وتم بفضل الأخ "سفرجل" تحويله إلى الشعار الشهير "الموت ولا المذلة".

كنا نستغل رغبة الناس المشروعة في الحرية والكرامة والتخلص من الفساد، من أجل تمرير خطة وصلتنا منذ سنوات، وكل شيء فيها مرسوم بدقة وعناية.

أسسنا مجموعة باسم "شبكة ريجيم" مكوّنة من الشباب الجامعي العاطل من العمل، وشبكة "مشمش بلدي" من الخارجين عن القانون وأصحاب الجرائم الكبيرة من المناطق النائية، وشبكة "رطباً جنياً" من الشباب المحدود التعليم القابل للتطرف والأفكار السلفية، وأخيراً شبكة "أفوكادو" من قادة مؤسسات المجتمع المدني الممولة أوروبياً.

بدأنا عملنا باختطاف رجال الشرطة والأمن والمسؤولين في الحزب وإدارات الدولة. وكنا نعصر الليمون الحامض في عيونهم، لنجبرهم على الاعتراف بأي شيء نريده، ونهددهم بأننا سندفع ببطيخة كاملة في أفواههم إن لم يقبلوا بتسجيل فيديوهات تدعو الآخرين إلى الانشقاق؛ وذلك بالتزامن مع قيام رجالنا بعمليات مدروسة، حيث ظهر "علويون" يقتلون "السنة" ويهتفون "يعيش بشار"، وقام سلفيون بالهجوم على قرى للعلويين وإحراق مساكنهم وترويعهم لمغادرة قراهم والهتاف "الموت لأعداء الصحابة"، كذلك قام شباب من العرب بذبح وشنق بعض الأكراد.

كان هدفنا الأساسي بعثرة الجيش كحبات الرمان، وانفراط أجهزة الأمن والحكومة كعنقود عنب هش، ما سيجعل وجود بشار الأسد هو سبب كل المشاكل. لكن قوة الجيش العربي السوري ووحدته أحبطت الخطة السابقة. كان من الضروري أن نجد حلاً سريعا لمواجهة المستجدات، فبعثنا الأخت "إجاصة" لتجتمع بالممولين وتسمع اقتراحاتهم، فأرسلت رسالة مكتوبة بالعصير السري، كان مضمونها: "اشرب عصير.. وشوف الصحة كيف تصير". هذا كان يعني ضرورة البدء بالمناداة بتصحيح مسار الثورة، فاشتريت لأجل ذلك العديد من الكتائب والألوية التي بدأت تعمل لصالح فكرتي، مما وضعني في الصف الأول.

وبسبب الشعبية الهائلة التي حصلتُ عليها أطلقتُ يد رجالي للسطو على كل ما يقع أمامهم، من بيوت وأرزاق وممتلكات، وبدأتُ عملية تهريب أموالي إلى الخارج، على أن ألحق بتلك الثروة في أقرب وقت. لم أكن أظن أن "سفرجل" سيشي بي ويخبر عن مكان وجودي حين كنت أزور كتيبة "بذور الشمام" بغية إقناعها بالانضمام للواء "كوكتيل" التي نجحتُ في لمّها، والتي قصفت البلد بكل أنواع القذائف.

كلمتي التي أريد توجيهها للتاريخ: إن أكثر ما يؤلمني أنني ساهمت في تدمير البلد. وما يثيرني أنني رغم كل ما فعلته يتم التعامل معي من قبل النظام المتسامح بطريقة إنسانية، حيث سأقدّم للمحاكمة قريباً.. كيف حملتُ السلاح بوجه هذه الدولة المنصفة العادلة؟ وكيف ناديتُ وعملتُ لإسقاط هذا النظام الذي أثبت انه يدافع عن سوريا؟ هذه هي الأسئلة التي تقصم ظهري..

نعم لقد كانت الغصة الأخيرة من "سفرجل" قاتلة.. لكني كما رأيتُ وعرفتُ عادلة.

ليس لدي ما أقوله لكم إلا: ارموا سلاحكم.. عودوا إلى بيوتكم.




دلالات

المساهمون