اتحاد الكتاب العرب.. كل هذا البؤس

12 يوليو 2015
+ الخط -
أهملت الصحافة الثقافية العربية الإضاءة على بيان اجتماع المكتب الدائم لاتحاد الأدباء والكتاب العرب، في طنجة الشهر الماضي. ما لا يعود فقط إلى الكسل إياه في هذه الصحافة، بل أيضاً لأن الاتحاد المذكور (قام في 1954) لم يعد يؤخذ على محمل الجد، وبالكاد يُطالع بياناته من يحضرون المؤتمرات التي تصدرها. ويحلف كاتب هذه السطور بأغلظ الأيمان، وقد حاور أصدقاء من هؤلاء، أن كثيرين منهم لا يطلعون على تلك البيانات. ولأن هذه تتضمن مواقف سياسية بشأن المشهد العربي العام، ولأن الاتحاد المتحدث عنه هنا يضم الكتاب الأعضاء في الاتحادات والروابط العربية المحلية، يصير مطلوباً الأخذ والرد مع هذه المواقف، ولا سيما أنها صارت، أخيراً، ذات سمت تشبيحي ظاهر، في الموضوع السوري، وذيلي التحاقي مع النظام المصري الراهن، وذات رطانة لا تقول ما يحسن أن يقال في غير شأن.
يُطنب البيان في تأكيد مركزية قضية فلسطين، ومواجهة العدو الصهيوني، وهذا محمود. وإتيانه على حريات الكاتب والرأي والكلمة أمر طيب، غير أن ممثلي اتحادات الكتاب والأدباء الأعضاء لم تستوقفهم أي من الانتهاكات السافرة لهذه الحريات في غير بلد عربي، ما يعود إلى مصالح وحسابات شخصية لدى عديدين منهم، وارتباطاتهم بأنظمة بلدانهم وحكوماتها. والطريف أن بيان طنجة هذا يكرر فقرات كاملة من بيان اجتماع المكتب الدائم لاتحاد الأدباء والكتاب العرب في أبوظبي في يناير/كانون الثاني الماضي. ومن ذلك، بالنص الحرفي، أنه "يوجه التحية إلى مصر، لما أنجزته من استحقاقات ديمقراطية، ينبغي دعمها وحمايتها، من أجل تحقيق الاستقرار وبناء دولة الحرية والعدل". ونظن أن أصحابنا في قيادات اتحادات الكتاب العرب غالوا، هنا، في التعبير عن شغفهم بالاستحقاقات الديمقراطية التي ينعم بها الشعب المصري، وقد يسّرها لهم نظام الماريشال عبد الفتاح السيسي، فالسجون التي يُزج فيها بشبان من التيارات الوطنية المدنية المصرية (دعك من الإخوان المسلمين، فهم بحسب أهل اجتماع طنجة يستحقون أرطال أحكام الإعدام المعلومة)، لا مطرح لها في انتباه السادة المؤتمرين. كما أن ابتذال القضاء والعدالة في مصر الراهنة، وكذا انفراد الرئيس (المنتخب؟) بسلطة التشريع من مظاهر فائض الديمقراطية هناك.
أما في سورية، فإن المسؤولية عما تتعرض له من "تمزيق وإحراق وتدمير" على أشباح، وإذا كان التلميح إلى جماعات الإرهاب المعلومة، فإن النظام غاصب السلطة في دمشق بريء، وربما يفوق الأم تيريزا في شمائله، حيث الرحمة والإحسان مع الشعب الذي "يدافع بكل بسالة عن وحدته وتأكيد هويته، صامداً في وجه المؤامرات الدولية والأميركية التي تستهدف بقاءه ووجوده ووحدته". وللحق، يلتبس الأمر لدى من يطالع هذا الكلام، إن كانت جهة أمنية سورية رسمية كتبته، أم مثقفون وكتاب أدب وشعر وقصة ومسرح. وكان الظن أن شيئاً من رجاحة العقل ستغشى زملاءنا أولئك، فيخاطبون النظام الذي خرج عليه شعبه في انتفاضة فدائية شجاعة، بأن يرعوي، ويجد سبيله للخروج من حكم البلاد والعباد، في بداية خريطة طريق تتعافى سورية بها مما فيه من تدمير وحرب أهلية. وكان في وسع المتيّمين بنظام دمشق أن يطلبوا منه الرد على التآمر على البلد بالكف عن قتل رعاياه بالبراميل المتفجرة وغازات الكلور مثلاً. ونظن أن بؤساً ما بعده بؤس أن يصدر هكذا بيان بهذه اللغة في الموضوع السوري عن كتاب وأدباء عرب.
أما عن قضايا بلاد عربية أخرى، في البيان الذي حفل بأقوى العبارات في مناهضة المشروع الصهيوني في المنطقة، فيتسق النظر إليها مع المنظور الذي يصدر عنه الموقف الذي يبارك نظامي مصر وسورية، ومن ذلك أنه يؤشر إلى "مشروع مشبوه" في اليمن، من دون تعيين. وبعد ذلك كله (وغيره كثير)، هل ثمّة لزوم لاتحاد الكتاب والأدباء العرب؟
معن البياري
معن البياري
رئيس تحرير "العربي الجديد"، كاتب وصحفي من الأردن، مواليد 1965.