إيران و"الإخوان" في قمة الدوحة: الاختلاف الظاهر والمبطَّن

إيران و"الإخوان" في قمة الدوحة: الاختلاف الظاهر والمبطَّن

12 ديسمبر 2014
تباين في وجهات النظر بشأن إيران والثورات العربيّة(فرانس برس)
+ الخط -
اجتمع القادة العرب من دول مجلس التعاون الخليجي، مساء الثلاثاء الماضي، بعد سيناريوهات كثيرة أفادت باستحالة انعقاد هذه القمة تحديداً، بسبب العواصف السياسيّة التي مرّت على الدول الخليجيّة، طيلة الأشهر الماضية، والأزمة الدبلوماسية التي عصفت بها. وبعد توقّعات عن احتمال إلغاء أو تأجيل القمّة، وجد انعقادها في موعدها سيلاً كبيراً وجارفاً من ردود الأفعال السعيدة. لكنّ ما تضمنته المشاهد واللقطات من استقبال الوفود، وانعقاد الجلسة، ومضمون البيانات الرسمية الصادرة، ليس هو ما يشكّل وزناً ذا أهميّة في خضمّ التحدّيات الجارية، والتي يجد المجلس نفسه أمامها، وتلقي بثقلها على طاولاته.

إيران وحكاية التأسيس

لعلّ ما قاله الأمين العام السابق لمجلس دول التعاون الخليجي، عبدالرحمن بن حمد العطية، خلال مؤتمر موازٍ لقمّة الدوحة قبل أيام، لناحية أنّ "تأسيس المجلس في شهر مايو/أيّار 1981، جاء تعبيراً عن وعي بخطورة الأوضاع والتحديات الأمنية آنذاك، وفي صدارتها الحرب العراقية- الإيرانية"، ليس حقيقةً صادمة، أو معلومة مفاجئة عن حكاية تأسيس المجلس، في أعقاب الثورة الإسلامية الإيرانيّة، والتهديدات التي كانت تُنشر عن تصدير ثورتها إليه وإلى عموم الإقليم والمنطقة. والأكيد أنّ الموقف اليوم من المسألة الإيرانية، لم يعد كما كان عليه قبل ثلاثين عاماً، وهو ما يشكّل التحدّي الأوّل للمجلس.

لا يمكن أن تكون استضافة سلطنة عُمان، خلال العامين السابقين، للقاءات التفاوض الإيرانيّة- الغربيّة، بشأن الملف النووي، والتي انبثقت عنها مفاوضات جنيف، من قبيل المصادفة، أو أنّها لا تعبّر عن توجّه وتقديرات مختلفة في الموقف. وكان السلطان قابوس، في حوار مع الصحافيّة الأميركيّة، جوديث ميلر، في 31 يناير/كانون الثاني 2012، قد أشار إلى أنّه "على إيران والولايات المتحدة الأميركية أن يجلسا معاً ويتحدثا". ولا يمكن لهذا التصريح أن يكون مفرّغاً من أيّة مؤشرات، لا سيما مقارنة مع واقع أنّ سلطنة عُمان، عُرفت في الداخل الخليجي، بسياساتها التي تميل كثيراً نحو الانعزال، وتحديداً في المسألة الإيرانية. وتتجه السلطنة نحو إيجاد دورٍ، أكثر فاعلية، على الساحة الإقليميّة والدوليّة. ويمكن لهذا الدور، مقابل الميل للانعزال، أن يثير الشك ويعيد السؤال حول دقّة المسألة الإيرانية في الرواية الرسميّة الخليجية الأولى، وخصوصاً إذا ما تمّ أيضاً مراعاة مدى العلاقات العُمانية- الإيرانية. وكانت صحيفة "تايمز أوف عمان"، قد أفادت في 18 سبتمبر/أيلول الماضي، بتوقيع الطرفين مذكرة تفاهم لتعزيز التعاون العسكري الثنائي.

وتدرك سلطنة عُمان، وفق ما تورده الكاتبة والناشطة العُمانية، بسمة مُبارك، في مقال نشرته عن التقارب العُماني- الإيراني، مطلع العام الحالي، أنّ "التعامل مع هذا التهديد المحتمل لا يكون باستعداء إيران والتعامل معها كخصم أزلي، أو التعاطي معها بلا عقلانيّة، تفترض سهولة إلغائها وإقصائها من أي تفاهم إقليمي"، قبل أن تضيف: "إيران وإمكاناتها، أمر واقع وحقيقة جغرافيّة وتاريخيّة لا يمكن الالتفاف حولها".

في موازاة ذلك، وفي زيارته الرسميّة إلى طهران، منتصف العام الحالي، وهي الزيارة الأولى منذ تولّيه مقاليد الحكم عام 2006، وقّع أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، ست اتفاقيات للتعاون الثنائي في مجالات مختلفة، أبرزها في مجالات الأمن والاقتصاد. واستُبقت الزيارة بإبداء وكيل وزارة الخارجية الكويتية، خالد الجارالله، في تصريحات صحافيّة، استعداد بلاده للقيام "بوساطة تسعى إلى حلّ الخلافات بين السعودية وإيران"، لتعزز الكويت بذلك، المنحى الذي تنتهجه سلطنة عُمان حيال المسألة الإيرانية، وتجدّد بدورها دقّة التحدي الذي تمثله هذه المقاربات المغايرة والمختلفة في المسألة.

ولم تبتعد الإمارات كثيراً عن هذا التوجّه، وهو ما أعرب عنه نائب رئيس دولة الإمارات حاكم إمارة دبي الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، بتأكيده في مقابلة تلفزيونية، مطلع العام الحالي، أنّ "إيران دولة من دول الجوار، والجميع سيستفيد إذا توصّلت إلى اتفاق يتضمن رفع العقوبات"، مضيفًا: "إيران دولة جوار، ولا نريد مشكلة".

في المقابل، لم تتوقّف السعوديّة والبحرين، عن تأكيد الموقف الرافض لأيّ من المقاربات التي من شأنها أن تسهم في إزالة الجليد أو التخفيف من حدّة التوتر على صعيد العلاقات الخليجيّة- الإيرانيّة، وظلتا تتهمان إيران بالتدخّل في الشؤون الداخلية، والعمل الدؤوب على مشروع توسّعي يطال عموم المنطقة، وتأخذان من موضوع المفاوضات حول ملفها النووي مشكلة كبيرة، باعتبار أنّ من شأن نجاح هذه المفاوضات، أن يُعيد قوّة الجمهوريّة الإسلاميّة، وهو ما ينبغي التصدي له.

ولم يتردّد وزير خارجيّة عُمان، يوسف بن علوي، في الإشارة، خلال منتدى "حوار المنامة"، أواخر عام 2013، إلى أنّ "دول الخليج لا تعتمد على مجلس التعاون لحماية أمنها"، مستدلاً بـ"فشل المجلس في التصدّي لغزو العراق للكويت عام 1991 بمفرده". وجاء تصريحه حينها، في إطار تفسير عدم رغبة السلطنة بالانخراط في الاتحاد الخليجي، معتبراً أنّ "مسؤوليّة أمن الخليج تقع على عاتق القوى الدوليّة".

وتتمثل أهمية هذا التصريح، من خلال التعاطي معه داخل سياق الحديث المتواصل، عن انسحاب أميركي من تفاصيل المنطقة، وإقدام واشنطن على الحدّ من التزاماتها في المنطقة. وفي هذا السياق، يقول الخبير الاستراتيجي في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجيّة، في بريطانيا، توبي دودج، إنّ "الانسحاب الأميركي من دول الخليج العربي، أدّى إلى نشوب حرب باردة في المنطقة". وتمثّلت هذه الحرب الباردة، منذ وقت طويل، في الخلافات حول مواضيع عدة، كالاتحاد الخليجي، والبنك المركزي، والعملة الموحّدة، والاتفاقية الأمنيّة. ولا يغفل الأمين العام لمجلس الشورى العُماني أحمد المخيني، في مقال سابق، هذه المخاوف، مقترحاً "تأسيس منظومة جديدة للأمن في الخليج، تكون إيران جزءاً منها". ويعتبر أنّ من شأن إشراك إيران في هذه المنظومة، أن يُسهم في إنجاحها، وذلك من خلال إحداث توازن أمام السعودية، ما يبدّد بدوره أيّة مخاوف لدى الدول الأعضاء الآخرين من هيمنة أي من الطرفين واستفراده.

الإخوان وحكاية الربيع

إلى جانب المسألة الإيرانيّة، أسهمت الثورات والانتفاضات العربيّة في هزّ النظام العربي الرسمي، وليس مجلس دول التعاون الخليجي إلا جزء منه، لتزيد بدورها عمق الأزمة بين دوله الأعضاء. لم ينته المجلس من تباين المواقف بشأن مقاربة المسألة الإيرانيّة، حتى وجد نفسه أمام تحدٍّ آخر، فاقمه بروز تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، الذي زاد بدوره من تعقيدات المشهد.

لم يكن صعود حركة "الإخوان المسلمين" في المشهد العربي، خلال الأعوام الثلاثة الماضية، مفاجئاً للنظام العربي الرسمي، بقدر المفاجأة الأولية التي نتجت عن اندلاع الانتفاضات بحدّ ذاتها. بدت الأخيرة فاعلاً سياسياً جديداً ساهم في اهتزاز المعادلات القائمة. وهو الأمر الذي يمكن التدليل عليه من خلال سرعة الفرز والاستجابة الرسميّة.

ويأتي صعود حركة "الإخوان" في المشهد، وإن ذهب كثيرون إلى تفسير انعكاسه في الداخل الخليجي وفرزه لدول مجلس التعاون، وفق أسس قيمية، كتلك التي تتعلّق بالديمقراطيّة والعدالة والحريّة. لكنّ هذا التفسير يغفل بدوره قراءة المسألة، من خلال البحث عن انعكاس العلاقات الخليجية نفسها، على هذا الصعود وليس العكس.

في المحصّلة، يبدو المشهد أكثر اتساعاً مما نقلته شاشات التلفزة لاجتماعات دبلوماسيّة استضافتها الدوحة يوم الثلاثاء الماضي. كان من شأن صعود "الإخوان"، وانتشارهم في عموم المنطقة، أن يفتح آفاقاً جديدة تغيّر المعادلات القائمة، بما يُسعف آمالاً خليجية حوصرت طويلاً من محاولات هيمنة أحاديّة في المجلس. لولا أنه كان لأعضاء آخرين، في المقابل، رأي مختلف، لناحية إشراك إيران في منظومة جديدة للأمن في الخليج أيضاً، واختلاف تقديرات الموقف من العلاقة معها، والتي تفرق بعض الأعضاء السابقين عن بعضهم وتجمع حولهم آخرون.

وتوضح هذه التعقيدات، التي تحاول الابتسامات المتبادلة أن تخفيها، مدى عمق التحدّيات التي تواجه المجلس، والتي تصل حتى المساس بجوهره ووجوده، وتفتح معها سؤالًا مفاده: "هل بقيت الأهداف منذ تأسيسه عام 1981 هي نفسها اليوم عند الدول الأعضاء؟".