أنقرة تجد موطئ قدم في مناطق الإدارة الذاتية للأكراد

أنقرة تجد موطئ قدم في مناطق الإدارة الذاتية للأكراد

22 أكتوبر 2014
مخاوف من حرب كردية كردية (مروان إبراهيم/فرانس برس)
+ الخط -

جاءت الخطوة التركية بالسماح لمقاتلي "البشمركة" بالعبور إلى مدينة عين العرب، بهدف إيجاد أنقرة موطئ قدم في مناطق الإدارة الذاتية للأكراد، من خلال إرسال قوات أحد أهم حلفائها، وتحسّباً لخطوات أخرى قد تقوم بها الإدارة الأميركية من دون التشاور معها، كتقديم المزيد من الأسلحة، ممّا يعزز موقع جناح "العمّال الكردستاني" الذي يمثّل العدوّ الأول لأنقرة، منذ أكثر من أربعين عاماً.

وكانت التصريحات بين المسؤولين الأتراك، قد تضاربت في الفترة الأخيرة، في ما يخصّ قضية عين العرب، التي تعتبر أحد الكانتونات الثلاثة، التي أعلن عنها "الاتحاد الديمقراطي"، جناح "العمال الكردستاني" في سورية، في إطار مشروع الإدارة الذاتية، الذي أعلن عنه في وقت سابق.

وكان الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، قد أكّد بعد عودته من زيارته الأخيرة إلى أفغانستان، أنّ فكرة دعم حزب "الاتحاد الديمقراطي" بالسلاح، غير واردة أساساً، مشيراً إلى أنّه "في الفترة الأخيرة، بدأت بعض الأفكار في التداول، وهي دعم حزب "الاتحاد الديمقراطي" بالسلاح، أو فتح جبهة مع تنظيم "الدولة الإسلاميّة"(داعش) عبر دعم هذا الحزب".

وأضاف "أؤكد لكم أنّ "الاتحاد الديمقراطي" بالنسبة لنا يساوي تماماً "العمال الكردستاني"، كلاهما منظمتان إرهابيتان، لذلك لا تنتظروا منّا أبداً أن نقوم وحلفاؤنا والإدارة الأميركية بدعمه". الأمر الذي أكّده أيضاً رئيس الحكومة التركية، أحمد داوود أوغلو، في وقتٍ سابق، لافتاً إلى أنّه "لا يرى أي فارق بين (داعش)، و"الاتحاد الديمقراطي"، فكلا التنظيمين بالنسبة له إرهابي".

وحتى الصحف الموالية للحكومة، لم تبتعد كثيراً في عناوينها الرئيسية عن الخط الذي كانت الحكومة قد رسمته حتى صباح الأحد 19 أكتوبر/تشرين الأول، والمتمثّل في رفض دعم "الاتحاد الديمقراطي" بالسلاح، مؤكّدة على الشروط التركية الثلاثة، للمشاركة في التحالف، وهي منطقة آمنة أو عازلة، ومنطقة حظر طيران، وتدريب وتسليح المعارضة السورية المعتدلة، والتي كان أردوغان قد أضاف لها شرطاً رابعاً، وهو وضع هدف إطاحة نظام الرئيس السوري، بشار الأسد، ضمن قائمة أهداف التحالف.

وبدأت الصورة تتغيّر مساء الأحد الماضي، مع البيان الذي صدر عن الرئاسة التركية، إثر المكالمة الهاتفية التي جرت بين أردوغان والرئيس الأميركي، باراك أوباما، والتي تناولت الوضع في أفغانستان بعد زيارة أردوغان لها، وأيضاً الأوضاع في عين العرب، إذ أكّد الطرفان وحدة كل من تركيا والولايات المتحدة، في الحرب على "داعش".

وأشار مصدر دبلوماسي في الخارجية التركية، لـ"العربي الجديد"، إلى أنّ المكالمة التي جمعت الرئيسين، جاءت على إثر التقارير التي وصلت أوباما عن الغضب التركي من التواصل الذي حصل بين إدارته و"الاتحاد الديمقراطي"، أثناء المؤتمر الذي عقد في مدينة دهوك، في إقليم كردستان العراق في 16 أكتوبر/تشرين الأول، للتباحث في شأن الدفاع عن عين العرب، والذي جمع الأحزاب الكردية المنضوية تحت مظلة "المجلس الوطني الكردي"، ذات الولاء لأربيل مع مسؤولين من حزب "الاتحاد الديمقراطي".

ووفقاً للمصدر، فقد طلب مسؤولو "الاتحاد الديمقراطي" من الإدارة الأميركية خلال اللقاء، مساعدات عسكرية، الأمر الذي تأكد بعد البيان الصادر عن واشنطن، والذي كان بالنسبة لأردوغان نوعاً من "خيانة"، سيمنع تركيا من التعاون الكامل مع التحالف ضد "داعش"، ليتفاقم الأمر بعد إعلان واشنطن يوم الاثنين، إنزالها مساعدات طبية وعسكرية عبر الطائرات للمقاتلين في عين العرب، والذي كان بالنسبة لأنقرة مفاجأة من العيار الثقيل.

ولم تصدر أية تصريحات من الجانب التركي حتى ساعات متأخرة من نهار الاثنين، ليخرج وزير الخارجية، مولود جاووش أوغلو، ويؤكّد أنّ تركيا سمحت لعناصر من قوات "البشمركة" التابعة لإقليم كردستان العراق، بالعبور عبر أراضيها لدخول عين العرب، ودعم الجهود الحربية ضد "داعش"، لتعود الرئيسة المشتركة لـ"الاتحاد الديمقراطي" آسيا العبد الله، وتنفي ذلك جملة وتفصيلاً، وتؤكد أنّه لم يدخل أي عناصر تابعة لـ"البشمركة" إلى عين العرب، ولم يحصل أي اتفاق بهذا الشأن.

بدت الخطوة التركية بالسماح لمقاتلي "البشمركة" بالعبور نحو عين العرب، نوعاً من تدارك خطوات أخرى قد تقوم بها الإدارة الأميركية من دون التشاور مع أنقرة، كتقديم المزيد من الأسلحة أو المعلومات الاستخباراتية، ممّا يعزّز موقع جناح "العمال الكردستاني"، الذي يمثّل العدو الأوّل لأنقرة منذ أكثر من أربعين عاماً.

وتأكّدت تصريحات جاووش أوغلو بعد ساعات، عندما أشارت بعض التسريبات من مسؤولين في الإقليم، إلى أن قوات "البشمركة" ستكون في عين العرب خلال 48 ساعة، لكنّ هناك جزء آخر لم يجر حسابه، وهو أنّ الإقليم كان قد عمل، ومنذ بداية الثورة السورية، ومنذ فقدان النظام السيطرة على مساحات واسعة من الأراضي، إلى تدريب الكثير من الشباب الأكراد السوريين، الذين توجّهوا إلى أراضيه، وهم من الموالين لجناح "حزب البرزاني"، "الحزب الديمقراطي الكردستاني" في سورية.

وكان "الاتحاد الديمقراطي"، قد رفض مراراً السماح لهذه القوات بالدخول إلى مناطق الإدارة الذاتية، بعد حملات تصفية شرسة، طالت المنتسبين إلى "الديمقراطي الكردستاني السوري"، وباقي الأحزاب الموالية لأربيل، ولذلك فإن كانت القوات القادمة، هي تلك التي تمّ العمل على تدريبها، فهذا يعني أنّ أنقرة نجحت بعد جهدٍ، في أن تضع لها موطئ قدم في مناطق الإدارة الذاتية، عبر إرسال قوات أحد أهم حلفائها، الأمر الذي إن لم يحصل عبر اتفاقات واضحة، قد يشعل مناطق الإدارة الذاتية بحرب أخرى، ستكون كردية - كردية، ولن تقلّ عن تلك التي اندلعت لسنوات في التسعينيات، بين جلال طالباني ومسعود البرزاني، في كردستان العراق.

المساهمون