أميركا: أول هدية تشريعية مؤقتة لترامب

أميركا: أول هدية تشريعية مؤقتة لترامب

21 ديسمبر 2017
فارق الصوت الواحد ينطوي على رسائل متنوعة (Getty)
+ الخط -
شهدت أميركا يوم الأربعاء مصادفة غريبة حافلة بالدلائل والمؤشرات السياسية، حيث نجح الجمهوريون في تمرير مشروع قانون الإصلاح أو الخفض الضريبي، بأكثرية صوت واحد في مجلس الشيوخ بالكونغرس.

في ذات الوقت، أعلنت الجهات المختصة في ولاية فيرجينيا المجاورة لواشنطن النتيجة الرسمية للتصويت على مقعد في مجلس نواب الولاية، بفوز المرشحة الديمقراطية على منافسها الجمهوري بفارق صوت واحد.

فارق الصوت الواحد على الجانبين ينطوي على رسائل متنوعة، سواء لجهة التغييرات الجارية والمتوقعة في توازن القوة بين الحزبين، أو لجهة رئاسة ترامب والاستحقاقات التي تنتظرها.

الصوت الواحد في ولاية فرجينيا، أدى إلى انقلاب المعادلة، حيث خسر الجمهوريون الأغلبية ليتقاسموا مجلس نوابها مناصفة مع الديمقراطيين ولأول مرة منذ ثمانينات القرن الماضي.

ويعتبر ذلك تحولاً هاماً، خاصة وأنه ترافق مع فوز ديمقراطي واسع في انتخابات فرعية في نوفمبر الماضي، لعدد من حكام الولايات ومجالسها التمثيلية والتنفيذية. وهذا مؤشر قوي لتزايد التأفف والابتعاد عن الحزب الجمهوري وترامب معاً. تحوّل أكدته الاستطلاعات التي كشفت عن هبوط "قياسي" في رصيد الرئيس، دفع الجمهوريون ثمنه في الانتخابات الفرعية الأخيرة، حيث كان الفوز المدوّي الأسبوع الماضي للمرشح الديمقراطي لمقعد في مجلس الشيوخ عن ولاية ألاباما، مكان السيناتور ساشنز الذي صار وزيراً للعدل، أبلغ تعبير عن هذا التحوّل الحاد لصالح خصوم الرئيس.

في المقابل، حسم الجمهوريون لوحدهم، أمس في مجلس الشيوخ واليوم في مجلس النواب وأُقرّ قانون الضريبة. ولكن بشق الأنفس. حتى أن أحدهم، وهو السناتور ماكين، غاب عن التصويت بحجة المرض مع أنه كان قبل يومين في واشنطن.

في الحالات العادية، كان من غير الميسور تمرير التعديل الضريبي، بشهادة معظم الخبراء والاقتصاديين، هو مصمم لصالح الشركات والأثرياء. حيث أن 62% من التخفيضات الضريبية تذهب إلى 1% من الأميركيين من هاتين الفئتين، وبكلفة تصل إلى تريليون ونصف دولار، على مدى عشر سنوات. ومراهنة الجمهوريين بأن هذا الخفض يقود إلى "نمو" اقتصادي يكفل تسديد العجز، وهذا ليس سوى مقامرة، على ما ترى غالبية الجهات المتخصصة في هذا الحقل.

والسوابق تعزز هذا الاعتقاد، سواء في أيام الرئيس ريغان أو الرئيس بوش الأب، حيث بقي النمو حبراً على ورق وقاد الخفض في عهد بوش الابن إلى الأزمة المالية عام 2008. حتى رئيس مجلس النواب بول راين عاد واعترف بأن المشروع قد لا يضمن تحفيز الاقتصاد بالدرجة المطلوبة.

لهذا، حرص الجمهوريون المتعطشون لإقرار مشروع من هذا العيار بعد عجز طويل وخلافات حادة في صفوفهم، على إحاطة طبخ المشروع بالسرية وراء الأبواب المغلقة وعلى يد فريق قيادي صغير، ولم يفصحوا عن مضمونه ٍإلا قبل ثلاثة أيام من التصويت، حتى الذين صوتوا عليه اعترفوا بأنه لم يكن لديهم المتسع الكافي من الوقت لقراءة صفحاته التي تزيد على الخمسمائة.

وبذلك، جرى تمريره بالتهريب لتقديمه كإنجاز كبير وإحالته بسرعة إلى الرئيس ترامب ليذيله بتوقيعه باحتفال وبكثير من الصخب الإعلامي والأضواء. فالرئيس المحتاج جداً إلى توقيع من هذا الوزن الرئيس، سعى عشية التصويت على تجيير القانون لرصيده، مع أنه نتاج طموح جمهوري مزمن. رئيس الأغلبية في مجلس الشيوخ، السناتور ميتش ماكونيل، سارع إلى التذكير بأن "حزبه انتظر طويلاً وقبل صعود ترامب، ليرى هذا اليوم". رسالته موجهة إلى البيت الأبيض، مفادها بأن الحزب وليس ترامب، هو من صنع هذا القانون.

العلاقة بين الجمهوريين في الكونغرس وبين ترامب، كانت ولا تزال معطوبة، يحكمها التضارب وعدم التلاقي بين شعبوية الرئيس وقاعدته التي لا يزال يقودها مستشاره السابق ستيف بانون عدو القيادات الجمهوريةـ وبين مؤسسة الحزب وقاعدته التقليدية. ما يجمع بينهما أن كليهما بحاجة إلى تعويم، وجاء قانون الخفض الضريبي كحبل إنقاذ تمسكا به، لكنه حبل ضعيف ومهدد بالانقطاع عندما تبدأ ترجمة هذا التشريع على الأرض وما قد تجره من خيبات اقتصادية يرجحها المراقبون، خاصة إذا ما تزامن ذلك مع اقتراب انتخابات نوفمبر/تشرين الثاني القادم التي قد تتزامن هي أيضاً مع نهاية التحقيقات الروسية وما قد تحمله من مواد متفجرة، لو بقيت على مسارها الراهن.