أفغان وباكستانيون تحاصرهم الحدود

أفغان وباكستانيون تحاصرهم الحدود

01 مارس 2017
مشهد بات معتاداً في طورخم (نور الله شيرزاده/فرانس برس)
+ الخط -
تداولت وسائل الإعلام الأفغانية والباكستانية ووسائل التواصل الاجتماعي، مقاطع فيديو، تظهر أفراداً من الشرطة الباكستانية يعتدون على مدنيين ويكسرون زجاج سياراتهم، ثم يقودونهم إلى مراكز أمنية.

الشرطة تؤكد أنّ هؤلاء المدنيين هم لاجئون أفغان غير شرعيين (غير مسجلين لدى السلطات الباكستانية والمنظمات الدولية). لكنّ وسائل الإعلام الأفغانية وكذلك بعض السياسيين في باكستان الذين ينتمون لعرقية البشتون يدّعون أنّ الشرطة الباكستانية تعامل بعنف جميع الأفغان، وكذلك أبناء عرقية البشتون الباكستانيين، بذريعة أنّهم لاجئون غير شرعيين وبطاقات هويتهم الباكستانية مزورة.

في هذا الشأن، يقول سميع الله، وهو أحد سكان مدينة بشاور، عاصمة إقليم خيبربختونخوا، شمال غربي باكستان، إنّه يسكن منذ عشرة أعوام في مدينة لاهور بإقليم البنجاب ويعمل في فندق محلي هناك. يضيف أنّ الشرطة اعتقلته أكثر من مرة مؤخراً بذريعة تزوير بطاقة هويته، وصادرت منه مبلغاً من المال جمعه طوال شهر كامل. يوضح الشاب الثلاثيني: "نحن أبناء هذه البلاد ويحق لنا العيش فيها كما يحق لجميع العرقيات، فلماذا تستهدف الحكومة وأجهزة الدولة عرقية بعينها بذريعة أنّ أبناءها لاجئون؟". يطلب الشاب من الحكومة أن تضع حداً لهذه المعضلة، إذ إنّ استمرار الضغط على عرقية واحدة سيخلق الكثير من المشاكل للحكومة، كما يقول.

هناك على الحدود مع أفغانستان، تنقل السلطات الباكستانية عشرات الأفغان لتسليمهم إلى السلطات الأفغانية، بعد إمضائهم أياماً في سجون مختلفة في باكستان. السلطات الباكستانية تقدم إثباتات على أنّ هؤلاء كانوا يعيشون في باكستان بطريقة غير شرعية وهم غير مسجلين لدى المفوضية العليا للاجئين ولدى الحكومة الباكستانية.


أشرف خان واحد من بين العشرات الذين سلّمتهم السلطات الباكستانية إلى السلطات الأفغانية، في نقطة طورخم الحدودية. اعتقلتهم الشرطة أمام مستشفى خيبر بمدينة بشاور. يشكو الرجل الأربعيني من أنّ زوجته وأبناءه بقوا داخل المستشفى، وهو ما زال لا يعرف مصيرهم بعد أيام على اعتقاله. يتواصل مع بعض أقاربه كي يتواصلوا مع أهله في بشاور ويساعدوهم في متابعة العلاج.

أشرف وكثيرون آخرون ممن ذاقوا مرارة السجون الباكستانية يعتزمون عدم الذهاب إلى باكستان مرة أخرى. يقول: "لن أذهب للعلاج في باكستان بعد اليوم، بل أفضّل الذهاب إلى الهند إذا دعت الحاجة".

إغلاق الحدود هذه المرة استمر أياماً طويلة. وهو ما يقلق التجار ومئات من المرضى وغيرهم ممّن يأتون كلّ يوم إلى نقطة طورخم لعبورها إلى باكستان. وبسبب الإغلاق يبقون على الحدود ويضطرون إلى المبيت في فنادق ارتفعت أسعارها بشكل كبير.

من هؤلاء أسماء (55 عاماً). لديها حصوة في الكلية وقد جاءت إلى طورخم لتذهب إلى باكستان بهدف إجراء عملية تفتيت الحصوة هناك. لم تكن المرأة الآتية من شمال أفغانستان مع زوجها تعرف أنّ الحدود مغلقة، فبقيت هناك بانتظار فتح الحدود. يقول زوجها محمد أويس: "نعيش منذ ثلاثة أيام في وضع كارثي. نقيم في فندق من الطين بالقرب من الحدود، حيث البرد واستغلال المالك الذي يأخذ منا المال على كلّ شيء، وليس بيدنا إلاّ الدفع فلا نعرف أحداً هنا، وليس لنا أقارب".

من جهتهم، تلحق بالتجار خسارة مالية كبيرة جداً بسبب إغلاق الحدود، خصوصاً مع توقف سيارات نقل الفواكه. يقول ولي الله، وهو أحد التجار الباكستانيين الذين ينتظرون على الحدود مع البضائع: "ننتظر هنا على أمل أن تفتح الحدود وننقل الفواكه إلى أفغانستان. الفواكه معنا تكاد تفسد، وسنخسر بذلك كلّ ما نملك".

انتقادات كثيرة وُجهت إلى الحكومة الباكستانية بسبب قرار إغلاق الحدود. فالحكومة الباكستانية تتذرع بتمويل أفغانستان جماعات مسلحة تنشط في باكستان. في هذا الصدد، يقول الحقوقي والسياسي الباكستاني البارز من حزب "عوامي" القومي البشتوني، أفراسياب ختك، إنّ إغلاق الحدود يدلّ على فشل استراتيجية باكستان إزاء الجماعات المسلحة، وفشل أجهزة الدولة في إحلال الأمن. ويلفت إلى أنّ إغلاق الحدود بهذه الطريقة وبعد كلّ حادث يوسع الفجوة بين الدولتين، وهو لن يصب في مصلحتهما أبداً.

في أفغانستان طلبت الخارجية، أكثر من مرة، ألاّ تستخدم الحدود وسيلة ضغط على الحكومة الأفغانية، وأن تبقى بعيدة عن السياسة، كذلك وعدت باستخدام كلّ القنوات الدبلوماسية من أجل حلّ المشكلة. من بين تلك الجهود، كتابة السفير الأفغاني لدى إسلام آباد، عمر زخيلوال، رسالة إلى قيادة الجيش الباكستاني يشير فيها إلى أنّ إغلاق الحدود يشكل عائقاً كبيراً في وجه اللاجئين وفي وجه القبائل القاطنة على طرفيها، مطالباً بفتحها. لكنّ الجيش الباكستاني لم يلبِّ حتى اليوم ذلك.

بذلك، لا تظهر في الأفق أيّ بوادر لحلّ قضية الحدود في القريب العاجل، وبالتالي سيعاني كثير من الأفغان، خصوصاً المرضى واللاجئين وكذلك التجار في البلدين. وليس أمام هؤلاء جميعاً إلاّ انتظار القرار الباكستاني وحده.