أطفال يودعون أطفالاً في غزّة

أطفال يودعون أطفالاً في غزّة

12 اغسطس 2014
مآسي أطفال غزّة جلبت أنظار العالم(Getty)
+ الخط -
وسط المتنزّه المخصص للطاقم الطبي في مستشفى الشفاء يجلس عبد الله حمام (10 سنوات) متأملاً في وجوه الأطفال يلعبون حوله، يراقب حركاتهم وضحكاتهم ويتذكر صديقيه قصي الدهدار ومطر البطش. كلاهما في الحادية عشرة من العمر. استشهد الأول في مجزرة الشجاعية، وقضى الثاني مع أفراد عائلته في العدوان الإسرائيلي، فأخذا معهما الأيام الحلوة. أيام اللهو والضحك.

لا يتمالك عبد الله نفسه وهو يستعيد قصة الصديقين. فقبل أيام من مجزرة الشجاعية أخبره أهله باستشهاد مطر، ليشاهد على التلفزيون بعدها تلك اللحظة. يقول لـ"العربي الجديد": "كنا نحب بعضنا كثيراً ونلعب معاً ولا نتحدث عن اليهود إلاّ في لعبتنا يهود وعرب".

يوم المجزرة اختبأت عائلة عبد الله التي تعيش في الشجاعية في منزل جيران لهم، فنجوا رغم أن قذيفة أصابت مكان اختبائهم، بينما هوى منزلهم بالكامل. لكنّ الصباح لم يحمل معه سوى خبر أليم آخر لعبد الله، وهو استشهاد صديقه الثاني قضي في المجزرة مع أفراد عائلته.

ثلاجة الموت

صدم رباح حلس (10 سنوات) عندما شاهد بأم عينيه صديقه فادي أمام ثلاجة الموت، على جسده شظايا من بقايا صواريخ. لم ينفعل لحظتها. لكن ما أن جاءت عائلة شمالي لتشيّع ابنها حتى بدأ رباح بالصراخ والإمساك بنعشه لإنزاله منه والصراخ في وجوههم كي لا يأخذوه إلى القبر.

جلس رباح يوم استشهاد صديقه فادي شمالي (10 سنوات) ليلعب معه "الشريدة" للمرة الأخيرة. كان ذلك في العاشر من يوليو/تموز الماضي بعد صلاة العصر مباشرة. لكنهما أجبرا على مغادرة المكان بسبب شدة القصف. من بعدها ذهب رباح مع عائلته إلى مستشفى الشفاء للاحتماء.

فادي لم يكن محظوظاً بالقدر نفسه. فقد أصرّ على الذهاب إلى المحطة لتعبئة غالونات المياه الحلوة لعائلته، وهناك قصف الطيران ساحة قريبة منه فقتل ومن حوله بصاروخ.

يقول رباح لـ"العربي الجديد": "كنا أنا وفادي نقول لبعضنا إن الحرب لن تقتلنا لأن صداقتنا ستدوم لأيام طويلة، ولن تقضي عليها الطائرات، لكن الآن حسبي الله ونعم الوكيل عليهم، لأنهم أخذوا صديقي الذي أفضله على كل أهلي".

الذكرى فقط
تتكرر قصص كثيرة عن أشخاص فقدوا عائلاتهم وأصدقاءهم وأحبتهم في غزة. فها هو محمد حلس (12 سنة) يسقط في قصف للطيران بينما كان يشتري البقالة من دكان قريب. وكحال عبد الله ورباح، يبكي مدحت أبو عمر صديقه محمد الذي كان قد ودّعه قبل ساعة فقط من استشهاده. أمسك يده للمرة الأخيرة، وهما اللذان اعتادا على الإمساك بيدي بعضهما خلال ذهابهما معاً إلى المدرسة كل يوم. ومثل كلّ شيء في غزة، ها هما العائلتان تتشاركان الموت.

فقد فقدت عائلة حلس أيضاً صديقاً آخر من آل شمالي. فأحمد حلس (9 سنوات) شقيق رباح (10 سنوات)، استشهد صديقه عواد شمالي (9 سنوات) شقيق فادي في مناسبة أخرى عندما كان ينبّه من معه للهرب من طائرة الاستطلاع، التي قصفتهم لحظتها وأودت بحياة خمسة أشخاص. يقول أحمد لـ"العربي الجديد": "ذكرياتي مع عواد كثيرة وجميلة داخل المدرسة، خاصة عندما كنا نتّفق على إزعاج معلمتنا، في جو مرح يجعل الجميع يحسدنا على صداقتنا".

في خيمة بمستشفى الشفاء تجلس نور صالح (8 سنوات) لتلعب بالدمى رافضة الخروج للعب مع الآخرين. تلك دمى آية الجمل التي استشهدت في حضن جدّتها داخل منزلهم الذي ضربته المدفعية الإسرائيلية مع باقي الحي. رأت نور صديقتها في المرة الأخيرة ملطخة بالدم قرب الجدّة. لا تجد الطفلة أمام ذلك المشهد سوى القول بتأثر بالغ: "أتمنى أن ترجع آية من الموت، وتكون إلى جانبي، فأنا أحبها كثيراً وأهلي يحبونها، وهي طفلة طيبة لا أجد مثلها في المدرسة ولا الحارة".

دلالات