أصغر بائع صحف في غزة

20 ابريل 2015
محمد في شوارع غزة (عبد الحكيم أبو رياش)
+ الخط -
يتنقل الطفل الفلسطيني، محمد الغُز، بين السيارات المتوقفة على الإشارة الضوئية الخاصة بمفترق السرايا الرئيسي، وسط مدينة غزة، حاملاً بيده مجموعة صحف محلية، يبدأ بالنداء لأجل بيعها، فور إعطاء إشارة الضوء الأحمر للسيارات لتتوقف عن السير.

الطفل، الذي لم يتجاوز التسع سنوات من عمره، أبدل كتبه المدرسية بمجموعة صحف وضعها داخل حقيبة ظهره المهترئة، يُخرِج عدداً منها فيبيعه، ومن ثم يخرج عدداً آخر، في محاولة منه لمساعدة عائلته، التي لا تحصل على أي دخل بعدما توقف والده عن العمل نتيجة الظروف السيئة، التي يمر بها قطاع غزة المحاصر.

حرارة الشمس والجروح التي عبأت وجهه ويديه الصغيرتين، لم تمنع الطفل الغزّي من السير بين العربات المتوقفة من أجل بيع الصحف، يطل من نافذة السيارة، أو يدق على زجاجها، ليعرض بضاعته على الزبون، الذي يقابل عرضه في معظم الأوقات بالرفض.

الحصار الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة، منذ ثماني سنوات، أدّى إلى تدهور الأوضاع المعيشية لمئات آلاف الأسر الفلسطينية، التي فقدت أعمالها ودخلها نتيجة إغلاق المعابر ومنع دخول المواد الخام الخاصة بتشغيل مئات الحِرَف، التي تعود بالنفع على ما يزيد عن مليون ونصف المليون غزّي.

تدهور الأوضاع الاقتصادية لعائلة الطفل محمد، التي تقطن حي الشجاعية، شرقي مدينة غزة،
لم تدفع بها نحو التسول، واتخذوا من بيع الجرائد وسيلة للتغلب على قهر الفقر، فتساعد وشقيقه تامر من أجل إعالة عائلته المكونة من سبعة أفراد، ولا تحصل على أي دخل سوى بعض المساعدات من الجدة.

ويقول الطفل محمد لـ"العربي الجديد": "أتغيب كثيراً عن المدرسة من أجل بيع الجرائد وإعالة أسرتي، وأقوم بشراء 20 صحيفة بسعر (نصف شيكل) وبيعها بـ (شيكل)، أي بيعها بـ"ربع دولار" تقريباً، ويقوم شقيقي تامر ببيع نحو 30 صحيفة يومياً".

ويوضح أن والده كان يعمل خياطاً، لكن سوء الأحوال منعه من إكمال عمله، إضافة إلى سوء وضعه الصحي. وعن عمله يقول: "أستيقظ مبكراً وأذهب لشراء وبيع الجرائد الساعة السابعة صباحاً حتى الساعة الحادية عشرة، ومن ثم أذهب للمدرسة لتلقي الدروس".

محمد توقف عن الحديث مع "العربي الجديد" لبيع شخص اعتاد على الشراء منه يومياً، وأثنى الزبون على الطفل، مشيراً إلى أنّ "هذا الطفل بطل، لا يسمح لأحد بأن يعطيه نقوداً من دون مقابل، رغم صغر سنه، والتعب الشديد الذي يلحق به نتيجة عمله المرهق، لكن من المؤكد أنه سيصبح رجلاً قادراً على إعالة أسرته في المستقبل".

ذهب الزبون، وأكمل الطفل محمد حديثه: "في الأيام التي لا أتمكن فيها من بيع كل الجرائد، أقوم بإرجاع الفائض إلى التاجر، وبعد انتهاء يومي أقوم بتسليم أمي النقود التي جمعتها، كي توفر حاجيات المنزل الأساسية، وتعطيني مصروفي كي أشتري الحلوى، لكني أشتهي بعض الأطعمة التي لا أتمكن من شرائها لغلاء ثمنها".

ويختتم أصغر بائع صحف في غزة حديثه قائلاً: "أشتهي اللعب مثل بقية الأطفال، وأن أعيش حياتي بهدوء مثلهم، لكن توفير لقمة عيش إخوتي مهمة أيضاً"، ناصحاً العائلات الفقيرة بالاتجاه إلى العمل بدلاً من التسول الذي يهدر الكرامة.

إقرأ أيضاً: وردة الشنطي: أوّل إعلاميّة كفيفة في غزّة
المساهمون