أسطورة الجيش الإسرائيلي

أسطورة الجيش الإسرائيلي

06 اغسطس 2014

داخل أحد أنفاق المقاومة في غزّة (4 أغسطس/2014/Getty)

+ الخط -

في كل حربٍ معه، يحاول الإعلام الحربي للعدو الإسرائيلي تذكيرنا بحرب الأيام الستة، وهزيمته الجيوش العربية في 1967، ويريد بذلك تكريس فكرةٍ في أذهاننا، فحواها أنّ هذا الجيش الأسطوري لا يُقهر. لكن هذه الأسطورة تبدّدت، بفضل بسالة المقاومة وجهوزيتها.

نقول ما نقول، ليس تسليةً للنفس، ولا مجاملةً لها في مثل هذه الظروف الاستثنائية، فنحن نعيش في وسط حرب قاسية، فُرضت علينا كعرب، جعلنا فيها نظام الانقلاب في مصر مكبلي الأيدي، مع عدوٍ لا يرحم. لكنْ، من حسن حظنا، نحن الجمهور المُساند، أنّ المقاومة، كذلك، تعيش حالة استثنائية، لم يتمكن العدو الصهيوني، على الرغم من بشاعة جرائمه، طوال الأسابيع الثلاثة الماضية، من كسر إرادتها، ولا نبالغ أبداً إذا قلنا إننا لم نعد نخشى عليها من بطش العدو، إنما خشيتنا على الأطفال والنساء العزل، الذين يقصف طيران العدو بيوتهم ومدارسهم ومساجدهم فوق رؤوسهم.

لا تشبه المقاومة الموجودة على الأرض، اليوم، أبداً الجيوش النظامية السابقة، التي حاربت إسرائيل في حرب النكسة. لا من حيث التكتيك، ولا من حيث العقيدة. والأهم براعتها في دراسة جيش العدو دراسة جدية وغير مسبوقة، تتضح معالمها مع كل مواجهة جديدة مع العدو منذ يوليو/تموز 2006. لقد استفادت المقاومة من نتائج 1967 استفادة كبيرة، بتحييد سلاح الجو الصهيوني، أو التقليل من نتائج تفوقه في المعركة، فقد لعب سلاح الجو دوراً حاسماً في انتصار إسرائيل في تلك الحرب.

أما اليوم، فقد تعلمت المقاومة الدرس جيداً. وصحيح أن العدو هو من يبدأ الحرب، لكن المقاومة أصبحت من يحدد شكل الحرب وطريقة إدارتها، من خلال استراتيجية الحرب تحت الأرض، لا فوقها، مستفيدة من شبكة الأنفاق التي بنتها، حيث تتيح للمقاومين مواجهة العدو من "نقطة الصفر"، من دون الاستفادة من سلاح الجو، وعند المواجهة المباشرة، نتيقن جميعاً من تفوق المقاومين على الغزاة.

تخوض إسرائيل، الآن، حربها الثالثة على غزة في ست سنوات، وفي كل حرب تعد جمهورها بسحق المقاومة ونزع سلاحها وتفشل. ومنع الاحتلال من تحقيق أي نصر هو وظيفة المقاومة الأساسية في هذه المرحلة، لما لهذا الفشل من انعكاسات سلبية على نفسية جيش العدو وجمهوره، والذي هو في الأساس جيش احتلال بصفة دولة.

من هنا، تأخذ انتصارات المقاومة أهمية قصوى في هزّ ثقة الجمهور الصهيوني في جيشه، وبالتالي، في قدرة الكيان على حماية المستوطنين القادمين من كل ملة ونحلة، في مقابل ارتفاع ثقة جمهور المقاومة، بل في كل حرب جديدة، تبدو المقاومة أقوى وأكثر جهوزية على المستويات، العسكرية والسياسية والإعلامية، مما كانت عليه، وإذ نقول ذلك، فإنما نقوله بالأرقام والشهادات، التي يقرُّ بها العدو، كما جاء في تقرير فينوغراد بعد حرب يوليو/تموز 2006، فقد جاء فيه "أنّ حرب لبنان الثانية أثارت مرّة أخرى التفكير والنقاش في قضايا آثر المجتمع الإسرائيلي تجاهلها".

فليس في وسع إسرائيل البقاء في هذه المنطقة، ولا يمكنها الوجود فيها بسلام أو بهدوء، من دون أن يؤمن فيها، وفي محيطها، بأنّ لإسرائيل زعامات سياسية وعسكرية، وقدرات عسكرية ومنعة اجتماعية، تتيح لها ردع جيرانها الراغبين في المساس بها ومنعهم، ولو بالقوة، من تحقيق هدفهم".

تتضح، مما سبق، فعالية المقاومة، وأهمية مشروعها على مشروع "التفاوض من أجل التفاوض"، لما تقوم به من ردع للعدو، وكسر لعزيمة جمهوره "الذي اعتاد على عمليات سريعة وانتصارات حاسمة"، كما ذكر البروفسور جوناثان سباير، مدير مركز هرتسليا للأبحاث، في شهادته على إخفاق العدو في تحقيق أهدافه في حرب لبنان الثانية.

ليس من اليسير على ما يسمى "المجتمع الإسرائيلي"، اليوم، تكبد خسارة جديدة في غزة، بعد خيبة لبنان، فغزة التي تبلغ مساحتها 1% من أرض فلسطين المحتلة، وهي محاصرة من جميع الجهات، بسبب تعاون نظام الانقلاب في مصر، وفوق كل هذا وذاك، تُلقن العدو درساً قاسياً في فنون القتال، باعتراف أحد جنوده الناجين مما بات يعرف في الإعلام الإسرائيلي بـ "محرقة الجولاني"، عندما شاهد جنود النخبة بأنفسهم قائد لواء جولاني تبتر ساقه، وضابط العمليات يقتل، ومعه نائب قائد اللواء.

إذن، نحن أمام تسجيل انتصار جديد، في توأمة حرب يوليو/تموز في جنوب لبنان، فها هي المقاومة تتخطى عتبة مائة قتيل في صفوف العدو بعملياتٍ نوعية (نحال العوز)، تماماً، كما نجحت المقاومة في لبنان في قتل نحو 125 جندياً صهيونياً، في 33 يوماً، وهذه الأرقام التي يستسخفها بعضهم، ذات آثار كبيرة على نفسية جيش العدو القائمة على الردع.

عاش "المجتمع الإسرائيلي" وترعرع منذ احتلاله فلسطين على صورة الجيش الذي لا يقهر، وعبرها تحديداً، قدِمَ آلاف المستوطنين بحثاً عن وهم الوطن الآمن، فإذا بهم يسكنون الملاجئ، خوفاً من صواريخ المقاومة. إن رؤية الخوف والهزيمة في عيون نتنياهو، وهو يستجدي الهدنة، تعني أن صورة الجيش الأقوى في المنطقة تكسرت، وانتهت معه الأسطورة.

دلالات

59C609B9-D3BD-480F-B605-2AC47CF69F0B
محمد الصادق

كاتب سعودي، مؤلف كتاب "الحراك الشيعي في السعودية"