أزمة كردستان تتعمّق: عودة إلى مرحلة التصعيد

أزمة كردستان تتعمّق: عودة إلى مرحلة التصعيد

12 أكتوبر 2017
ترفض سلطات كردستان إلغاء أو تجميد الاستفتاء (Getty)
+ الخط -
أجهضت أربيل، أمس الأربعاء، فرصة بدء حوار شامل مع بغداد بإصرارها على رفض طلب إلغاء استفتاء انفصال كردستان أو تجميد نتائجه، وهو ما قوبل بإصدار بغداد مذكرات اعتقال رسمية بحق رئيس وأعضاء مفوضية الاستفتاء فضلاً عن شخصيات سياسية وحكومية أخرى، ومن المرجح أنها ستُعمم على دول جوار العراق.

وكشف مسؤول كردي بارز في حكومة إقليم كردستان لـ"العربي الجديد"، أنه "تم إبلاغ رئيس البرلمان العراقي، سليم الجبوري، بشكل رسمي أنه لا إلغاء للاستفتاء ولا نتائجه ولا حوار مع شروط مسبقة من بغداد". ووفقاً للمسؤول الذي طلب عدم الكشف عن اسمه، فإن رئيس إقليم كردستان، مسعود البارزاني، "أبلغ الجبوري بالموقف الرسمي للإقليم، إنه لا إلغاء للاستفتاء ومع حوار بلا شروط من بغداد"، مضيفاً أن البارزاني أبلغ دبلوماسيين ورؤساء بعثات أوروبية عاملة في العراق بذلك أيضاً.
وحذر من أن "أي محاولة لاستخدام القوة من قبل بغداد للتحرك باتجاه المناطق المتنازع عليها مثل كركوك وسنجار ومناطق في سهل نينوى، لن تكون سوى شرارة لصدام مسلح بين البشمركة والقوات الاتحادية، ولن يستفيد منها سوى تنظيم داعش"، معلناً أن "بغداد رفضت عرضاً أوروبياً ببدء الحوار بعيداً عن الاستفتاء من دون إلغائه أو تفعيله، وتصر على هذا الشرط، وهو ما أزّم الموقف في اليومين الماضيين".

أربيل ترفض التراجع
في غضون ذلك، قال المتحدث باسم حكومة إقليم كردستان، سفين دزي، لـ"العربي الجديد"، إن "مسألة الاستفتاء محسومة بقرار شعبي وليس من صلاحية أي جهة المطالبة بإلغائه"، معلناً أن "الإقليم مع حوار مفتوح وبلا شروط مسبقة وتم إبلاغ من زار أربيل أخيراً، من القيادات السياسية العراقية بذلك"، مؤكداً أن "العقوبات والإجراءات التي تتخذها بغداد بين يوم وآخر غير دستورية على الإطلاق وتهدد المواطنين في الإقليم بالدرجة الأولى".

الموقف نفسه أكده عضو الحزب "الديمقراطي الكردستاني" الذي يتزعمه مسعود البارزاني، هوكر حسين، الذي أوضح لـ"العربي الجديد" أن "القيادة الكردية بشكل عام متفقة على أن إلغاء الاستفتاء يعني اعترافاً مباشراً وصريحاً بأننا لا نملك حق تقرير مصيرنا كأمة كردية قسمتها سايكس بيكو بين أربع دول قبل مائة عام". وأشار هوكر إلى أنه "من الممكن أن يصمد الإقليم أمام الإجراءات الحالية التي أضرت بالمواطنين بالدرجة الأولى، وإذا كانت بغداد ترغب في تجويع المواطنين يمكن لها أن تنفذ تهديدها وتغلق المعابر مع تركيا وإيران بالتنسيق معهما"، معتبراً أن "هذه الإجراءات لا يمكن أن تؤدي إلى حل في النهاية، بل نفهم منها محاولة تركيع للأكراد بالتعاون مع دول إقليمية".

من جهتها، قالت عضو المجلس القيادي الكردستاني الذي شُكّل في أربيل عقب الاستفتاء، بابير كاملا، في تصريح لوسائل إعلام ناطقة باللغة الكردية، إنه "لا يحق لأي شخص تجميد نتائج استفتاء استقلال إقليم كردستان"، مؤكدة أنه "لم ولن نتطرق إلى مسألة تجميد نتائج الاستفتاء، ويجب على الآخرين أن يفهموا ذلك"، مضيفة أن "أي وسيلة إعلامية أو جهة تدّعي أننا قررنا تجميد نتائج الاستفتاء لا تقول الحقيقة".

 


رد بغداد

مقابل ذلك، شدد المتحدث باسم الحكومة العراقية، سعد الحديثي، في اتصال هاتفي مع "العربي الجديد"، على موقف الحكومة الرافض لأي حوار كان، قبل أن تلغي سلطات الإقليم الاستفتاء، موضحاً أن "الحوار يكون ضمن الدستور فقط ولا نعترف بالاستفتاء ولا بنتائجه". وكان رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، قد أعلن في مؤتمر صحافي، أول أمس الثلاثاء عن أن الحكومة العراقية لن تناقش الاستفتاء مع أي شخص، ولا تفاوض قبل إلغائه، داعياً قوات البشمركة إلى عدم التصادم مع القوات الاتحادية في المناطق المتنازع عليها.

وأصدر مجلس القضاء الأعلى في العراق (أعلى سلطة قضائية في البلاد) مذكرات اعتقال بحق رئيس وأعضاء مفوضية الاستفتاء في إقليم كردستان العراق. وقال المتحدث الرسمي باسم مجلس القضاء الأعلى، عبد الستار بيرقدار، في بيان له إن "محكمة تحقيق الرصافة (بغداد) أصدرت أمراً بالقبض على رئيس وأعضاء المفوضية المشرفة على الاستفتاء في إقليم كردستان". وأضاف بيرقدار، أن "الأمر صدر بناء على الشكوى المقدمة من مجلس الأمن الوطني على خلفية إجراء الاستفتاء خلافاً لقرار المحكمة الاتحادية"، مؤكداً أن "المحكمة أصدرت أمر القبض بحق المتهمين وفق المادة 329 من قانون العقوبات".

وأوضح القيادي في "التحالف الوطني" الحاكم في العراق، النائب جاسم محمد جعفر، لـ"العربي الجديد"، أن "مذكرات الاعتقال باتت نافذة اعتباراً من تاريخ صدورها وسيكون على الدول التي يملك العراق معها اتفاقيات أمنية وقضائية تسليمهم في حال سفرهم إليها"، مشيراً إلى أن "التهمة هي المس بوحدة وسيادة العراق ومحاولة تقسيمه".
وردت مفوضية الاستفتاء في كردستان، معتبرة أن مذكرات الاعتقال "سياسية وغير قانونية"، مؤكدة أنها غير ملزمة بأوامر الاعتقال الصادر من بغداد.

في موازاة ذلك، قال مسؤولون عسكريون في الجيش العراقي، إنه على الرغم من انتهاء عمليات تحرير الحويجة وسلسلة جبال حمرين (55 كيلومتراً جنوب غربي كركوك) منذ الأسبوع الماضي، إلا أن رئيس الحكومة لم يوعز بنقل الوحدات العسكرية أو تسليم المناطق لوزارة الداخلية. وقال ضابط عراقي بارز في الفرقة 14 في الجيش العراقي، لـ"العربي الجديد"، إن "القوات ما زالت ترابط في مكانها ومن غير المرجح انسحابها ونعتقد أن لذلك علاقة بأزمة كركوك"، مؤكداً أن الأمر ذاته ينطبق على فصائل "الحشد الشعبي".

وفي سياق الإجراءات الحكومية العراقية، تحدثت مصادر برلمانية داخل المنطقة الخضراء لمراسل "العربي الجديد" عن أنه من المقرر أن تبدأ بغداد اليوم إجراءات إغلاق حسابات مصرفية لمسؤولين أكراد في الخارج يُعتقد أنها تستخدم في استلام أموال بيع النفط الخام. ووفقاً للمصادر ذاتها، فإن "الحكومة تمتلك مذكرات قضائية وأوامر صادرة عن مجلس الأمن الوطني تتيح لها إلزام تلك الدول بتجميد أرصدة المسؤولين الأكراد الموجودة لدى البنوك العاملة على أراضيها حتى وإن كانت بنوكاً دولية".


المساهمون