أزمة دار الإفتاء في لبنان: الانقسام يصل لرأس الهرم

13 يونيو 2014
قباني يؤم صلاة استسقاء (جوزف عيد/فرانس برس/Getty)
+ الخط -
حدّد المدير العام للأوقاف في دار الفتوى في لبنان، الشيخ هشام خليفة، 31 أغسطس/ آب المقبل، موعداً لانتخاب مفتٍ جديد للجمهورية اللبنانية. في الشكل، لا غبار على الدعوة. هي جزء من صلاحيات المدير العام للأوقاف. وتوقيت الدعوة سليم أيضاً، لأنه جاء قبل 15 سبتمبر/ أيلول المقبل، موعد انتهاء ولاية المفتي الحالي للجمهورية، محمد رشيد قباني.
لكن في المضمون، فإن هذه الدعوة يُمكن أن تؤدي إلى انتخاب مفتيين للجمهورية اللبنانيّة، أو مفتٍ واحد لا يعترف به رئيس الحكومة الحالية، تمام سلام، ولا رؤساء الحكومات السابقين. فالدعوة جاءت تتويجاً للخلاف الحاد بين قباني وتيار المستقبل. أسباب الاختلاف كثيرة، لكن جوهرها، رغبة الرئيس فؤاد السنيورة في السيطرة المطلقة على الأوقاف، وتحويل إدارتها إلى المدنيين بدل رجال الدين.
تدرّجت المعركة بين الطرفين وصولاً إلى القطيعة التامة. تيار المستقبل يتهم المفتي بأنه فتح باب الدار للسفير السوري في لبنان، علي عبد الكريم علي، ولحزب الله، بينما النظام السوري يقمع شعبه بمساندة الحزب. في المقابل، يقول المفتي إن الدار مفتوحة لمَن يُريد زيارتها، وهذا لا يعني الموافقة على أعماله ومواقفه. ويُشير مقربون من المفتي إلى أن استقلالية الدار عن الأفرقاء السياسيين أمر ضروري، وهذا ما يُريد تيار المستقبل إلغاءه.
على أية حال، تطوّر الصراع بين الطرفين بعدما كان قباني يوصَف بـ"مفتي المستقبل" لشدة ولائه لتيار رفيق الحريري، ولطالما ردد تيار المستقبل أن جوهر المشكلة هو رغبة المفتي في تمديد ولايته ورفض التيار لذلك.
من هنا، جاءت دعوة المدير العام للأوقاف، وهو مقرّب من المفتي، لتُسقط نظرية المستقبل.

هكذا، يؤكّد قباني رغبته في مغادرة دار الفتوى في الموعد المحدد لذلك، لكن هذا لا يعني بالنسبة له، ترك العمل في الشأن العام، إذ "سيكون المفتي أكثر تحرراً عندما يترك منصبه، وبالتالي سيقول كل شيء كما هو من دون أي دبلوماسية، ونحن نملك من الملفات ما يُدين الكثيرين"، يقول أحد المقربين من المفتي، لـ"العربي الجديد".
سيسير المفتي بخيار الدعوة لانتخاب مفتٍ جديد. مصادر تؤكّد ذلك، حتى لو لم يوافق رؤساء الحكومات على هذا الأمر. تجربة انتخابات المجلس الشرعي تثبت هذا الأمر. فالمفتي سار فيها رغم اعتراض هؤلاء. نتج عن الأمر، مجلس منتخب لا يعترف به رؤساء الحكومات، ومجلس مُدّد له ثلاث مرات.
على هذا الأساس، فإن مَن يخوض المواجهة العملية هو المجلس الممدَّدة ولايته. يقول نائب رئيس هذا المجلس، الوزير السابق، عمر مسقاوي، لـ"العربي الجديد"، إن المجلس يعتبر أن دار الفتوى شاغرة، ولا يعترف بالمفتي الحالي، ويبرر ذلك بأن المفتي "تجاوز الميثاق".
ورفض المجلس، بعد اجتماع له، الدعوة للانتخابات، ورأى أنها صادرة عن "جهة لا صلاحية لها". ودعا المجلس رئيس الحكومة تمام سلام، كـ"رئيس لمجلس الانتخاب الإسلامي"، إلى دعوة المجلس بأقصى سرعة ممكنة لانتخاب مفتٍ للجمهورية اللبنانية للأسباب والمعطيات الخطيرة درءاً للفتنة، ووفقاً للأصول القانونية".

تتجه الأمور شيئاً فشيئاً نحو المزيد من الانقسام في المؤسسة الدينية الإسلاميّة السنية الأولى في لبنان، في ظل غياب الشخصيات التي قد تكون قادرة على القيام بدور وساطة جدية. ولا ينحصر الخلاف حول الجهة التي يحق لها أن تدعو، وشرعية المفتي من عدمها، بل يصل إلى الهيئة الناخبة. ففي حين يقول المقربون من المفتي إن عددها يتجاوز 25 ألف ناخب، يحصرها الفريق الآخر بأقل من مئتين. ويشير المقربون من المفتي إلى أن رفض تيار المستقبل للهيئة الناخبة الواسعة، يعود لتخوفهم من نتيجة التصويت.
كلا الطرفين يعتبر أن الحق إلى جانبه. الواضح حتى اللحظة أن السنيورة خاض معركة شرسة مع المفتي لكنها كانت فاشلة. فقد خسر فريقه السياسي تأييد المفتي، وهو تأييد كان مطلقاً، ولم يستطع دفعه للتنحي ولا إقالته ولا عزله عن رجال الدين، أو منعه من إجراء انتخابات مجلس شرعي. وعلى ما يبدو، لن ينجح في منعه من انتخاب مفتٍ جديد، يُسلمه صلاحياته، لكنه قادر على الدفع لانتخاب مفتٍ ثانٍ، وهو أمر بات قاب قوسين أو أدنى من الحصول.
المساهمون