"نوعان من البشر": العنصرية تحت المجهر

26 اغسطس 2020
إل أناتسوي/ غانا
+ الخط -

يشكّل صعود الخطاب العنصري في مناطق عديدة حول العالم حقلاً مهماً للدراسة في ميادين متنوّعة، تأخذ في الاعتبار الخلفيات التاريخية التي تُبرز التناقض بين ثقافات عدة، ولا تغفل أيضاً العوامل الاقتصادية التي تسبّب تنامي خطاب الكراهية تجاه اللاجئين والأجانب.

صدر حديثاً عن سلسلة "ترجمان" في "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات" كتاب "نوعان من البشر: تشريح العنصرية العادية" للباحث الكندي دوني لوندان، والذي نقله إلى العربية المترجم اللبناني عاطف المولى، ويميّز النظرة الغربية للعالم بين نوعين من البشر: نحن أي الغرب الأبيض، والآخرون أو الشعوب الملوّنة، العالم الثالث والبدائيون.

يسعى الكتاب إلى الفصل بين هذين النوعين بشكل جذري، فالغرب الأبيض هو التاريخ، بينما تكتسب الشعوب الملوّنة طبيعة جغرافية. في الفصل الأول، "رجل الشيربا المغمور"، يقول بلوندان إن عالمنا الذهني ينبني حول تعارض بين نوعين إنسانيَين، "وتتلخص المسألة كلها في معرفة سر إصرارنا على الجهر عاليًا بأننا ننتمي إلى إنسانية واحدة، وفي القول إن جميع البشر متساوون ويمكنهم التمتع بالحقوق الأساسية نفسها".

يميّز النظرة الغربية للعالم بين الغرب الأبيض والآخرين

يطرح المؤلّف في الفصل الثاني، "لوسي القردة"، إشكالية "جنس بشري أم عرق بشري"، فيقول إننا ندّعي اليوم أننا حققنا دمج أصناف عدة من البشر في صنف وحيد، إلا أن ذلك مستبعد إكماله؛ لأننا أعطينا هذا الصنف وضعية أنه جنس، ما يؤدي منطقيّاً إلى قبول احتمال وجود أنواع متمايزة في الاستخدامات الشائعة الخلط المنهجي بين مختلف مستويات التصنيف: نوع، جنس، عرق...إلخ. في العلوم البيولوجية، وحده مفهوم النوع كيانٌ معرّف به ومحدد بوضوح؛ إذ إن حدود النوع هي النقطة التي يستحيل التكاثر بعدها.

في الفصل الثالث "انحراف القارات"، يرى بلوندان أن التجمعات البشرية تُبرز اختلافات جينية قليلة تستضمن ترددات مختلفة لدى بعض الجينات، "لكن هذه الاختلافات لا علاقة لها بعمل العقل. ويستند وَهْم وجود تواصلٍ ما بين الأعراق والثقافات إلى الارتباط المتبادل بين هاتين السلسلتين من الاختلافات، لكن العادة العلمية في الانتقال من الارتباطات المتبادلة إلى الأسباب تقع هنا بشكل واضح في موقع الخطأ. مع ذلك، فإن هذا الارتباط المتبادل تفسره بسهولة حقيقة أن البشر معتادون على صنع أطفالهم بأنفسهم عبر جيناتهم، كي يقوموا لاحقًا بتعليمهم ثقافتهم. وتؤمِّن هذه العادة المعممة التوازي بين التقاليد الثقافية والسلالات الجينية، لكن دائمًا من دون صلة مباشرة بين هاتين الحقيقتين. ويكفي أن نغيّر العادة وأن نتبنى أطفالًا غرباء حتى نلاحظ الانفصال التام (التخليع) لهذه الأبعاد لدى الأطفال ذوي العيون المغولية واللكنة الفرنسية أو الكيبيكية الممتازة".

هل علينا الاختيار بين النزاهة الأخلاقية والتماسك العقلي؟

يقول المؤلف في الفصل الرابع، " كورتيز والآزتك"، إننا حين نفصل في أذهاننا بين النوعين البشريين المشار إليهما أعلاه، يتحولان على نحو منتظم ومنهجي إلى كيانات بيولوجية. وفي هذا السبيل، نستخدم بناءين اعتباطيين هما في الحقيقة وثيقا الصلة: "هناك من جهة أولى اختراع تطور بيولوجي يحصل في داخل النوع البشري نفسه، وليس قبل ظهوره، وهناك من جهة أخرى اختراع كيانات بيولوجية نسميها أعراقًا واعتبار أنها نتاج طبيعي (بيولوجي أو إيكولوجي) أكثر مما هي حصيلة علاقات بين الحضارات الإنسانية".

في الفصل الخامس، "النظريات ذات الوجهين"، يجد بلوندان أن لائحة التناقضات في داخل نظام التصورات الغربية للعالم طويلة بقدر ما هي بليغة، ولا سيما في ما يتعلق بتفسيرات التطور والتخلف التي تبدو دائمًا مبنية على أنها نظريات ذات وجهين: واحدة "لنا" وواحدة "للآخرين".

غلاف الكتاب

 

ويؤكد في الفصل السادس، "الرواية الرسمية"، أن لعبة التفسيرات أو النظريات تبقى غير مفهومة من دون العودة إلى التركيبة الأخلاقية للخطابات، وأن ثمة حوارًا هادئًا يجري باستمرار بين القلب والعقل، بين العلم والفكر، وينبغي دراسة لعبة التبادلات بعمق، لكن يجب أولًا توضيح كيف تختبئ هذه اللعبة تحت تركيبة من الأفكار والمشاعر التي تعطينا رواية رسمية عن العالم.

أما الفصل السابع، "القلب وما يشير به"، ففيه يسأل المؤلف: "هل من الضروري الغرق في هذيان تجريم الذات كي يكون عندنا تفسير أكثر تماسكًا عن الوضع الراهن للعالم؟ هل يجب علينا الاختيار بين حكم أخلاقي على أنفسنا 'نحن' - على مسؤوليتنا 'نحن' عن النظام العالمي الحالي وعن التخلف - وحكم واقعي على 'الآخرين' - على دونيتهم الطبيعية؟ هل من الضروري تبنّي نظام شروحات يقارب الشيزوفرينيا للحفاظ على توازن أخلاقي معيّن، مع هذا النظام الاجتماعي الكوني، من خلال الفصل بين الأبعاد المكانية والزمنية للكون لإحياء الحقائق المنفصلة للنوع التاريخي والنوع الجغرافي؟ هل علينا الاختيار بين النزاهة الأخلاقية والتماسك العقلي؟ هل العنصرية خطأ أم أمر سيئ؟".

في الفصل الثامن، "مبادئ أولية لصوغِ أنثروبولوجيا الإنسان العاقل"، يقول المؤلف إن الـ "نحن" تعني "كل نوع الإنسان العاقل"، وهذا لا يلغي استخدام أشكال الـ "نحن" الأخرى كلها، ولا اللجوء إلى العرقية المتمركزة حول الذات، والتي تسمح بتركيب العلاقات بين البشر... لكنها تستلزم بناء أنثروبولوجيا جديدة للإنسان العاقل، ينبثق صوغها من انتقاد التصورات الغربية التقليدية عن العالم. وما الهدف الأول لهذه الأنثروبولوجيا الجديدة إلا صوغ خطاب يتعلق تحديدًا بنوعنا، الإنسان العاقل، للخروج من مأزق النظريات ذات الوجهين، ولإنتاج تعميمات عن المجتمعات كلها والثقافات الإنسانية كلها، وللعصور كلها.

 

المساهمون