"مذبحة إداريّة" في البيت الأبيض: عزل قادة الشرطة السريّة

"مذبحة إداريّة" في البيت الأبيض: عزل قادة الشرطة السريّة

16 يناير 2015
الانتقادات لجهاز الحماية السرية تزايدت في الأشهر الأخيرة(بريندين سميالويسكي/فرانس)
+ الخط -

قرّر جهاز الحماية السرية الأميركي عزل أربعة من كبار مسؤولي الشرطة السرية وإحالة خامس إلى التقاعد، في خطوة أوضحت عملياً ما كان يقصده البيت الأبيض بالمخاوف الأمنية التي منعت الرئيس الأميركي باراك أوباما ونائبه جو بايدن من مشاركة قادة العالم في تظاهرة باريس الرافضة للإرهاب، يوم الاثنين الماضي، نتيجة القصور والثغرات الأمنية التي تعتري الجهاز المكلّف بحراسته.

ففي اليوم التالي لتظاهرة باريس، التي غاب عنها أوباما ونائبه بايدن أو أي مسؤول أميركي رفيع يخضع لحماية الشرطة السرية الأميركية، التقى القائم بأعمال رئيس جهاز الحماية السرية، جوزيف كلانسي، أربعة من كبار قيادات الجهاز يتولون الإشراف على المهام الرئيسية للشرطة السرية وأبلغهم أن عليهم ترك مناصبهم القيادية وإلا سيتم نقلهم إلى المؤسسة الأم وهي وزارة الأمن الداخلي للقيام بأعمال غير قيادية.

وذكرت مصادر داخلية أن المدراء المعزولين هم المدير المساعد لشؤون الحماية والمدير المساعد لشؤون التحقيقات والمدير المساعد لشؤون التكنولوجيا والمدير المساعد للعلاقات العامة. أما المدير المساعد المسؤول عن التدريب الذي كان في السابق يرأس الحماية الخاصة بالرئيس باراك أوباما فقد قرر بنفسه الاعتزال والقبول بالتقاعد.

ووصفت صحيفة "واشنطن بوست" عزل هذا العدد الكبير من مسؤولي الجهاز من مراكزهم القيادية بأكبر عملية غربلة لجهاز حماية كبار المسؤولين الأميركيين، منذ أن قدمت رئيسة الجهاز السابقة، جوليا بيرسون، استقالتها في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، إثر عدد من الفضائح المتعلقة بثغرات أمنية كبيرة في حماية الرئيس الأميركي وعائلته واختراقات داخل البيت الأبيض.

ويعتبر خبراء أمنيون بأن ما جرى كان بمثابة "مذبحة إدارية" لن تسفر عن حلول فورية لمشكلات الجهاز المضطرب، محذرين من أنها قد تزيد من تفاقم المشكلة جرّاء غياب كبار قيادات الحماية السرية في وقت واحد قبل إعداد البدلاء الملائمين. وقال مسؤولون تحدثوا لصحيفة "واشنطن بوست"، إنّ نظام التقاعد المبكر الذي اعتمده جهاز الشرطة السرية خلال السنوات الأخيرة أفقد الجهاز أعداداً كبيرة من الكفاءات المدربة وذات الخبرة التي جرى استبدالها بعناصر جديدة لم تكن بالمستوى المأمول.

وكانت الانتقادات لجهاز الحماية السرية قد تزايدت في الأشهر الأخيرة. وأعرب أعضاء في الكونغرس الأميركي عن قلقهم من الثغرات الأمنية الخطيرة التي يمر بها الجهاز. ووصلت حالة الشعور بالقصور الأمني إلى درجة تبرير البيت الأبيض لغياب أوباما عن وقفة التأييد التي شارك فيها العديد من زعماء العالم في باريس الاثنين الماضي لمخاوف تتعلق بأمنه الشخصي. وعلى الرغم من أن المتحدث باسم البيت الأبيض، جوش إرنست، لم يعترف مباشرة بالقصور الأمني، لكنه لمّح إلى ذلك بالقول، خلال الموجز الصحافي اليومي من واشنطن: "إن المتطلبات الأمنية لزيارة على المستوى الرئاسي أو حتى زيارة على مستوى نائب الرئيس، مرهقة وكبيرة وغير مأمونة". ولفت إرنست إلى أن زمن الإعداد والمكان الجغرافي للتظاهرة كانا كليهما خارج نطاق السيطرة الأمنية، إذ إن الوقت المتاح للزيارة لم يكن قد تبقى منه سوى 36 ساعة عند الإعلان عن التظاهرة. أما المكان الجغرافي، فقد كان عبارة عن ساحات كبيرة في العراء تضم الملايين من الناس وليس الآلاف فقط، ولا يمكن تأمينها أمنياً. واعتبر المراقبون حديث المتحدث باسم البيت الأبيض اعترافاً بالقصور الذي يعتري جهاز الحماية السرية الأميركي في وقت عصيب كشف خلاله مكتب التحقيقات الفدرالي الأميركي، "إف بي آي"، لأوباما معلومات سرية عن خطط فردية لشنّ هجمات في واشنطن قبل أن يعلن المكتب للعامة في وقت لاحق خطط مَن سمّاه المكتب بـ"رجل أوهايو" الساعي لتفجير الكونغرس.

وسبق أن تحدثت الأوساط الأمنية والسياسية في واشنطن عن العديد من الحوادث الدالة على القصور الأمني لجهاز الحماية السري الأميركي، منها قيام شخص بإطلاق النار على البيت الأبيض، فضلاً عن دخول رجل مسلح في المصعد مع أوباما من دون كشف الحراسة لوجود سلاح معه. وفي 11 نوفمبر/ تشرين الثاني 2011، كشفت صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية أن رجلاً كان قد أطلق سبع رصاصات على البيت الأبيض وأصاب مقر سكن العائلة، لكن الحماية السرية للرئيس لم تكتشف ذلك إلا بعد أسبوع عندما وجدت إحدى عاملات التنظيف آثار الحادث من شظايا زجاج مكسور وقطعة إسمنت سقطت من مبنى البيت الأبيض. والغريب في الحادثة، بحسب الصحيفة، أن الرجل أطلق النار من سيارته المتوقفة على بعد 700 متر من البيت الأبيض. وسمع رجال الحماية صوت الرصاص لكن رئيسهم أمرهم بعدم التحرك، قائلاً إن ما سمعوه ليس أكثر من أصوات منبعثة من أنبوب عادم سيارة. ولم يبلغ جهاز الحماية أوباما الذي لم يكن في البيت الأبيض بالحادث إلا بعد أيام، وقيل له إن الرصاص لم يكن يستهدف البيت الأبيض.

أما أهم الثغرات الأمنية المعلنة، فقد كانت تلك التي كشف عنها في الـ19 من سبتمبر/ أيلول الماضي، حين تمكن رجل مسلّح بسكين من القفز عبر سياج البيت الأبيض، وقطع الحديقة ثم تسلّل إلى البيت الأبيض من باب خلفي كان مفتوحاً. وتجوّل في غرف عدة داخل البيت الأبيض قبل أن يتم توقيفه بعد أن توغل في الجناح الغربي الخاص بالرئيس الأميركي الذي كان قد ترك المقر قبل ذلك بعشر دقائق مع عائلته. وتحملت رئيسة الجهاز في ذلك الوقت، جوليا بيرسون، مسؤولية ما حدث وقدمت استقالتها إلى وزير الأمن الداخلي، جيه جونسون، الذي قبلها فوراً. وتم تعيين جوزيف كلانسي رئيساً مؤقتاً لجهاز الحماية السرية، وهو كان الحارس الشخصي الرئيسي لأوباما، وقبل ذلك كان ضمن طاقم حماية الرئيس السابق بيل كلينتون.
وفي إشارة إلى حجم الأزمة التي عصفت بالجهاز، تدور تكهنات مفادها أن الرئيس المقبل للجهاز سيكون من خارجه.

ويخشى المسؤولون الأميركيون من الأعمال الإرهابية أحادية التخطيط داخل الأراضي الأميركية في ظل عجز جهاز الشرطة السرية الأميركي عن منع الهجمات قبل وقوعها، وإشارات صادرة عن تنظيم "القاعدة في جزيرة العرب"، حدد فيها أولويات الأهداف بأنها تلك الموجودة داخل الولايات المتحدة، فإن لم يتم التمكّن منها تأتي بريطانيا كخيار ثانٍ، وإن صعب الأمر فيها، فإن فرنسا هي الخيار الثالث.

المساهمون