"دولة" غزّة و"قطاع" إسرائيل!

"دولة" غزّة و"قطاع" إسرائيل!

07 اغسطس 2014

الوزيرة البريطانية المستقيلة سعيدة وارسي (أغسطس/2014/Getty)

+ الخط -

لو أنَّ "دولة" غزة هي التي قصفت "القطاع" الإسرائيلي المحاصر بآلاف أطنان المواد المتفجّرة، الحارقة، المحرَّم بعضها دوليّاً، لو أنها هي التي أغارت طائراتها، بلا توقف، على الأحياء والمزارع والبيوت، ورمت حمولاتها من الموت العاجل عليها، لو أنها أرسلت عائلاتٍ، بجميع أفرادها، إلى الرفيق الأعلى، لو أنها تسدُّ عليها السماء والبر والبحر، لو أن "دولة" غزة فعلت ذلك بـ"القطاع" الإسرائيلي، الأكثر اكتظاظاً بالسكان في العالم، ماذا سيكون ردُّ فعل الحكومة البريطانية؟
لن أنتظر جواباً.

ستقوم بدكِّها بأقصى ما في ترسانتها من أسلحة، بما في ذلك القنابل النووية التكتيكية، أو ما شابه ذلك!

لا أحتاج جواباً من الحكومة البريطانية، التابع ـ الظلّ للإدارة الأميركية، بريطانيا الرسمية صاحبة "وعد بلفور" المشؤوم، التي أعطت فلسطين "وطناً قومياً" لليهود، كما لو أنها قطعة أرض مهملة من مقاطعة يوركشير!

لا أحتاج جواباً على أسئلتي الافتراضية، لأني أعرف الجواب.

أعرف أنَّ الروح الصهيونية تسري في باطن القرار السياسي البريطاني المتعلق بـ"الشرق الأوسط"، كما يسري الدم في الشرايين. هكذا، لم تحرِّك استقالة الوزيرة، سعيدة وارسي، شعرة في مفرق الحكومة البريطانية التي لم تعتذر، مرة، للشعب الفلسطيني، على ما سببته له من آلامٍ لا تمحوها الأيام. نحن الذين نقيم في هذه البلاد (بريطانيا)، ونسهم في اقتصادها وتنوّعها الثقافي، ونحرص على سلامتها، كما لو كانت بلادنا الأم، نشعر بالعار من موات قلب حكومة ديفيد كاميرون.

طيب، كاميرون وريث تاتشر، أيقونة الصهاينة في هذا البلد، فماذا عن الليبرالي، الحرّ، نيك كليغ؟

ماذا عن هذا الذي يفترض أن حزبه يتبنى قيم حقوق الإنسان وحريات شعوب العالم؟ ماذا عن هذا الانتهازي الذي قَبِلَ أن يكون ذيلاً في حكومة المحافظين التي تناقضت أبرز قرارتها داخلياً مع كل ما كان يؤمن به كليغ وحزبه؟
لكنه الكرسيّ.
اللعنة.

كنت أظن أن الكراسي غالية على حكام العالم الثالث، فطلعت مخطئاً. فهذا زعيم سياسي أوروبي ضحّى بمبادئه وقيمه من أجل الكرسي. كان ينبغي أن يكون هو، أو بعض وزراء حزبه، مَن يستقيل من حكومة المحافظين، على خلفية انعدام ضميرها تجاه الموت العاصف بغزة، وليس سعيدة وارسي، الوزيرة المحافظة.

لقد كتبتْ وارسي رسالة مؤثرة إلى زعيم حزبها ورئيس حكومتها، كاميرون، مذكّرة إياه، في جزء منها، بأنَّ سياسته المنحازة لإسرائيل سـ"تضرّ" بالمصالح البريطانية في العالم العربي، غير أن كاميرون يعلم، علم اليقين، أنَّ سياسته هذه لن تضرّ بالمصالح البريطانية مع الأنظمة العربية، وأن ما كان سيضرّ بها فعلاً هو العكس:

أن يقول لإسرائيل كفى. كاميرون يعرف أنه أقل تصهيناً من بعض الحكام العرب. صحيحٌ أنَّه شريك في جرائم إسرائيل الأخيرة ضد غزة، بصفته زعيم دولة تشغل مقعداً دائماً في مجلس الأمن، المسؤول الأول عن الأمن والسلام في العالم، لكنَّ هناك حكاماً عرباً، يعرفهم كاميرون بالاسم، هم شركاء فعليون في العدوان الإسرائيلي على غزة. قد لا يكون رئيس الوزراء البريطاني طالب إسرائيل بمواصلة حربها المجرمة ضد "القطاع"، غير أن هناك حكاماً عرباً فعلوا.. وانتابهم الغمُّ، عندما لم تستطع الترسانة الإسرائيلية المُدمِّرة كسرَ إرادة غزة بشراً وحركات مقاومة.

الجيد في أمر استقالة وارسي هو أنها ستزيد حدّة الاحتجاجات الشعبية البريطانية، التي لم تتوقف حتى الآن، ضد جرائم إسرائيل بالدرجة الأولى. ولكن، أيضاً، ضد الموات الرسمي البريطاني والانحيازات السافرة لمعظم المنابر الإعلامية البريطانية لصالح دولة الإرهاب الأولى في العالم: إسرائيل.

E7B23353-660D-472F-8CF3-11E46785FF04
أمجد ناصر

شاعر وكاتب وصحفي من الأردن