"داعش" يتقهقر ويخوض معاركه الأخيرة في سورية

"داعش" يتقهقر ويخوض معاركه الأخيرة في سورية

20 اغسطس 2018
تهاوت قوة "داعش" خلال السنتين الماضيتين (جورج أورفليان/فرانس برس)
+ الخط -


يخوض ما تبقى من مسلحي تنظيم "داعش" في الجغرافيا السورية معاركهم الأخيرة في البادية وريف دير الزور الشرقي، بعد أن فقدوا القدرة على تغيير الموازين العسكرية الجديدة في البلاد. فبعد أن كان "داعش" يسيطر على نحو نصف مساحة سورية، وأوشك على تهديد أهم المدن خلال عامي 2014 و2015 اللذين كان التنظيم خلالهما في ذروة اندفاعه وقوته، انحصر وجوده الآن في مناطق داخل البادية السورية مترامية الأطراف، وفي ريف دير الزور الشرقي، إذ يحاول تجنب سيناريو السحق الكامل، بعد أن فقد القدرة على المناورة والتسليح، عقب تجفيف غالبية مصادر تمويله ومحاصرته من كل الاتجاهات.

وتتواصل المعارك بين التنظيم وقوات النظام عند أقصى الريف الشرقي لمحافظة السويداء، عند الحدود الإدارية لمحافظة ريف دمشق. ويشير المرصد السوري لحقوق الإنسان إلى أن العمليات العسكرية في منطقة تل الصفا، في بادية ريف دمشق المحاذية للحدود الإدارية لريف السويداء، لا تزال متواصلة، حيث تحاول قوات النظام سحق مسلحي "داعش" المحاصرين في المنطقة، أو إجبارهم على الاستسلام والرضوخ لشروط المفاوضات بتسليم المختطفين لديه من نساء وأطفال من ريف السويداء الشرقي.

كذلك لا يزال التنظيم يحاول المناورة في ريف دير الزور الشرقي، حيث أكدت مصادر محلية أن تنظيم داعش شن ليل الجمعة-السبت هجوماً على قاعدة حقل العمر النفطي العسكرية من جهة بادية بلدة ذيبان، مشيرة إلى أن طوافات التحالف حلّقت فوق القاعدة والمدينة السكنية التابعة للحقل، عقب هجوم التنظيم. وشوهد خروج مركبات عسكرية تابعة لـ"قوات سورية الديمقراطية" (قسد)، مدعومة بقوات التحالف من القاعدة، وقامت بتمشيط المنطقة المحيطة وسط إطلاق قنابل ضوئية. كذلك شن التنظيم، وفق شبكة "فرات بوست" الإخبارية، هجوماً على حاجز المقسم التابع إلى "قسد" في بلدة الطيانة المجاورة لحقل العمر النفطي. وأكدت مصادر محلية أن الهجوم كان "واسعاً"، مؤكدة أن طيران التحالف الدولي، بقيادة الولايات المتحدة، "حسم الموقف"، مشيرة الى أن القاعدة تضم نحو 500 عنصر من "قسد"، وتعد الكبرى في شرقي سورية. وكانت "قوات سورية الديمقراطية" قد انتزعت السيطرة على حقل العمر، الذي يعد من أكبر الحقول النفطية السورية من حيث المساحة والإنتاج، من تنظيم "داعش" أواخر العام الماضي. كما سيطرت على حقول أخرى أقل أهمية من حيث الإنتاج.


ولا يزال تنظيم "داعش" يحتفظ بوجود له في ريف دير الزور الشرقي على مسافة نحو 30 كيلومتراً على الطرف الشمالي لنهر الفرات، ويمتد من قرية البحرة حتى قرية السوسة على أطراف مدينة البوكمال، مروراً بقريتي أبو الحسن وأبو الخاطر، وبلدات الشعفة، وأبو الحسن، والباعوز. وفي قلب هذه المنطقة تقع مدينة هجين، وهي آخر مدينة سورية لا يزال التنظيم يسيطر عليها. كذلك يحتفظ "داعش" بجيوب له في ريف دير الزور الشرقي جنوب نهر الفرات مرتبطة بأخرى في البادية السورية، ولا تزال تشكل خطراً على قوات النظام ومليشيات عراقية مرتبطة بإيران تسيطر على المنطقة. وفرضت "قسد" حصاراً محكماً على مناطق التنظيم ما تسبب بأزمة إنسانية لآلاف المدنيين، لم تدم طويلاً، إذ سمحت هذه القوات، قبل أيام، بدخول المواد الغذائية للمحاصرين، مع فتح المعابر باتجاه مناطق هذه القوات ما سمح بخروج عدد من المدنيين. وأكدت مصادر محلية أن طائرات التحالف الدولي ألقت، الأسبوع الماضي، منشورات تدعو مقاتلي "داعش" إلى الاستسلام، محذرة إياهم من الموت جوعاً وعطشاً في حال عدم استسلامهم لـ"قوات سورية الديمقراطية"، التي تحاول منذ أشهر اقتحام مناطق التنظيم ولكنها لم تنجح في ذلك.

ومن الواضح أن هذه القوات تحاول تجنب معركة تؤدي إلى خسائر كبيرة في صفوف عناصرها، من خلال سياسة الحصار والتجويع، إذ يبدو أن "داعش" استعد جيداً للمعركة من خلال وضع خطوط دفاع تعتمد على مفخخات يقودها انتحاريون، وهو السلاح البارز الذي بات يملكه التنظيم بعد أن فقد القدرة على التسلح. وينطبق الحال على جنوب نهر الفرات، حيث لم تستطع قوات النظام حتى اللحظة إعلان ريف دير الزور خالياً من تنظيم "داعش"، لكن مصادر محلية تشير إلى أن النظام يعتمد على التنظيم في استنزاف "قوات سورية الديمقراطية"، وهذا ما يفسر عدم شنه عملية عسكرية واسعة النطاق ضده جنوب النهر. وتقلص وجود التنظيم في سورية، حيث تهاوت قوته خلال السنتين الماضيتين، وباتت سيطرته محدودة على الجغرافيا السورية بعد أن تمدد في عامي 2014 و2015، حين سيطر على أكثر من نصف البلاد، وهدد دمشق وحمص وحماة وحلب، إثر سيطرته بشكل شبه كامل على محافظتي الرقة ودير الزور، وأجزاء واسعة من محافظة الحسكة، وأجزاء من أرياف حلب وحمص وحماة والسويداء ودرعا، فضلاً عن عدة أحياء جنوب العاصمة دمشق.

وكان تنظيم "داعش" قد ظهر في سورية أواخر عام 2012 بشكل محدود، لكنه سرعان ما تزايد نشاطه في مناطق المعارضة السورية في كل أنحاء البلاد، حتى بات يهدد وجودها قبل أن تطلق المعارضة عملية عسكرية واسعة مطلع 2014 أدت إلى القضاء على التنظيم في شمال غربي سورية، وداخل مدينة حلب وفي الغوطة الشرقية. لكن التنظيم سيطر على الرقة ودير الزور خلال ذلك العام، وريف حلب الشمالي والشرقي، وجزء كبير من ريف الحسكة، وأحياء في جنوب دمشق، وغالبية البادية السورية، بما فيها مدينة تدمر. وأعلن التنظيم في منتصف 2014 ما سمي بـ"الدولة الإسلامية في العراق والشام" (داعش)، إذ سيطر على أجزاء واسعة من سورية والعراق، ما مكنه من الحصول على موارد تمويل كبرى من آبار النفط والغاز في البلدين. لكن التنظيم بدأ بالتراجع بعد بدء حملة التحالف ضده أواخر ذلك العام، حين حاول السيطرة على مدينة عين العرب ذات الغالبية الكردية على الحدود السورية التركية. ودعم التحالف الوحدات الكردية ومن ثم "قوات سورية الديمقراطية" التي انتقلت من الدفاع إلى الهجوم، وطردت "داعش" من ريف الحسكة ومن ريف الرقة الشمالي ومن مدينة منبج، وتالياً من مدينة الرقة وريفها الغربي والشرقي ومن ريف دير الزور شمال النهر. وتكفل الجيش التركي وفصائل سورية معارضة بطرد التنظيم من ريف حلب الشمالي والشمالي الشرقي في عملية "درع الفرات"، فيما طردت قوات النظام "داعش" من أرياف حماة وحمص والرقة الجنوبي ومن مدينة دير الزور وريفها الشرقي جنوب النهر ومن أحياء دمشق الجنوبية ومن ريف درعا الغربي. وبذلك انتهت أسطورة تنظيم كان يخطط ليصبح "دولة"، تؤكد الوقائع أنه كان أداة بيد جهات إقليمية ودولية في سياق صراع كبير على سورية، أدى إلى تحويل البلاد لمناطق نفوذ ربما تفضي إلى تجزئتها أو تحويلها إلى دولة فاشلة وميدان تكاسر إرادات إقليمية ودولية.