الحدود العراقية ــ السورية: قوات الأسد تتفرج على "داعش"

الحدود العراقية ــ السورية: قوات الأسد تتفرج على "داعش"

18 اغسطس 2018
إغلاق الحدود عبر السيطرة على الأرض (محمود صالح/فرانس برس)
+ الخط -
الوضع على الحدود العراقية السورية من جهة الأنبار أو نينوى، شمال وغرب العراق، يتطلب أكثر من مجرد بيان حكومي تصدره السلطات في بغداد بين أسبوع وآخر، للتأكيد على أنها أخضعت الحدود لسيطرتها بشكل كامل. فالقوات العراقية هناك تكافح على مدار الساعة لجعلها كذلك، مع استمرار هجمات مسلحي تنظيم "داعش" ليلاً بوسائل مختلفة، إذ يتخذ بعضها أشكالاً يصفها ضباط هناك، التقت معهم "العربي الجديد"، بـ"الخبيثة"، مثل تفخيخ جثث من يتم اختطافهم لتنفجر بعناصر القوات العراقية خلال محاولة رفعها.

وداخل مساحة تقدر بنحو 90 كيلومتراً مربعاً بين العراق وسورية، وهي مناطق صحراوية وعرة يجيد عناصر "داعش" التعامل معها أكثر بكثير من القوات العراقية، تنتشر جيوب وبقايا التنظيم المنكسرة في الساحتين السورية والعراقية. ويقول جنرالات بارزون في الجيش العراقي، الذي بدا أكثر حرفية في التعامل مع هجمات "داعش" شبه اليومية من قوات نظام بشار الأسد و"حزب الله" ومليشيات "الحشد الشعبي"، لـ"العربي الجديد"، إن هجمات التنظيم عادة ما تكون انتحارية وتستهدف ثكنات ومواقع الجيش العراقي أكثر من استهدافها مواقع المليشيات، الموجودة بكثرة في تلك المنطقة، أو قوات النظام السوري.

ويقول عقيد ركن في قيادة عمليات البادية والجزيرة التابعة لوزارة الدفاع العراقية والمسؤولة عن الحدود العراقية السورية، لـ"العربي الجديد"، إن عناصر "داعش" حاولوا التسلل إلى العراق قادمين من سورية أكثر من 40 مرة، خلال يوليو/ تموز الماضي، وذلك على شكل جماعات تراوح بين 3 و10 أشخاص، وهم ينقسمون بين تسلل بنوايا شن هجوم على العراقيين، سواء قوات أمن أو مواطنين، أو أنهم يريدون الاختباء بسبب الخيارات الجغرافية المتوفرة بالعراق، والتي تتيح لهم التواري عن الأنظار، موضحاً أنه "جرى إحباط غالبيتها، لكن بعد أن فقدنا إخوة وزملاء لنا خلال التصدي لمحاولات التسلل". ويضيف "للأسف جيش النظام السوري كاذب، والثقة انعدمت في التعامل معهم، وعناصر داعش يتسللون أمام أعينهم من صحراء التنف والبوكمال  ومحيط بلدة هجين. إنهم يتجنبون مواجهتهم، لذلك أصبحنا نعتمد على أنفسنا، ونتعامل وكأنه لا يوجد أحد على الجهة المقابلة". ويتابع "أحبطنا غالبية محاولات التسلل تلك. بالعادة هناك مصطلح زومبي في الجيش الموجود على الحدود، وبمجرد القول هناك زومبي، فإن هذا الأمر يعني أنها محاولة تسلل لإرهابيين من داعش. لقد قدمنا تضحيات، ليس على الشريط الحدودي فقط، فنحن فقدنا الكثير من الجنود خلال ذهابهم في إجازة، إذ تقوم خلايا داعش باعتراض طريق سياراتهم وقتلهم. وقد وصل الأمر ببعض سائقي سيارات الأجرة لتجنب نقل جندي أو عنصر من حرس الحدود من كراج القائم إلى بغداد أو الرمادي، كونه سيجلب لهم المشاكل".

ويقول النقيب سعد المشهداني، الذي فقد شقيقه قبل عدة أشهر بهجوم لتنظيم "داعش" في شمال بغداد، يتواجد على رأس كتيبة تم تجهيزها أخيراً بأسلحة أميركية حديثة تتوافق مع البيئة الصحراوية العراقية، لـ"العربي الجديد"، إنه "لدينا ثلاث أو أربع حفلات كل أسبوع"، في إشارة إلى محاولات تسلل أو هجمات لـ"داعش". ويضيف "عملياً نتعامل مع الموضوع بجدية، فإفلات أحدهم ودخوله إلى العراق يعني أن هناك عراقيين سيقتلون. قد يكونون أطفالاً ونساءً أو حتى أفراداً من عائلاتنا، لذا فإن لدينا دافعاً كبيراً للقتال"، مستدركاً "نتمنى أن يتعامل الآخرون داخل العراق بالروحية نفسها، فهناك خلايا كثيرة ما زالت تنشط داخل مدننا". ويتابع "بالعادة يدخلون بسيارات تويوتا حوضية، وقبل الوصول إلى الأرض الحرام يترجلون منها، ولا يحملون سوى كلاشينكوف ومسدس، وبعضهم يحمل قاذفة آر بي جي، وآخرون حزاماً ناسفاً، ويبدأون بالسير والزحف والركض، والخطر الأكبر أننا لا نلاحظهم إلا بعد وصولهم إلى مقربة منا". و"الأرض الحرام" هو المصطلح الذي يطلق في العراق على الشريط الحدودي مع سورية، وهو بعرض 500 متر ويمتد لأكثر من 600 كيلومتر، وقد استحدث خلال الثمانينيات في فورة الخلافات العراقية مع نظام حافظ الأسد، والتي اصطلح البعض على تسميتها بالحرب الباردة. وقرب مكان مرابطة الكتيبة، التي يترأسها المشهداني، توجد نحو 10 كلاب، يصفها الجنود بأنها "منبه طبيعي". ويقول أحد الجنود، وهو من مدينة الإسكندرية بمحافظة بابل، جنوب العراق، إنها "كلاب شاردة، وهي تقدم لنا خدمات. وقد ألفت علينا كثيراً جراء إطعامها. وليلاً إذا أحست بأي شيء تبدأ بالنباح وتنبّه الموجودين".

يشار إلى أن مقاتلات تابعة لسلاح الجو العراقي نفذت، خلال الشهرين الماضيين، عدداً من الضربات الجوية داخل الأراضي السورية، بالإضافة إلى قصف مدفعي طاول مواقع تقول بغداد إنها تابعة لمسلحي "داعش" في البوكمال ودير الزور ومناطق قريبة من محافظة الحسكة ضمن الأجزاء المقابلة للعراق شمالاً. وأسفرت هذه الضربات، بحسب بيانات عراقية، عن مقتل وجرح العشرات من عناصر التنظيم. وتظهر بيانات التحالفات الدولي، بقيادة واشنطن، شن مقاتلات التحالف ما لا يقل عن 10 ضربات جوية خلال الأسبوعين الماضيين على مواقع لتنظيم "داعش" في المناطق الحدودية.

وفي مقابل ذلك، تتواصل عمليات حفر الخنادق ورفع السواتر الترابية ومد أسلاك شائكة على طول الشريط الحدودي بين البلدين، والذي يمتد لأكثر من 600 كيلومتر، حيث تتشارك ثلاث وزارات عراقية، هي الدفاع والداخلية والإعمار، بالجهد الهندسي في إنجاز تحصينات إضافية على الحدود بين البلدين التي طمس التنظيم الكثير منها. ويقول بعض السكان في قرى البعاج ومضارب شمر في ربيعة على الحدود العراقية السورية، إن الحدود تغيرت، إذ تراجعت القوات العراقية بمسافة كيلومترين إلى داخل العمق العراقي، وأنشأت سدوداً وسواتر لأسباب عسكرية، منها السماح للجنود برصد متسللي التنظيم، معربين عن خشيتهم من أن يتحول ذلك إلى واقع، ما يسمح لسورية بالسيطرة على مساحة من الأراضي العراقية. ويوضح الخبير بالشأن الأمني العراقي ومستشار شؤون قوات "الصحوة" في العام 2008، جاسم الدليمي، لـ"العربي الجديد"، أن "الحدود يجب أن تغلق عبر السيطرة على الأرض كما كانت منذ العام 1980، فالاعتماد على الكاميرات وأجهزة المراقبة والاستشعار أمر غير صحيح، لأنه يمكن لداعش الالتفاف عليها من خلال الأنفاق أو انتظار العواصف الرملية التي تهب باستمرار وتعطل عمل تلك الأجهزة". ويضيف الدليمي "القوات العراقية يجب أن تتوزع كما كانت على الحدود، بواقع فصيلة لكل كيلومتر واحد، ومراصد مراقبة عالية وتفتيش وبحث عن الأنفاق. فعدم مبالاة الجانب السوري في الملف واضحة. هناك اتفاق بينه وبين بقايا داعش، بمعنى لا تستهدفونا، ونحن لن نعترض طريقكم في ضرب العراقيين أو الذهاب إلى أراضيهم".

(شارك في التغطية من التنف السوري بشار الديري)