"تحرشات" ساركوزي في جولاته "الرئاسية" الخارجية

"تحرشات" ساركوزي في جولاته "الرئاسية" الخارجية

25 يوليو 2015
استفز ساركوزي الجزائر من تونس والمغرب (فرانس برس)
+ الخط -

منذ بضعة أشهر بدأ الرئيس الفرنسي السابق وزعيم حزب "الجمهوريين" المعارض نيكولا ساركوزي، حملته للانتخابات الرئاسية الفرنسية في العام 2017، بسلسلة زيارات خارجية، سرقت الأضواء من الرئيس فرانسوا هولاند.

ودشّن ساركوزي رحلاته الخارجية بزيارة إسرائيل ثم المغرب وتونس أخيراً، حيث أثار زوبعة كبيرة بسبب تصريحاتٍ مستفزّة حول الجزائر. وفي كل واحدة من هذه الزيارات كان ساركوزي حريصاً على أن يُستقبل كرئيس دولة فعلي، وليس فقط كرئيس سابق وزعيم لحزب معارض. وفي كل زيارة أيضاً كان يوجّه انتقادات شديدة لسياسة فرنسا الخارجية، ولا يتوانى عن الهجوم على هولاند ومواقفه من الأزمات الدولية.

وبدأ ساركوزي يثير امتعاضاً في الرئاسة والخارجية الفرنسيتين ليس فقط لأنه يسرق الأضواء من الرؤساء الفرنسيين، بل أيضاً لأنه بات يثير الكثير من المشاكل الدبلوماسية التي يتفنن في إطلاقها عبر تصريحات استفزازية، شكّلت دوماً أسلوباً سياسياً له، مثلما حدث في تونس.

هناك اعتبر ساركوزي، الذي استقبله الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي بحفاوة شديدة، رغم ماضيه المخجل مع الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، أن "تونس غير محظوظة بوجودها الجغرافي بين الجزائر وليبيا"، وأن "مصير الجزائر غامض". وهي التصريحات التي تركت غضباً شديداً في الجزائر وحرجاً كبيراً في تونس، خصوصاً لدى أوساط حزب "نداء تونس" الذي استضاف ساركوزي. وذهب العديد من المعلقين في الصحف الحكومية الجزائرية، إلى حدّ توقّع تدهور كبير في العلاقات بين الجزائر وفرنسا في حال فاز ساركوزي في الانتخابات الرئاسية الفرنسية المقبلة.

وقد بدا واضحاً أن ساركوزي نجح إلى حد كبير في تقويض الجهود الكبيرة التي بذلها هولاند منذ انتخابه عام 2012، من أجل تعزيز العلاقات مع الجزائر، التي كانت مليئة بالتوتر والجمود في ولاية ساركوزي السابقة.

وإذا كان هولاند قد نجح في كسب ودّ الجزائر من دون إغضاب المغرب، مستولداً توازناً دقيقاً وهشاً بين الجارين الخصمين، فإن ساركوزي قد أجهر بعداوته للجزائر واستفزّها، لا بتصريحاته في تونس فقط بل بزيارته الأخيرة للمغرب، التي تمتّع فيها بأجندة عمل تُشبه أجندة رئيس دولة، واستقبله الملك محمد السادس، وعقد لقاءت مع رئيس الوزراء عبدالإله بنكيران ووزراء الداخلية والعدل والخارجية.

وفي مقابل تلميحه الاستفزازي حول "غموض مصير الجزائر" بسبب مرض الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، كال ساركوزي المديح للملك المغربي، الذي اعتبره "صمّام الأمان في المنطقة المغاربية". ولم يوفّر عبارات الثناء والإشادة بالاستقرار السياسي والأمني الذي تنعم به المملكة، وهذا ما جعل الجزائريين يستشيطون غضباً.

اقرأ أيضاً إزعاجات ساركوزي التونسية: خوف على الجزائر وإحياء "الاتحاد المتوسطي"

ومن شأن كل إشادة باستقرار المغرب ومتانة مؤسسته الملكية، أن تُصبح بمثابة "رسالة غير مباشرة" للجزائر، التي لا تزال علاقتها جامدة ومتوترة مع الرباط منذ عقود. وهو ما عكسته الاتهامات الجزائرية الأخيرة للمغرب بالوقوف وراء أحداث غرداية الدامية.

ولم تخف الحلقة المقرّبة من هولاند امتعاضها من الاستقبال الحافل الذي لقيه الرئيس السابق في الرباط، والذي تم تأويله كدعم مغربي واضح لساركوزي ورغبة قوية في إعادة انتخابه رئيساً للجمهورية، وأيضاً رسالة سياسية تشير إلى التبرّم المغربي من حكم الاشتراكيين الفرنسيين الذين تسببوا العام الماضي، بعد محاولة القضاء استجواب رئيس الاستخبارات المغربية عبد اللطيف الحموشي، في أكبر أزمة دبلوماسية بين المغرب وفرنسا، منذ ستينيات القرن الماضي خلال حكم الجنرال شارل ديغول، في قضية اختطاف الزعيم السياسي المغربي مهدي بن بركة من قلب باريس.

وكان ساركوزي قد زار إسرائيل التي استقبلته أيضاً وكأنه رئيس دولة، وعقد محادثات مع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وشارك في مؤتمر "هرتسيليا" السنوي، الذي يجمع كل عام إسرائيليين متخصصين في مجالات الدفاع والسياسة والاقتصاد، بالإضافة إلى أصدقاء إسرائيل من الشخصيات الدولية.

وانتهز ساركوزي الفرصة ليدافع عن سياسة إسرائيل التوسعية، ويهاجم بعنف مواقف فرنسا من الدولة العبرية، ومشروع قرارها لمجلس الأمن، بشأن إحياء المفاوضات بين إسرائيل والفلسطينيين. كما انتقد وقتها أداء فرنسا في المفاوضات حول النووي الإيراني، الذي اعتبره "خطراً ماحقاً" على كيان الدولة العبرية.

هكذا هو إذن ساركوزي، سياسي داهية يصول ويجول في الخارج كرئيس دولة مستغلا علاقاته الشخصية بعدد من زعماء العالم، ضارباً عرض الحائط بالأعراف السياسية، التي تُحتّم على الرؤساء السابقين عدم انتقاد سياسات بلادهم في المحافل الدولية. لكن ساركوزي المتعطش للسلطة، يستثمر هذه الأجندة الخارجية بعناية لتعزيز حظوظه في الفوز في الانتخابات الرئاسية عام 2017.

ولم يكتفِ ساركوزي بزيارته لإسرائيل والمغرب وتونس، إذ زار أيضاً إسبانيا وألمانيا وبلجيكا، حيث التقى المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، التي تربطها به علاقة صداقة وثيقة، كما أنه يخطط لزيارة قريبة إلى الصين ثم الولايات المتحدة، ليبدو أكثر نشاطاً من هولاند الذي يرفض التعليق على نشاط غريمه ويفضل تجاهل الجلبة الإعلامية التي ترافق زياراته للخارج.

اقرأ أيضاً: ماذا يفعل ساركوزي في تونس؟

المساهمون