"النفسيّه محتاجه شمروخين"

"النفسيّه محتاجه شمروخين"

16 يوليو 2015
لم تدرك "س" وغيرها، ما وراء الغاية الثورية(مواقع التواصل)
+ الخط -
"س" مهووسة التصوير "السيلفي"، ترى في المسيرات مغامرة سياسية، ذروتها دخول المعتقل، وقضاء وقت مثير في الداخل، "الإخوة الوطنيون" صنعوا منهن تماثيل في الخارج يتباركون بها على صفحات التواصل الاجتماعي، انحراف فكري بصناعة بطولات ذاتية تطمس ركائز الفكرة الثورية القائمة على التجرد.

فخ "المغامرة"، الذي سقطت فيه فتيات كثيرات في المعتقل، لإشعال شمروخين في الهواء قبل أن تجري أمام رصاص الداخلية، ثم تعاود بيتها في انتشاء لتفتح صفحتها بموقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" وتسرد تفاصيل "مغامرتها مع الشرطة" لأصدقائها.

لم تدرك "س" وغيرها، ما وراء الغاية الثورية، ما زالت "قاصرة" الفكر والفكرة، تعتقد أن سعينا للإطاحة بالسيسي من أجل أن يجلس عليه آخر، أو كما يتخيل بعضهم أن الحل المرضي هو استبدال بدل عسكرية بأخرى مدنية، أو انتصار لشخص رئيس منقلب عليه، أو لأن الأوضاع الاقتصادية زادت سوءاً.. بل هي انتفاضة بدايتها ثورة فكرية تدمغ الباطل وتدحضه ونهايتها صحوة شافية، لمن نحرت رقابهم واخترق أجسادهم برصاص النظاميين فقط لأنهم كانوا "يريدون" العيش بحرية.

السعي للشهرة الرخيصة بالتغني بمواويل "الوطن الغائبة حقوقه"، ما أسهلها، لا تحتاج سوى كوب نسكافيه والجلوس أمام الإنترنت لتفريغ طاقة وليس بالخروج للاعتقال أو الموت بمسيرات مناهضة، فاستخفاف "دعاة الوطنية" بحجم المسؤولية عبء يصيب الصف الثوري بمقتل.. لدينا أمهات قلوبهن تحترق قهراً.. ابيضت أعينهن حزناً على شباب ألبسهم النظام "الأكفان"، ولن تشفي صدورهن إلا بتعليق رقاب هؤلاء المنتفعين ببلاط السلطة على المشانق مثلما علقت رقاب ذويهم.

على جانب آخر وسرير مقابل تجلس أخريات، يرتعش الجسد مخافة رفعهن أيديهن للسماء، يعانين من ويلات الإيذاء البدني والنفسي، فراشهن يكاد ينطق إيلاماً.

المهندسة سلوى عبد المنعم منهن.. تجاوزت 53 عاماً، أوصى أطباء في سجن القناطر بسرعة نقلها للعلاج في الخارج، أمام مماطلة إدارة السجن تجلس على سريرها في الدور الأرضي في انتظار قرار خروج لإنقاذ جسدها المتهالك.

أصيبت داخل السجن بألم شديد في البطن، ولم تفلح معها أكثر من 20 حقنة مسكن، فتم نقلها إلى المستشفى وسط حراسة مشددة ليفاجأ الأطباء أن "الزايدة" منفجرة منذ فترة وأنها تعاني من تسمم في المعدة.

كبيرة السن رزقت بالوحدة.. لم نجد من يسأل عنها بالمعتقل سوى أختها، كما أنها لم تجد من يسعى لتصعيد قضيتها حقوقياً، عين الرحمة فقعت. رغم مثولها أمام المحكمة وهي تحت تأثير العملية بجلسة الطعن صدر عليها حكم بالسجن 5 سنوات، بتهمة لا تتناسب مع حالتها الصحية، كيف لمريضة بجلطة في قدميها أن تحرق نقطة شرطة "ألماظة" وركوب دراجات بخارية وحرق 4 "بوكسات" شرطة، وحيازة مضادات للطائرات..! كما تزعم تحقيقات الأمن الوطني.

كلما رأيت ساقها تلتف على الأخرى، وهي تحاول أن تتماسك عن الوقوع أرضا، تحضرني صورة أبي في آخر أيامه فوق الأرض، حياؤه تجسد أمامي مجدداً، وهو يتمنى أن نغمض أعيننا عن رؤية جسده الهزيل، دعوت لهما بالرحمة.

استغاثات من داخل السجن أرسلناها لذوينا، مفادها: "هناك امرأه تموت بيننا، أنقذوها.." لكن أصواتنا العالية لم تصل إلى أذن النظام.

كانت تنطق بالكاد، تحاول الظهور أمامنا متماسكة. العجز.. كل العجز، أن ترى إنساناً يموت نفسياً وصحياً، يريد إخفاء أوجاعه كي لا يشفق على حاله أحدنا بنظرة مهينة لإنسانيته. كنت لا أتحمل رؤيتها وهي تدّعي الصمود وتستجلب الصبر، فأتهرب من الجلوس معها.

قبل أن أغادر أقسموا بأن أقول لمن يحيا على الأسفلت في الخارج أن "هناك امرأة تموت في الداخل، أحسنوا إليها في أيامها الأخيرة، فما حاجة النظام من امرأة لا ترغب سوى أن تقبض روحها على سرير غرفتها".

(مصر)

المساهمون