"الخبز" يهدّد مفاوضات مصر مع صندوق النقد

"الخبز" يهدّد مفاوضات مصر مع صندوق النقد

09 مارس 2017
الخبز أشعل غضب المصريين (فرانس برس)
+ الخط -
وجهت التظاهرات الشعبية الاحتجاجية على قرارات الحكومة المصرية الأخيرة الخاصة بالخبز، تهديداً صريحا لبرنامج الإصلاح الاقتصادي الذي يعتمد في المقام الأول على خفض الدعم تدريجيا وفرض حالة التقشف على طبقة محدودي الدخل، وفقاً للمفاوضات مع صندوق النقد الدولي، حسب خبراء اقتصاد لـ "العربي الجديد".
ونظم عدد كبير من المستفيدين من منظومة الخبز المصرية، تظاهرات متفرقة في العاصمة القاهرة وعدة محافظات، يوم الثلاثاء الماضي، احتجاجا على خفض وزارة التموين حصة الخبز المدعم المسموح للمخابز ببيعها (حاملي الكارت الذهبي، وهم المواطنون الذين لا يمتلكون البطاقات التموينية الذكية).
وبدأت مصر في أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي، تنفيذ "خطة التقشف" القائمة على تحرير سعر صرف الجنيه مقابل العملات الأجنبية وخفض الدعم وأجور العاملين في الجهاز الإداري للدولة، استجابة لاشتراطات صندوق النقد الدولي الذي بدأ في منح مصر قرضاً قيمته 12 مليار دولار، ولكن جاءت تظاهرات الخبز، لتثير علامات استفهام حول خطة الدولة التقشفية ومدى قدرة الحكومة على استكمال مفاوضاتها مع صندوق النقد الدولي الذي كان مقرراً أن يقوم بزيارة لمصر خلال فبراير/شباط الماضي لإجراء مراجعة لبرنامج الإصلاح الاقتصادي المتفق عليه، إلا أن الزيارة تأجلت إلى شهر مارس/آذار الجاري.

إرباك الخطط الاقتصادية
الخبير الاقتصادي أحمد رشدي، أكد لـ "العربي الجديد" أن أي تظاهرات أو احتجاجات تتضمن في طياتها تهديدا للنظام السياسي، وخطة الدولة الاقتصادية لاسيما الإجراءات الخاصة بجذب الاستثمارات والسياحة بصفة عامة، مشيرا إلى أن الاقتصاد المصري لا يزال يعاني من أزمات متلاحقة وإن كان بدأ في التعافي نسبيا في الآونة الأخيرة.
وشدّد الخبير الاقتصادي على أن تظاهرات الخبز التي اندلعت في عدة محافظات متفرقة شملت القاهرة والإسكندرية وكفر الشيخ والمنيا، سيكون لها أثر سلبي على استكمال برامج التقشف ورفع الدعم على السلع التموينية واستكمال باقي شروط صندوق النقد، مؤكداً على تخوفه من عودة التظاهرات مجددا واتساع دائرتها لتشمل محافظات أخرى.
وكانت الحكومة قد استحدثت منظومة الخبز الجديد في العام المالي 2014/2015 لاغية بذلك دعم الدقيق للمخابز واستبداله بدعم على كل رغيف يباع ويسجل من خلال الكروت الذكية. ويباع الرغيف بسعر 5 قروش للمواطنين ويتم تعويض المخابز عن فارق السعر المتفق عليه بين الوزارة والمخابز، والذي يبلغ 33 قرشا.
وتطرق رشدي إلى تصريحات وزير التموين والتجارة الداخلية، علي المصيلحي، التي أكد فيها أنه لا تراجع عن قرار تخفيض حصة الكارت الذهبي للمخابز من 3 آلاف رغيف إلى 500 رغيف فقط، ووصفها بالتصريحات المستفزة لمشاعر المواطنين ومفجرة لطاقات الغضب الشعبي خاصة بعد قول الوزير نصا: "لا تراجع فيه، وما حدش هيلوي دراعنا، ولن يتم الضغط على الحكومة، وما حدث هو عودة الحق لأصحابه". ويستفيد حاليا نحو 71 مليون مواطن من 21 مليون بطاقة تموينية في مصر.
وتخوف رشدي من انتقال التأثير السلبي من الساحة المحلية إلى تعاملات مصر الخارجية، سواء فيما يخص معاملاتها مع دول أخرى وتصنيف الاقتصاد القومي الائتماني، بجانب الاتفاق المبرم مع صندوق النقد والذي يحتم ضمن شروطه تطبيق برامج التقشف ورفع الدعم تدريجيا حتى تتفرغ الحكومة لسداد مديونياتها للصندوق.

مفاوضات صندوق النقد
وانعكس تطبيق الإجراءات التقشفية على الأوضاع المعيشية التي تأزمت بسبب ارتفاع أسعار السلع والخدمات لمستويات قياسية. وأكد أحدث تقرير للبنك المركزي ارتفاع التضخم خلال شهر يناير/كانون الثاني الماضي إلى 30.86%، وهي أكبر نسبة للتضخم خلال العشر سنوات الماضية.
وتصب توقعات رسمية في اتجاه مواصلة التضخم الارتفاع الفترة المقبلة، وقال وزير المالية المصري عمرو الجارحي، في منتصف الشهر الماضي، إنه يتوقع استمرار الزيادة في معدل التضخم ليبلغ ذروته بنهاية الربع الأول من العام الجاري مدفوعاً بالصدمات السعرية التي تلت قرار زيادة أسعار الوقود وتحرير سعر صرف الجنيه. وأضاف أن الحكومة كانت تعرف أنه "عندما يتعلق الأمر بالتضخم فإنه سيبلغ ذروته في أعقاب تعويم الجنيه والحصول على قرض صندوق النقد".
وستواصل الحكومة مفاوضاتها مع الصندوق للحصول على الشريحة الثانية البالغة 1.25 مليار دولار للحد من أزمتها المالية، بعد أن حصلت على الشريحة الأولى البالغة 2.75 مليار دولار.

وفي هذا الشأن، قال الخبير الاقتصادي، هاني توفيق، إن "تظاهرات الخبز وضعت الحكومة المصرية في مأزق أمام صندوق النقد، لاسيما بعد تأجيل الحصول على الشريحة الثانية من قرض الصندوق بسبب التأخر في باقي خطوات السياسة التقشفية لخفض عجز الموازنة ورفع الدعم، وهو ما اعتبره رسالة سلبية لخطة الإصلاح الاقتصادي".
وأشار توفيق في حديثه لـ "العربي الجديد" إلى أن بدء تذمر محدودي الدخل من خفض مقنن للدعم، يرسل الآخر رسالة غضب شعبي، ويذكر الحكومة باندلاع أحداث 1977 المؤسفة بسبب زيادة سعر رغيف العيش خمسة مليمات فقط، محذرا من أن 2017 سيكون عام الثالوث المرعب (ركود- تضخم- بطالة) وهو الأمر الذي سيكون عصيبا على الحكومة ومتخذي القرار، مطالبا الحكومة بالتوازن والرشد والحكمة في اتخاذ القرارات خاصة في الفترة الحرجة الحالية.
من جانبه، انتقد المفتش بوزارة التموين، خلف عبد الناصر، قرار خفض عدد الأرغفة المقررة لكل مواطن من 5 أرغفة يوميا إلى 3 أرغفة فقط، مشددا على أن غلاء أسعار السلع الغذائية تسبب في حالة احتقان لدى الطبقات الكادحة على مدار الأشهر الماضية، ليأتي قرار خفض حصة الخبز ويفجر حالة من الغضب ترجمت في تظاهرات متفرقة.
وحذر عبد الناصر من المساس بـ "قوت الغلابة" لأن الملايين يعتمدون في تسيير أمور معيشتهم وإطعام أسرهم عبر حصتهم من الخبز ومن يفكر في خفض الحصص التي لا تكفي حالياً ستكون العواقب وخيمة، بحسب تعبيره.
وأكد عبد الناصر في حديثه لـ "العربي الجديد" أن القرار غير موفق سواء في توقيته أو آلية تطبيقه، لافتا إلى عدم عرض الأمر على مفتشي التموين وأصحاب المخابز أو حتى مديريات التموين في المحافظات، بما يؤكد أن هناك قصورا في آليات اتخاذ القرار ودراسة أبعاده.
من جانبها، حذرت عميد كلية الاقتصاد والعلوم السياسية الأسبق، علياء المهدي، من تداعيات تطبيق خطة التقشف الحكومي للحصول على تمويل صندوق النقد الدولي لمصر، دون حماية اجتماعية للفقراء.
وأشارت إلى أن عملية خفض أشكال الدعم المختلفة مثل دعم الخبز والتموين والكهرباء والوقود بصورة متوازية وسريعة أمر غير مقبول سياسيا واجتماعيا واقتصاديا.
وأكدت المهدي لـ"العربي الجديد" أن الفئات من السكان ذوي الدخول المنخفضة والمتوسطة لن يستطيعوا تحمل الآثار السلبية للإجراءات الرسمية على معيشتهم وقدرتهم الشرائية، وأوضحت أن المظاهرات التي حدثت رد فعل طبيعي لخفض مخصصات الدعم، ومن الممكن أن تتفاقم إذا لم تأخذ الحكومة هذه الأبعاد الاجتماعية والاقتصادية في الاعتبار.

خفض الخبز المدعم
وقال مسؤول بارز بوزارة المالية المصرية لـ"العربي الجديد" إن "قرار تنقية البطاقات التموينية وخفض حصص البطاقات الذهبية هو قرار اتخذته وزارة التموين المصرية لصرف الدعم لمستحقيه واستبعاد غير المستحقين والحد من تسرب الدعم لأصحاب المطاعم وغيرهم وهي أسباب تفاقم مشكلة الدعم في مصر منذ سنوات.
وتوقع المسؤول خفض كميات الخبز المدعمة بنحو 41%، رغم زيادة المبالغ المخصصة للدعم.
وأكد على زيادة مبالغ دعم السلع التموينية التي خصص لها في الموازنة الحالية 41.1 مليار جنيه (الدولار = نحو 17.5 جنيها) مقابل 37.75 مليار جنيه العام المالي الماضي بزيادة 3.36 مليارات جنيه عن العام المالي السابق، لافتا إلى أنه من المتوقع أن يلامس دعم السلع التموينية 50 مليار جنيه العام المالي الحالي بسبب زيادات الأسعار.
ووفقا لبيانات حصل عليها "العربي الجديد" فإن كميات الخبز المستحقة للمواطنين تبلغ نحو 137.1 مليار رغيف سنوياً.
ولفتت البيانات إلى أن هناك استهدافا لخفض الكميات بنحو 41.7% فإن كميات الخبز المستهدف إنتاجها بالفعل تبلغ 80 مليار رغيف ونحو 57.12 مليار رغيف يتم توفيرها خاصة في ظل ارتفاع أسعار القمح المستورد حيث تستهلك مصر 9.2 ملايين طن لتوفير 80 مليار رغيف بالإضافة إلى دقيق المستودعات بمتوسط سعري للعام المالي الحالي 227 دولارا للطن وفرق تكلفة الطحن 23 جنيها للطن فيما تبلغ تكلفة تصنيع الخبز نحو 1205جنيهات للطن بمتوسط إنتاجية نحو 12.3الف رغيف للطن.
وقال المسؤول إن تلك الأرقام تكشف أن الدولة عليها أعباء ضخمة لمواجهة دعم الخبز وما يتم فقط هو فلترة تلك البطاقات وسيتم خفض الكميات المنتجة والتي تتعرض للهدر لافتا إلى أن الدولة تصرف 3.4 مليارات جنيه دعما لمزارعي القمح المحلي لتقليل الكميات المستوردة خاصة في ظل أزمة الدولار.
يأتي هذا في ظل تخبط حكومي حول قرار خفض كميات الخبز للبطاقات الذهبية من 3000 رغيف إلى 500 رغيف فقط.
وتقوم الحكومة حالياً بدراسة حول إمكانية استبعاد شرائح معينة من منظومة الدعم سواء للبنزين أو السلع التموينية مع توجيه تلك المبالغ لزيادة مخصصات دعم الفقراء تحقيقا للعدالة الاجتماعية، إذ تقوم حالياً بحصر لرواتب فئات محدّدة من الموظفين بالجهات الحكومية تمهيدأ لإلغاء بطاقاتهم التموينية.
وما زالت الدراسة التي تجريها الحكومة لاستبعاد شرائح جديدة من الدعم في بدايتها وستركز على موظفي الحكومة الذين تتخطى رواتبهم مبالغ كبيرة أو الذين يتقاضون الحد الاقصى للأجر لاستبعادهم من البطاقات التموينية وحصول سياراتهم على البنزين بالسعر المرتفع مقابل التخفيف من أسعار السلع المرتقب زيادتها خلال الفترة المقبلة على الشرائح الأقل دخلاً، حسب مسؤول حكومي في تصريحات سابقة لـ"العربي الجديد".
وتخطى سعر الدولار حاجز 18 جنيهاً في سوق الصيرفة المصرية، ما يهدد بمزيد من الغلاء في بلد يعتمد على الاستيراد.

المساهمون