مصر: قرارات حكومية مؤلمة للفقراء وتراخٍ أمام نفوذ المال

مصر: قرارات حكومية مؤلمة للفقراء وتراخٍ أمام نفوذ المال

08 مارس 2017
المستثمرون يتخوّفون من القرارات المتضاربة للحكومة (فرانس برس)
+ الخط -
سيطرت حالة من التخبط في اتخاذ القرارات الاقتصادية والمعيشية في مصر، خلال الفترة الأخيرة، إذ أصدرت الحكومة المصرية عدة قرارات غير مدروسة، ثم تراجعت عنها، سواء بالإلغاء أو الإرجاء.
لكن بدا من القرارات التي تراجعت عنها الحكومة أن مراكز النفوذ الاقتصادي، لاسيما في القطاعات الاستثمارية مثل سوق المال، كانت الأكثر تأثيراً ودفعاً للمسؤولين إلى الوراء، غير أن ما يخص معيشة المواطنين من الطبقات الفقيرة ومحدودة الدخل، تبدو الحكومة تجاههم أكثر صرامة وإن كانت هبّات الغضب المتناثرة تقلقها من سقوط هيبتها من جديد بعد لملمتها مؤخراً.
وجاءت تظاهرات المئات من المصريين في أنحاء متفرقة من البلاد، خلال الأسبوع الجاري، وقطع الطرق ومحاصرة أبنية حكومية للاحتجاج على التغيير في طريقة إدارة منظومة الخبز المدعوم، لتثير قلقاً متزايداً من إقدام الحكومة على خفض دعم الخبز ولكن من الباب الخلفي.
ودعم الخبز مسألة حساسة في مصر، حيث يحصل أكثر من 70 مليون شخص على حصص من الدولة. وسبق أن اتخذت فيه الحكومة خطوات، لكنها تراجعت عنه في اللحظات الأخيرة أمام انتفاضات غضب للفقراء.
وتطبق مصر نظاماً تحصل فيه كل أسرة على بطاقة بلاستيكية لشراء خمسة أرغفة بسعر مدعم في اليوم، كما تحصل المخابز أيضا على "بطاقات ذهبية" لبيع الخبز إلى الأفراد الذين ليست لديهم "البطاقة الذكية"، لتقوم وزارة التموين بتقليص حصص البطاقات الذهبية إلى 500 رغيف يوميا فقط للمخبز الواحد، مقابل ما يتراوح بين ألفين وأربعة آلاف رغيف يومياً.
وخرج علي المصيلحي، وزير التموين، ليعلن، يوم الثلاثاء الماضي، أنه يتحمل شخصياً مسؤولية قرار خفض حصص المخابز، بعدما تناقلت وسائل الإعلام المحلية أخبارا عن إمكانية تراجع الحكومة عن القرار.

التراجع أمام النفوذ
وفي مقابل الخبز الذي يمس معيشة عشرات الملايين المصريين، أصدرت الحكومة، نهاية فبراير/شباط الماضي، قراراً بزيادة رسوم التأشيرة السياحية لدخول مصر من 25 إلى 60 دولاراً، ابتداء من شهر مارس/آذار، أعلنت الحكومة إرجاء تطبيقه إلى يوليو/تموز المقبل.

وكشف قرار زيادة رسوم تأشيرات الدخول عن عدم وجود تنسيق بين المسؤولين في الدولة، خاصة بعد تصريحات مستشار وزير السياحة، خالد المناوي التي قال فيها: "القرار سيدمر القطاع السياحي"، ودعا إلى محاسبة المسؤول عن اتخاذ القرار بهذا التوقيت السيئ.
فيما قال رئيس اتحاد الغرف السياحية، كريم محسن، إنه لم يتم إخطار الاتحاد رسمياً أو مناقشته بشأن قرار زيادة رسوم تأشيرة الدخول إلى مصر، مضيفاً أن الاتحاد تلقى مكالمات وخطابات من منظمي الرحلات الأجانب أبدوا فيها انزعاجهم بشأن قرار الخارجية، قبل أن تقرر الحكومة إرجاء القرار رسمياً استجابة لضغوط العاملين بالقطاع.
وقال أحمد رشدي، الخبير الاقتصادي، في حديث لـ"العربي الجديد" أن الحكومة المصرية مصرة على أن تظهر نفسها في موقف الضعيف والمتردد.
وأضاف رشدي إن الحكومة تعلن عن قرارات وقوانين وفور صدورها وظهور رد فعل معاكس ضدها تعدل عنها وربما تلغيها من الأساس، ما يؤكد أن تلك القرارات اتخذت دون دراسة لأثرها ولم تشرك الحكومة المعنيين بالأمر في اتخاذ القرار أو تستطلع آراءهم قبل سن القوانين والخروج بقرارات "عنترية" تضر بالاقتصاد المتداعي أكثر مما تفيد.
ولم يكن إصدار قرار زيادة رسوم التأشيرة السياحية ثم إرجاء تطبيقه، هو الأول، فقد أرجأت الحكومة عدة مرات قرار تطبيق ضريبة الأرباح الرأسمالية على تعاملات البورصة لمدة تفوق الثلاث سنوات، وحالياً تعتزم تطبيقه حسب تصريحات لوزير المالية عمرو الجارحي، وكذا قانون ضريبة القيمة المضافة الذي أعلن عن بدء تطبيقه أكتوبر/تشرين الأول الماضي، ولم تصدر لائحته التنفيذية حتى الآن، وهناك مطالب من مجلس النواب لوزارة المالية بتعديله.


وقال أحمد إبراهيم الخبير الاقتصادي إن "الحكومة تخشى دائما أصحاب النفوذ والصوت العالي، ودائما ما كان يعرف عن مستثمري البورصة وشركات الأوراق المالية أنهم أصحاب الصوت المرتفع في وسائل الإعلام وتحريك السوق الذي ينظر إليها الخارج على أنه دوما مرآة الاقتصاد".

وأضاف إبراهيم لـ" العربي الجديد" :" لا يخفى على الكثيرين أن النظام الحالي استغل البورصة عبر ما يعرف بالمال السياسي ودعم الكثير من رجال العمال في دفع البورصة للصعود بشكل مبالغ فيه في أعقاب إطاحة الجيش بالرئيس محمد مرسي في الثالث من يوليو/تموز وكذلك في أعقاب فض اعتصامي رافضي الانقلاب في ميداني رابعة العدوية والنهضة بمحافظتي القاهرة والجيزة، من أجل إعطاء انطباع للخارج بعدم وجود تأثير على الاضطرابات السياسية والأمنية على الاقتصاد".
وتابع :" الحكومة تعي جيداً أن رجال الأعمال ومستثمري البورصة وشركات الأوراق المالية أكثر نفوذاً وتتحوط في أي قرار يمس هذه الطبقات، بينما لا تعير السواد الأعظم من المصريين وهم من الفقراء أي اهتمام فيما يخص قرارات تقليص الدعم سواء للخبز أو السلع الأخرى".
وأوصت وزارة المالية المصرية مؤخراً بفرض ضريبة دمغة على معاملات البورصة بنسبة 0.2% على كل من البائع والمشتري في تعديلات قانون ضريبة الدخل، التي سترسل مسودتها لمجلس النواب خلال الأيام المقبلة، لكن هذه المساعي تقابل برفض كبير في أوساط البورصة.
وقال محمد عادل،، المحلل المالي بإحدى شركات الأوراق المالية العاملة في مصر، إن الحكومة عندما تفكر في اتخاذ قرار أو إصدار قانون لا تنظر لتداعياته على القطاع المستهدف، وإنما تفكر فقط في الحصيلة المالية التي ستعود عليها جراء تطبيق القانون أو إصدار قرار مفاجئ يربك السوق.
وأشار عادل في تصريحات لـ "العربي الجديد" إلى أن الحكومة تستهدف ما بين مليار و1.5 مليار جنيه من فرض ضريبة الدمغة على تعاملات البورصة، متجاهلة تأثير القرار السلبي على حجم التعاملات وعزوف المستثمرين عن التعامل في البورصة المصرية سواء المحليين أو الأجانب، مؤكدا أن الأمر نفسه يتعلق أيضاً بشأن قانون ضريبة الأرباح الرأسمالية الذي تظهر تداعياته السلبية كل فترة بمجرد العودة للحديث عن اقتراب تطبيقه.
وبحسب مصطفى حسن، المحلل الفني في إحدى شركات الوساطة المالية، فإن النسب المقترحة للضريبة ستؤثر سلباً على تعاملات البورصة، مستنكراً موقف الحكومة في سعيها للحصول على ملايين من حصيلة ضريبة الدمغة على حساب مليارات تستهدف الحكومة جمعها من الطروحات البنكية المرتقبة.

المساهمون