نابلس القديمة أو دمشق الصغرى

نابلس القديمة أو دمشق الصغرى

22 فبراير 2015
تشبه أسواق نابلس ومنازلها تلك التي في دمشق(نور حميدان)
+ الخط -
حتى اليوم، ما زالت أقواس مدينة نابلس القديمة تحفظ تاريخها. خلال تجوالك فيها، لا تستطيع إلا التوقف أمام بيوتها القديمة، علماً أن بعضها قد دُمّر بفعل الاحتلال ومرور الزمن. حُفرت على أحجارها حكايات كثيرة. وتشبه إلى حد كبير العاصمة السورية دمشق

في البلدة القديمة من نابلس تاريخ كامل. يقول كثيرون إنها دمشق الصغرى. من زار حارات الشام وتجول في خان التجار في نابلس، سيلاحظ مدى التشابه بين المدينتين. حافظت على تاريخها، وما زال أهلها يصرون على التخاطب بلهجتها الخاصة. في شوارعها تنتشر محال حافظ أصحاب بعضها على مهنهم القديمة.

كثيراً ما كان الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات يتردد على أزقتها القديمة. في ذلك الوقت، لم يكن أهالي البلدة يعرفونه، باستثناء قلة. في السياق، يؤكد العميد عبد الاله الأتيرة الذي اعتاد مرافقة عرفات خلال وجوده في أزقة البلدة القديمة، إن أبو عمار كان يطمئن لوجوده في هذا المكان، ومنه بدأ تشكيل الخلايا المسلحة لمقاومة الاحتلال. يضيف أن ذلك قد يكون سبباً في حقد إسرائيل على المكان، فقد تم تدمير كثير من تراث وتاريخ هذه المدينة خلال اجتياح مدينة نابلس عام 2002.

حكايات الناس عن مدينتهم لا تنتهي. يقول الحاج أحمد جعارة (75 عاماً) إن "البلدة القديمة كانت أشبه ببيت كبير. إذا مرض أحدهم يأتي الجميع لزيارته. ويشارك الناس أفراح بعضهم البعض". يضيف: "لم يكن أحد ينام وهو جائع. كنا نتفقد بعضنا البعض". لا يرى تغيراً كبيراً في العادات والتقاليد، إلا أن زيادة عدد السكان وكثرة الانشغالات أدت إلى ضعف التواصل.

قبل نحو عشر سنوات، زارت أماني جميل العاصمة السورية دمشق. على الرغم من مرور بعض الوقت، إلا أنها ما زالت تذكر تفاصيل رحلتها. تقول: "شعرت أنني في نابلس القديمة. هناك تشابه كبير في الأبنية والأسواق. حتى الناس متشابهون. لهجاتنا أيضاً بالإضافة إلى العادات والتقاليد. لم أشعر أبداً أنني خارج نابلس". حين عادت إلى نابلس، روت لأصدقائها عن هذا التشابه بين المدينتين.

في نابلس القديمة، تحمل بعض الأحياء أسماء غريبة، على غرار "حوش العطعوط" الذي نال نصيبه من ضربات الاحتلال، و"حبسة دم" و"حارة القريون" وغيرها، علماً أنه لكل حي حكايته. تحدث عنها كثير من الرحالة الذين كانوا يتجولون في بلاد العرب والعجم. قال الرحالة محمد المقدسي في كتابه "أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم"، إن "نابلس في الجبال كثيرة الزيتون، يسمونها دمشق الصغرى، وهي في واد قد ضغطها جبلان (في إشارة إلى جبلي عيبال وجرزيم)، سوقها من الباب إلى الباب، وآخر إلى نصف البلد، الجامع وسطها، مبلطة نظيفة، لها نهر جار، بناؤهم حجارة، ولها دواميس عجيبة".

تلك هي نابلس في نظر الرحالة المقدسي في القرن السابع الميلادي. لكنها تغيرت وتوسعت وصار الجبلان جزءاً أساسياً منها. إلا أن البلدة القديمة ما زالت على حالها. لا بد للزائر أن يمشي في أسواق البلدة القديمة، ويتناول أشهر الحلويات النابلسية، وخصوصاً الكنافة التي تمتاز بها مدينة نابلس بالمقارنة مع غيرها من المدن الفلسطينية.

وعلى الزائر الاختيار بين مداخل البلدة القديمة المتعددة، والسير بين محال العطارة والمخللات والخضار والعطور القديمة، حتى يصل إلى أحد محال الحلويات الأكثر شهرة في عمق البلدة القديمة. في داخله، تتدلى الأقواس. يرفض صاحب المحل مغادرة المكان الذي يعود عمره إلى مئات السنين. يشعر أنه يمسك بالتاريخ ويحافظ عليه، عدا عن كون محله يعد أحد أشهر محال الكنافة في نابلس. وقد اعتاد الاهتمام بالسياح.

يقع محله بين خان التجار وشارع النصر في حي القصبة وسط المدينة القديمة، ويستقبل الزوار من قرى وبلدات الضفة الغربية، بالإضافة إلى القاطنين في الخط الأخضر.

في البلدة القديمة، يرفض كثير من التجار وأصحاب المهن القديمة التخلي عن مهن ورثوها عن آبائهم. محمد الحشحوش هو أحد هؤلاء. حتى اليوم، لم يتخل عن مهنته، وهي تصليح وبيع "بوابير الكاز"، على الرغم من انتشار الأدوات الكهربائية المختلفة لطهي الطعام. يقول إنه عادة ما يصلّح بوابير سويدية الصنع، ويعتب على الذين تخلوا عنها ولجأوا إلى أجهزة الطهي الحديثة، لافتاً إلى أن البعض يصرون على الاحتفاظ بالبابور للزينة فقط، كونه تحفة قديمة.

يحاول الحشحوش بأدواته البسيطة الحفاظ على كنز ورثه من والده في شارع النصر في البلدة القديمة. يقول إنه وقلة ما زالوا يمارسون مهنة البوابرجي في نابلس. يريد لهذه المهنة أن تبقى موجودة على الرغم من ضعف مردودها الاقتصادي، لكنه يرفض أن يكون سبباً في تغيير معالم المدينة القديمة.

هذه هي البلدة القديمة في نابلس. ما زالت تحافظ على تاريخها، وترفض كل محاولات طمس الهوية. لكن الاحتلال الإسرائيلي انتقم منها عام 2002، فدمر كثيرا من المنازل والمحال التجارية، بحجة أن البلدة القديمة كانت بؤرة أساسية للمقاومة، فسقط فيها مئات الشهداء، وسالت الدماء على جدرانها.