العراق: سوق سمّاعات الغش

16 يونيو 2016
(تصوير: سافين أحمد)
+ الخط -

في بغداد، يمكن التعرّف على موعد بدء "الامتحانات الوزارية" بطريقة طريفة جداً، فقط تفحّص خدمة الإنترنت قبل التاسعة صباحاً، فإن لم تجدها، فاعلم أن الامتحانات قد بدأت. ويعود سبب ذلك، حسب تعليل وزارة التربية، إلى محاولة منع تسريب الأسئلة عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل موعد الامتحان.

 لكن يؤكد الطالب في كلية الزراعة، عمار حميد، في حديث إلى "جيل العربي الجديد"، تجاوز الطلبة هذا العائق بسهولة، قائلاً إن "الأسئلة المسربة كانت تصل دائماً، سواء عن طريق الرسائل القصيرة أو المكالمات، وفي بعض الأحيان كان مصدر التسريب يرسل نسخة إلى شخص يسكن في منطقة خارج نطاق قطع خدمة الانترنت لأجل بيعها، ويزداد سعر الأسئلة كلما وصلت في وقت مبكر أكثر".

يضيف عمار: "في حال عدم توفر الأسئلة، يلجأ الطلبة إلى استخدام سماعات الغش، وهي أفضل طريقة للمرور من امتحانات البكالوريا بسلام إذا لم تسرّب الأسئلة".

وتعد سماعات الهاتف صغيرة الحجم أحدث صرعة في طرق الغش الامتحاني، إذ يمكن طلبها من مندوبين لهم صفحات علنية في موقع فيسبوك، أو من محال تجارية في سوف الإلكترونيات في منطقة الباب الشرقي.

يوضح عمر سمير، الذي يعمل وسيطاً بين الطلبة وبائعي السماعات، تفاصيل هذا العمل بقوله إن "عملية الحصول على هذه السماعات بسيطة للغاية، إما عن طريق صفحات في فيسبوك أو من سوق الإلكترونيات في منطقة الباب الشرقي، لكننا أحياناً نكون وسطاء بين الطالب والبائع إذا تخوّف أحدهم".

وعن أسعار هذه السماعات، يضيف عمر: "يعتمد سعرها بالدرجة الأساس على وسيلة الاتصال بها، فإذا كان في القاعة الامتحانية جهاز تشويش يُستعمل جهاز "هوكي-توكي" فيصبح سعرها ما بين 300 إلى 600 دولار، حسب مدى الاتصال الفعال، أما في حال خلو القاعة من جهاز تشويش، فيراوح سعر السماعة ما بين 60 إلى 200 دولار، ويقوم بعض المندوبين بتوفير طاقم للاتصال بالطالب ورد الأجوبة، وتكلف هذه العملية في العادة 100 دولار لجميع الامتحانات".

يؤكد شيوع هذه الظاهرة في الجامعات قائلاً: "التعامل مع طلبة الجامعة مختلف وأكثر تعقيداً، لأن طاقم أمن الكليات في العادة يفتشون الطلبة قبل دخولهم إلى الكلية، فيتم التنسيق مع أحد أعضاء القوى الأمنية أو عمال الكافيتيريا. في كلية التراث الأهلية على سبيل المثال، يُدفع لرجل الأمن 100 دولار ليغض البصر عن سماعة الطالب في جميع الامتحانات".

ويعد ابتعاد الطلبة عن الدراسة واللجوء إلى وسائل غش تقليدية ومبتكرة ظاهرة لها أبعاد عدة تتعلق باختيارات الطلبة ومستقبلهم بعد التخرج. هذا ما يؤكده غيث مجيد، المتخرج حديثاً من كلية العلوم السياسية، مشيراً إلى أنه "دخل كلية العلوم السياسية وفقاً لنتيجة الاستمارة الإلكترونية التي تعتمد نتائجها بشكل أساس على مجموع درجات الطالب في امتحان البكالوريا".

ويضيف غيث: "كنت أرغب بدراسة القانون، إلا أن درجات قليلة حالت بيني وبينها، فلم أكن متحمساً لدراسة مناهج العلوم السياسية، وكان همي الوحيد هو النجاح بأي شكل من الأشكال".

من جانب آخر، يعزو الأكاديمي سعد السعيدي شيوع هذه الظاهرة إلى أسباب اجتماعية وتربوية وأخرى نفسية. يقول في حديث إلى "جيل العربي الجديد"، إن "تراجع الشعور بالثقة بالنفس لدى الطالب يجعله تحت ضغط الشعور بالعجز واحتقار الذات بشكل يدعو إلى تعويض ذلك العجز بالغش والسرقات العلمية".

يضيف: "أصبح الحصول على تحصيل دراسي معيّن، إنما يقع في منطقة التفاخر والظهور الاجتماعيين، وليس في منطقة التقدم العلمي والمعرفي؛ ما يعني الرغبة بالحصول على شهادة بأي طريقة".

وعن التدخل في اختيار الطلبة لتخصصهم، يبيّن السعيدي: "لا يمتلك الطالب حريته الكاملة في اختيار اختصاصه، بل يحدد ذلك مدى ارتفاع المعدل الدراسي الذي لا تنجح في تحقيقه سوى ندرة من الطلبة، هذا إضافة إلى أن نسبة واسعة من الطلبة الجامعيين يتحكم في اخياراتهم الأهل والأصدقاء".

المساهمون