أفكار عن سيكولوجية العنف

06 اغسطس 2015
أسوأ الجرائم لا يرتكبها الحمقى والأغبياء (Getty)
+ الخط -
يطالعنا كتاب "سيكولوجية العنف" لمؤلفه كولن ويلسون بمعلومات مستفزة لكل خيالاتنا، وما نظن أننا نعرفه عن تاريخ الإنسانية الإجرامي، وعن مبررات الوحشية التي تقبع في كوامننا، وتقتاتنا من حين لآخر، وربما انفجرت بألوان تراثية مغبرة كالحة في السواد، أو حداثية ساطعة مزركشة تخطف الألباب.


كل تلك الصور النمطية التي رسمتها السينما لأشكال المجرمين والسفاحين البشعين، ذوي العيون الحمراء الجاحظة، والهالات الرمادية أسفل منها، والأسنان السوداء المقرفة، وروائحهم المنتنة، وملابسهم الممزقة، كلها صور غير واقعية، ولا تمت إلى الحقيقية بصلة، فالمجرمون والسفاحون والقتلة ليسوا كذلك، وإنما عُرف عن كثير منهم الترتيب والأناقة، وحسن المعشر، وطيب النفس، وربما فاقت وسامتهم غيرهم، وإلا كيف استطاع بعضهم أن يُعذب ويقتل العشرات كما فعل تيد باندي أو جيفري آدمر في نهايات القرن العشرين، وغيرهم الكثيرون.

وتاريخياً لم تُنصف السينما العربية شخصيات كفار قريش التي عتت في إجرامها، ووصفهم القرآن بـأكابر المجرمين، أولئك السادة الذين دانت لهم العرب، وعُرف عنهم الفخامة والكرم، والتطيب والوسامة، وانتقاء الكلمات، وقوة الحجة، ورجاحة المنطق، فأظهرتهم بأبشع صورة، مما ساهم في تزييف الوعي وربط الإجرام والمجرمين بصورة نمطية غير حقيقية، أربكت المشهد المعاش، وخلطت الأمور.

أما عن القدرات العقلية فيذكر كولن ويلسون أن من يرتكب الجرائم في العادة أفراد يزيد معدل ذكائهم عن معدل الذكاء العادي لغيرهم. كما أن أسوأ الجرائم لا يرتكبها الحمقى والأغبياء كما يُظن، بل يرتكبها المتحضرون الأذكياء باتخاذهم قرارات يوفرون لها المبررات والدوافع الكافية. فعلى المستوى الفردي أحد أهم الدوافع التي يبحث عنها البشر هي الدافع نحو البطولة والتمايز، فنحن البشر منغمسون في ذواتنا بطريقة مفزعة، لهذا يقتل البعض من أجل تحقيق الذات، وفعل ما يعتقدون أنهم يمكن أن يفعلوه، والإنسان هو الكائن الوحيد الذي يعذب بني جنسه دون وجود مبرر.

إن الدافع الإجرامي ليس شذوذاً أو جنوحاً لفعل الشر أكثر من فعل الخير، بقدر ما هو مركب طفولي، يسعى الإنسان من خلاله إلى البحث عن السهل المختصر لتحقيق الأهداف والغايات التي يعتبرها نبيلة، وانتزاع ما يريده من يد الآخرين، تماماً كما يفعل الأطفال بكل برآءة.

وعلى مستوى الشعوب فإن الجرائم الجماعية التي ارتكبها عتاولة الإجرام عبر العصور حول العالم لم تكن نتيجة نزوات طارئة، إنما كانوا يرتكبونها لدوافع ناتجة عن أفكار مشوهة من المثاليات لخلق عالم أفضل، أي أنهم قتلوا من أجل الصالح العام، وعذبوا من أجل الصالح العام، وأبادوا من أجل الصالح العام. تسبب ستالين منذ عام 1920 ولغاية خمسينيات القرن المنصرم بمقتل وموت أكثر من 20 مليون إنسان في الاتحاد السوفييتي من أجل تحقيق العدالة الاجتماعية وتطبيق النظم الاشتراكية، وفي ألمانيا، أباد النازيون من عام 1930 حتى أربعينيات القرن المنصرم 11.4 مليون إنسان غير مرغوب فيهم، وفي اليابان أيام الحرب الصينية اليابانية منذ عام 1930 ولغاية الأربعينيات تمت إبادة أكثر من 10 ملايين إنسان وفقاً لمبادئ الساموراي الرجولية، وقتلت قنبلتا ناغازاكي وهيروشيما الأميركيتان عشرات الآلاف في لحظات من أجل الحصول على عالم أفضل.

وفي ميادين الحرية والكرامة العربية أبيد آلاف الشباب من أجل إيقاف "المؤامرات الكونية" على أنظمة الاستبداد، والقضاء على المندسين العملاء، وأخيراً وليس آخراً من أجل الصالح العام ونفع المجتمع! ومن أصدر الأوامر في تلك المجازر كانوا أنيقين يلبسون البزات، وربما كانت الابتسامات تعلو وجوههم.

(البحرين)
المساهمون