تكنولوجيا العمل عن بُعد

07 يناير 2015
تطور آليات العمل عن بعد (Getty)
+ الخط -
تعود نشأة تكنولوجيا العمل عن بُعد إلى ثورة المعلومات والإنترنت التي عرفها العالم والتي أحدثت تلاشياً في الزمان والمكان. هذا الأمر ترتب عنه تغيّر واضح في مجموعة من السلوكيات الاجتماعية ومنها العمل. يضاف إلى ذلك، التطور المستمر في علوم الإدارة والتنمية المؤسساتية، حيث نجد تجديداً كبيراً في التنظيم، التخطيط، إدارة الموارد البشرية ومراقبة العمل، وكذلك تحديث عميق لهياكل وبنى المؤسسات في ظل عولمة الاقتصاد وتنافسية الأسواق.
الشركات العابرة للوطن
في هذا الإطار، استعانت المنشآت والمؤسسات، وعلى وجه الخصوص تلك التي تصنّف كمؤسسات متعددة الجنسيات وعابرة للأوطان، بتكنولوجيا العمل عن بُعد، لتسهل مهامها التنظيمية المتعلقة بتوزيع الأدوار على الأفراد وتحديد مسؤولياتهم، مع تقريب المسافات المكانية وإعطاء هامش واسع لحرية العمل.
تساهم تكنولوجيا العمل عن بعد، في تحقيق هذه المعادلة الصعبة بين الجمع في إنجاز الأهداف وتجنب إكراهات العمل المرتبطة بالنهج البيروقراطي المسيطر على معظم المؤسسات في العالم. هذا، وتعتبر شبكة الإنترنت سوقاً للعمل عن بعد تلتقي فيها طلبات وعروض العمل من خلال الربط بين الأطراف من مختلف بقاع المعمورة في مواقع للتوظيف وتقديم خدمات استشارية في عالم المال والأعمال.
وفي هذا الإطار، نجد أن أبرز القطاعات الاقتصادية المحركة لسوق العمل عن بعد هي: التصميم والهندسة، الإعلانات والعلاقات العامة، التسويق الالكتروني، إدارة المعلومة وإدخال البيانات، ثم الاستشارة والإرشاد.
وبناءً على ما سبق، يتطلّب العمل عن بعد توفير أدوات الاشتغال ووسائل الاتصال وتقنيات السلامة والحماية التي تمكّن العامل أو الموظف من إنجاز عمله في المنزل على أكمل وجه، كما يكون مبيّناً في عقود العمل عن بعد ذات الطابع الخاص. فهذه العقود تهتم بتحقيق الأهداف والقيام بالمهمة مع تحديد المقابل المادي حسب ساعات العمل وليس على شكل راتب شهري.
تقدم تكنولوجيا العمل عن بعد مزايا عديدة، تتجلى في إتاحة حرية كبيرة للعاملين، من خلال ساعات العمل وعدم التنقل إلى مقر المؤسسات، ما يشكل حافزاً نوعياً، كما يساهم في تكافؤ الفرص بين شرائح المجتمع المختلفة من حيث النوع والعمر والظروف الصحية والاجتماعية، حيث يتمكن الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة من ولوج ميدان العمل بتيسير ظروفه عبر وجود وسائل اتصال كالهاتف والانترنت.
يتميّز العمل عن بعد بمرونة كبيرة في ظروف العمل، ويخلق بيئة توازن بين واجبات العمل والالتزامات الشخصية، الأمر الذي من شأنه تفادي التصادم داخل التنظيم المؤسساتي وتخفيض التكاليف التشغيلية بالنسبة للمؤسسة وزيادة الإنتاجية عبر تقليل نسبة الغياب.
وفي المقابل، يعاني العمل عن بعد من مشكلات كثيرة، حيث لا يمكن تطبيقه على جميع الأعمال، كما يتطلب بنية تقنية ووسائط تكنولوجية حديثة لإنجاز العمل، ويفتقر إلى رزنامة تشريعية وقانونية تنظم العمل عن بعد وتبيّن محددات العلاقة بين الموظف وصاحب العمل. وكذلك، يستدعي العمل عن بعد تدريب العاملين على التعامل مع التكنولوجيا وهيكلة العمل عن بعد.
علاوة على ذلك، يؤدي العمل عن بعد إلى عزلة اجتماعية، فلا يطور العلاقات الإنسانية بين العاملين داخل المؤسسة التي تعتبر ركيزة أساسية للتنمية المؤسساتية والارتقاء بالقيمة المضافة للعمل عبر التآزر الداخلي وإمكانيات الإبداع في المؤسسة.
لقد استفادت عدة دول من تكنولوجيا العمل عن بعد، وتحتل الولايات المتحدة الأميركية المرتبة الأولى في خلق مناصب للعمل عن بعد. تأتي بعدها كل من كندا، ألمانيا وبريطانيا، بينما بدأنا حديثاً في تسجيل دخول تكنولوجيا العمل عن بعد في العالم العربي وخاصة في دول الخليج، حيث أصدرت قوانين للعمل عن بعد ومواقع للتوظيف الالكتروني.
في المحصّلة، لتكنولوجيا العمل عن بعد آثار هامة على المجتمع، فيتم خلق فرص للعمل في مناطق جغرافية مختلفة تكسر حواجز المركزية، ما يؤثر على التقدم الاقتصادي عبر مبدأ العدالة وتكافؤ الفرص بين مختلف الفئات الاجتماعية، كما تتيح الخدمات للزبائن في ساعات خارج أوقات العمل. ونتيجة لذلك، تقوي تكنولوجيا العمل عن بعد الفضاء الاقتصادي الجديد العابر للحدود والزمن والمتطلع إلى الفاعلية الوظيفية من دون وجود عراقيل ذاتية أو خارجية.

دلالات

المساهمون