التحرّر الفلسطيني والتحرّر الكردي

التحرّر الفلسطيني والتحرّر الكردي

01 سبتمبر 2015
(تصوير: عيسى يلياسكو)
+ الخط -

عندما أقدمت إسرائيل عام 1982 على اجتياح بيروت من أجل القضاء على حركة المقاومة التحررية الفلسطينيَّة المسلَّحة، اندلعت معركة تاريخيَّة شهيرة (يُحكى عنها حتّى الآن في الأدبيّات الصهيونية العسكرية) في قلعة الشقيف في لبنان، وكانت أولى المعارك التي شهدتها الحربُ اللبنانيَّة آنذاك.

ووقعت الاشتباكات بالضبط بين وحدات كوماندوس خاصّة من لواء جولاني التابع لجيش الاحتلال الإسرائيلي من جهةٍ، ومسلّحين من منظمّة التحرير الفلسطينيَّة يقاتلون جنباً إلى جنب مع مسلّحين من حزب العمال الكردستاني PKK من جهة أخرى.

في ذلك الحين وقع مئات المقاتلين أسرى في قبضة الجيش الإسرائيلي، ونقلتهم سلطات الاحتلال إلى داخل فلسطين المحتلة وعرضت صورهم، وكان بينهم العشرات من الشباب الكرد (أورد ذلك روبرت فيسك: "لبنان في الحرب". صفحة 727، منشورات جامعة أوكسفورد).

تمثّل هذه الواقعة الترابط الجوهري ـ أخلاقياً وإنسانيَّاً وسياسيّاً ـ بين القضيّتين الفلسطينيَّة والكرديَّة، إذْ تُظهرُ القضيَّتان نزوع قومية كردية وقوميَّة عربية فلسطينية إلى التحرر والانعتاق والعيش.

وقد تعرّض هذا النزوع إلى قمع ممنهج من قبل قوى كولونيالية كانت تتحكّم بالمصير السياسي في المنطقة بشكل مباشر آنذاك، سواء من خلال وعد بلفور عام 1917الذي كان الأساس السياسي الواقعي لشرعنة تأسيس كيان إحلالي إسرائيلي وطرد الشعب الفلسطيني من أرضه، أو اتفاقيّة سايكس بيكو عام 1916 التي قسّمت المناطق الجغرافيّة ذات التواجد السكاني الكردي بين أربع دول تتنافس بينها على قمع التطلّع التحرري القومي الكردي.

ولم تقتصر هذه العلاقات على التضامن السياسي فحسب، بل تعدّتها إلى التدريبات العسكرية المباشرة بين مقاتلين من تنظيم حزب العمال الكردستاني PKK (شنّ الحزب المذكور حركة تمرّد مسلحة ضد العسكرتاريا التركيَّة منذ ثمانينات القرن الماضي، علماً أنَّ الدولة التركية كانت الدولة المسلمة الوحيدة التي اعترفت بإسرائيل عام 1949)، وبين مقاتلين من منظمّة التحرير الفلسطينية في لبنان، وذلك من أجل الاستفادة العسكريَّة القتاليَّة المُتبَادَلة، وتكوين رؤية تحرر يسارية كردية ـ عربيّة مشتركة، تنبذُ التطرّف القومي، وتؤسس لمفاهيم حريّة الشعوب والعدالة الاجتماعية.

وساعدت في تمتين هذا التضامن موجة انطلاق حركات اليسار العسكري التي قرّبت بين القضايا المختلفة لشعوب وإثنيّات مختلفة، ضد مشاريع الهيمنة والتسلّط الإقليمية والدوليَّة.

لكن مع انهيار المشروع الوطني للدولة العربية الحديثة، وإنشاء أنظمة استبداد عسكرية مهمّتها مراقبة المجتمع، والتفتت الشامل لكامل النظام الإقليمي السياسي الرسمي، وانقسام المجتمعات العربيَّة إلى طوائف وعشائر وملل وجهات، وانحسار الحركات اليساريَّة وزوال دورها التحرري تقريباً، تراجعت المقاومات العربية المسلّحة من المستوى الوطني العام إلى المستوى الأهلي الخاص، وتحوّلت إلى مقاومات يضمُر البعد الوطني فيها على حساب المذهبي الأهلي.

لكن يبقى الخيط الحقوقي السياسي رابطاً وثيقاً بين أعدل قضيتين في المنطقة: القضية الكردية والقضية الفلسطينية.


(كاتب سوري كردي/ برلين)

المساهمون