غسل الأموال وتمويل الإرهاب عبر البورصات

غسل الأموال وتمويل الإرهاب عبر البورصات

06 يوليو 2015
الأوراق المالية إحدى أدوات غسل الأموال (Getty)
+ الخط -
أجمع المجتمع الدولي على ضرورة محاربة الجريمة أياً يكن شكلها وهدفها أو طرق وقوعها، نظراً للأثر الاجتماعي البليغ لانتشار الجريمة، حيث يكرّس تحويل النظام العادل اجتماعياً إلى فوضى تسود الدولة. وهذا ما ذهبت إليه المنظمات العالمية، وعلى رأسها منظمة الأمم المتحدة عبر مجلس الأمن الخاص بها، والذي جعل مكافحة الجرائم بشكل عام هدفاً استراتيجياً يجب أن يتحقق، ويأخذ الأولوية القصوى في سياسات الدول.

وتأتي عمليات غسل الأموال، وهي عبارة عن تحويل النقد الناتج من عمليات غير قانونية ومن جرائم إلى أصول أو نقد سائل يأخذ الصبغة القانونية والشرعية. ويتم ذلك التحول عبر صور وأشكال عدة، منها ما هو في القطاع العقاري أو عبر المصارف والبنوك، والتي هي من حيث الوسيلة الأسرع والأفضل، كما أنها تكاد تكون مسرحاً أساسياً لعمل كل ما يلزم للتحويلات التي تغذي المجتمع، ولكن من مصدر غير قانوني.

ويتمتع القطاع المالي أيضاً بالأهمية ذاتها، نظراً لتشابه طرق التحويلات وكيفية التعامل الذي قد يكون على هيئة استثمارات طويلة الأجل. فمن أجل تحصين تلك القطاعات، حددت المواثيق والاتفاقات الدولية الكثير من المعايير التي يجب اتخاذها لتحديد النشاط الإجرامي في عمليات غسل الأموال، مع الأخذ بالاعتبار وضع أمثلة لكشف العمليات التي تعتبر غسل وتحويل الأموال من مصدر غير قانوني، حيث من الصعوبة في الكثير من الأحوال التعرف إلى العمليات والأنشطة الطبيعية من المخالفة منها.

وتنتقل الأموال عبر نظامين أساسيين، الأول عبر الجهات المحلية، وهي بين جهتين أو شركتين أو مصارف وغيرها من الأشكال التي تتجاوز التعاملات الفردية التي من الممكن كشفها بسهولة، والثاني عبر الدول وعبر التعاملات الدولية التجارية، والتي تعتبر من الأنشطة ذوات الطبيعة التقليدية.

إلى ذلك، تعتبر الأوراق المالية إحدى الأدوات التي قد يستغلها من يقوم بعمليات الغسل، عبر سلسلة إجراءات قد تبدو عادية ونمطية، غير أنها في الحقيقة نهاية سلسلة عملية غسل الأموال التي تستهدف تقويض النظام الاجتماعي والقانوني والاقتصادي أيضاً، في حال التوسع في عمليات التملك في الأوراق المالية ليصبح القطاع المالي في مواجهة الكثير من التحديات التي يصعب التحقق منها، ما يحتم إيقاف التمدد في استخدام السلطة الإدارية أحياناً لتمرير تلك العمليات المشبوهة.

كما يتم تعقب الكثير من التعاملات من جهات مختصة بالدولة لا تتبع لا القطاع المصرفي ولا للقطاع المالي، عبر وحدات متخصصة في كشف عمليات غسل الأموال، بالإضافة إلى كونها تحمل الصفة القضائية التي من الممكن أن تتحصل على معلومات جوهرية وسرية عن المشتبه بهم، وتقوم بالتحقق من العمليات والفصل بين تلك التي يشتبه بكونها عملية غسل أموال، وتلك التي لا تدخل ضمن الأنشطة المجرمة، ومن ثم يتم إحالتها إلى الجهات القضائية للفصل النهائي بها، مع التحفظ على كل تلك الأوراق المالية وإلغاء التداولات إن أمكن. ولكن في الغالب يصعب التحقق بالكامل من تلك العمليات كون الطرف الآخر فيها قد لا يكون له علاقة بغسل الأموال.

وتطورت كثيراً الأسواق العربية والبورصات التي اتخذت جملة من العمليات الرقابية مثل التوقف عن استخدام السيولة النقدية، وتم التعويض عنها عبر التحويلات أو الشيكات المصدقة أو غيرها من أوراق الدفع، التي يمكن تعقبها مقابل عمليات التداول، بالإضافة إلى إصدار تشريعات عامة وخاصة، تتعلق العامة منها بالأنظمة المالية والمصرفية والصيرفية كافة، أما الخاصة فهي تتجه نحو البورصات التي تتخذ هيئات الأسواق على عاتقها تفعيل سلسلة الإجراءات التي تقوم على أثرها حماية التعامل بالأوراق المالية من الاختراق.

وفي الجانب الأخر، فإن تمويل الإرهاب من عائدات عمليات بيع أو تداول في الأوراق المالية يعتبر هو الآخر من الأخطار التي تحدق بالبورصات، وبالتالي فهو يدرج عبر المنظمات الدولية أو المحلية ضمن المخاطر التي تقوض النظام العام والنظام المالي أيضاً. من هنا، كشفت التطورات الأخيرة في المنطقة أن البورصات ليست بعيدة من الأنشطة الإرهابية التي تحتاج للدعم المالي، والذي من الممكن أن يكون عبر تلك البورصات، إذ صدرت قرارات فورية بتجميد الأموال الخاصة بالمشتبهين أو بالمدانين عبر الأمم المتحدة وعبر مجلس الأمن تحديداً، وبقوائم تحدّث بشكل يومي، بالإضافة إلى منظمات أوروبية أخرى تتابع عبر أنظمتها ذلك التمويل عبر مراقبة الأفراد أو الكيانات التجارية أو التنظيمات المحظورة.

وتعتمد التحركات في البورصات عموماً على العوامل النفسية للأفراد الذين يتأثرون بكل الأحداث الطارئة من طريق ردود أفعال سريعة، ومن تلك الأفعال العمليات الإرهابية التي انتشرت بفعل العوامل الجيوسياسية في المنطقة.
(خبير مالي كويتي)

المساهمون